“عدول تاراغونا” …مثال صارخ للتعسف ولادمقرطة القرار الإداري في وزارة “بوريطة”

لا يختلف إثنان ان عددا من القطاعات الإدارية العمومية عرفت تحولا جذريا وتطورا ملموسا في الديمقراطية الداخلية لتدبير القطاع العمومي بعدما كانت حكرا على القطاعات الخاصة دون غيرها،إذ أضحت في العهد الجديد للملك محمد السادس الذي يعود له الفضل الكبير في ترسيخ هذا المفهوم وتجسيده على أرض الواقع (أضحت) قناعات ومسلمات يستحيل ان ترجع بها عجلة الزمن إلى ما كانت عليه في السنوات الغابرة.

فليست الأحزاب السياسية أو المؤسسات الدستورية هي المعنية لوحدها بهذا العنوان الفضفاض الذي يسمى “الديمقراطية”،بل هي ثقافة يتشبع بها المسؤول كيفما علا شأنه في تجويد الخدمة المرفقية العمومية ضمانا لكرامة المواطن وحرصا على صورة الوطن في الداخل والخارج.

كل الخطب الملكية في العهد الجديد، سارت في هذا التوجه. فمنذ خطاب “المفهوم الجديد للسلطة” الذي أطلقه الملك محمد السادس، انطلقت عمليات دمقرطة القرارات الإدارية في جميع القطاعات وأهمها القضاء في مبدأ تقريب القضاء من المواطن ، إدارة الأمن الوطني بدورها تشبعت بهذه القيم وأرست مبادئ تساير التطلعات الملكية على أسس عقلانية ،ديمقراطية، وطنية لزرع الثقة بين أطرها ومواردها البشرية والمالية حتى أصبحت نموذجا يحتدى به ومرآة تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه بلادنا في هذا المجال.

ولعل أهم قواعد التدبير الديمقراطي للقرار الإداري الذي ترتكز عليه أي وزارة لا يتعدى ثلاث محاور مهمة أولها : التشاور والتشارك الداخلي من أجل اتخاذ القرار المتعين بناء على الكفاءة والخبرة، وعدم الاستئثار به في يد واحدة، وهذا لا محل له في وزارة “بوريطة” ولا يعترف به الأخير عملا بحكمة سيدنا سليمان عندما جاءه الهدهد بنبأ يقين فأجابه ( قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين الآية )، وثانيها الشفافية في الإدارة البشرية والمالية وهو ما لا تؤكده التقارير القادمة من قنصلية برشلونة بعدما حلت لجنة وزارية الأسبوع الفارط للتمحيص في ملفات المحاسب الذي ما زال في إجازة مرضية إلى حدود كتابة هذه الأسطر،أما المحور الثالث والأخير فهو إحترام المساطر والقوانين في إنتاج القرار لكي لا يتعرض للنقض من قبل القضاء أو للتعسف وإستغلال النفوذ، ولنا في هذا الباب أمثلة كثيرة وملفات ما زالت تروج داخل أروقة القضاء الإسباني (قنصلية الجزيرة الخضراء نموذجا ) بعدما أصدرت إحدى المحاكم حكما لصالح الموظف (ع.ح) واصفة طرده للأسباب المشار إليها في القرار ب “التعسفي” مع إلزام الوزارة بأذاء التعويضات المالية في أجل لا يتعدى 5 أيام من صدوره ، وطبعا السيد “بوريطة” غير معني بأذاء المبلغ كونه يخرج من ميزانية الدولة وليس من ماله الخاص،فلو كان العكس صحيح لتريث الوزير وضرب ألف حساب وحساب قبل إتخاذ مثل هذه القرارات التي تستنزف خزينة الدولة دون فائدة تذكر.

فالواقع متقلب ودوام الحال من المحال ، تلك مفارقات غريبة في القطاعات العمومية المغربية التي كان بعضها في أسفل هرم إحترام هذه القواعد خصوصا في شقها المالي والبشري وبناء على الاستحقاق والكفاءة والحقوق الدستورية ليصبح في درجة رفيعة من سلم احترامها كقطاع العدل والأمن الوطني.

هاذين القطاعين الذين كان الموظف يعيش الأمر فيهما خلال عقود مضت بسبب تعسف المسؤولين وعدم احترامهم لأبسط حقوق الإنسان وعلى رأسها حرية التعبير والعمل النقابي، ذلك الزمن الذي كان يتم توقيف الموظف فيه بواسطة مكالمة هاتفية فيها جملة واحدة ” انت موقف أو أنت منقول إلى جهة بعيدة “. ذلك الزمن ولى دون رجعة وأصبح مع العهد الجديد مثالا يحتذى به في دمقرطة وشفافية وقانونية القرار الداخلي وأهمها الحصول على مناصب المسؤولية، وهذا بفضل وصول أشخاص إلى قمة المسؤولية وهم متشبعين بثقافة التشارك من أجل المصلحة العامة، فما بالك بقطاعات أخرى كانت محترمة إلى حد بعيد ومع تسلق شخصيات جديدة إلى هرمها أصبحت عاجزة على إحترام الحقوق والحريات والقانون بسبب عدم قدرة أصحابها على الإشتغال الجماعي داخل الفريق من جهة وضعف تكوينهم السياسي والحقوقي من جهة أخرى، فأساؤوا لأنفسهم وللمغرب ككل في عالم تطور بشكل سريع،لا بل إغتصبوا أبسط الحقوق وأعادوا طالبيها إلى حظيرة الطاعة.

ومن بين هذه القطاعات وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والجالية المغربية المقيمة بالخارج التي تضم تحت عباءتها وزارة منتذبة مكلفة بالجالية المغربية دون أن يعطيها الوزير “بوريطة” الصلاحيات والاختصاصات القانونية لتدبير نفسها،وهذا صار محل إجماع وطني يعرفه القاصي والداني،ما يطرح سؤالا عريضا عن جدوى تعيين وزيرة منتذبة وإشغال عاهل البلاد بتعيينها وتوفير ميزانية لها إذا كانت غير موجودة ولا تمارس مهامها على أرض الواقع أو بصريح العبارة تهميشها بعد النجاح الذي حققه نظيرها “بنعتيق” في كل ما يتعلق بالأنشطة والمبادرات التي إستهدفت مغاربة العالم في السنوات الأخيرة،أذ إعتبرت هذه المجهودات مصدر قلق وعدم إرتياح بالنسبة للوزير “بوريطة” الذي فشل تماما في معالجة قضايا المهاجرين المغاربة ، وبالتاي إنقلابا وتشويها لديمقراطية العهد الجديد.

إلى ذلك تعد خروقات وزارة الخارجية لقواعد دمقرطة القرار الداخلي بالجملة، حسب عدد كبير من موظفي الخارجية الذين تحدثوا إلينا، والممنوع بالمناسبة عليهم ممارسة العمل النقابي بدون أي سند قانوني، ومحرومون من أبسط حقوقهم الديمقراطية في التشارك في القرار الداخلي وفي حقوقهم الدستورية والمهنية التي يمنحها لهم القانون.

فالوزير بوريطة كرس منطق عدم الإصلاح الإداري الديمقراطي لهذا القطاع، وفوت فرصة تاريخية على نفسه من أجل تسجيل إسمه في تاريخ كبار الذين أسدوا خدمة كبيرة لهذا المرفق وللبلد ككل بجعل هذه الوزارة مرفقا لإبراز الكفاءات واحترام الحريات والحقوق بذل زرع مزيد من الخوف وكبح للمبادرات وردم للطاقات المفيدة للبلاد.

لذلك نعيد السؤال مرارا على مسامع المسؤول الأول على القطاع” ناصر بوريطة”، أين وصلت عبقريتك في دمقرطة القرار الداخلي والرقي بالحريات والحقوق والقانون في وزارتك؟ أم أنك ملزم بالإعتراف عن إخفاقاتك وعليك الرحيل بطل لا مجبر؟.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. يجب مراقبة القنصليات والسفارات المغربية بالخارج لأن بعض موظفيها أصبحوا فوق القانون ومند سنوات. لا يفكرون الا في أنفسهم وماذا سيجمعون من مال في مهمتهم التي نعتبرها نبيلة وهم يعتبرونها تجارية حثى الابناك المغربية في الخارج لهم نفس الاتجاه . والضحية دائما المهاجر .

  2. بوريطا مهتم بقضية الصحراء ضرب فيها باعا كبيرا بمراطون لا يتوقف فكيف له ان يواجه عدة جبهات لقد انجز ما لم ينجزه اي وزير خارجية سابق منذ ازيد من اربعين سنة فاتقوا الله في الرجل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى