فكرة الحراسة في القانون المغربي بين آراء الفقه وموقف القضاء

جواد شهباوي باحث في القانون

لقد اهتم الفقه كثيرا بفكرة الحراسة أثناء كلامه عن شروط مسؤولية حارس الأشياء، حتى قيل إن الحراسة هي مناط المسؤولية، لدرجة تجعل المرء يتصور بأن المسؤولية تكمن في فكرة الحراسة ذاتها.
ويرجع السبب في ذلك إلى كثرة المشاكل القانونية التي يثيرها موضوع الحراسة على الصعيدين النظري والعملي على حد سواء.
إذ لم يكن يكفي لصياغة مفهومها على وجه الدقة، الرجوع إلى النصوص القانونية التي تنظم المسؤولية عن الأشياء غير الحية، لأنه ليس في تلك النصوص القانونية تعريف للحراسة بمعيار يضبطها أو بخصائص واضحة تميزها.
فتحديد معنى الحراسة يعني معرفة شروط تحققها بمقصودها القانوني وبالتالي معرفة متى يكون الشخص حارسا للشيء.
ولا عجب إن أثارت هذه المسألة جدلا عنيفا بين الفقهاء، لكونها مسألة أساسية في موضوع المسؤولية.
لهذا تطور مفهوم الحراسة في الفقه والقضاء وتعددت الاتجاهات الفكرية التي حاولت تحديده، وقد ارتبطت هذه الاتجاهات أساسا بالنظريات المختلفة التي وضعت لبيان أساس المسؤولية عن فعل الأشياء وقد اشتهرت في هذا المجال في الفقه الفرنسي نظريتا الحراسة القانونية والحراسة الفعلية.
وكما هو معلوم فإن الحارس غالبا ما يكون هو مالك الشيء الذي تسبب في إحداث الضرر لكن في بعض الأحيان فإن تلك الحراسة قد تنتقل إلى الغير إما بإرادته أو بغيرها، بحيث يكون مجبرا على التخلي عن الحراسة، إذ في هذه الحالة يتعين تحديد الشخص المسؤول عن الأضرار، كما أنها قد تتوزع بين أكثر من شخص واحد، وفي هذه الحالة تثار مشكلة تجزئة عناصرها، كما انه اذا كان الفقه قد اجمع على إمكانية مساءلة الحارس المميز فإنه قد اختلف في إثبات إمكانية مساءلة الشخص عديم التمييز. ولا شك أن مساءلة الشخص باعتباره حارسا يقتضي ثبوت تلك الصفة، بالنسبة إليه أثناء وقوع الضرر بسبب الشيء الموجود تحت حراسته.
المبحث الأول
نظريات فكرة الحراسة
لقد ارتبطت فكرة الحراسة بنظريتان، وهما نظرية الحراسة القانونية (المطلب الأول)، ونظرية الحراسة الفعلية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: نظرية الحراسة القانونية
إن الحارس في عرف هذه النظرية هو الشخص الذي تثبت له سلطة قانونية تمكنه من استعمال الشيء واستغلاله وتوجيهه، ورقابته والتصرف فيه تصرفا ماديا أو قانونيا في الحدود التي تسمح بها القوانين والأنظمة.
وعليه، لكي يعتبر هذا الشخص حارسا للشيء بمقتضى هذه النظرية يتعين أن تكون له على الشيء سلطة قانونية يستمدها من حق له عليه عينيا كان هذا الحق أو نصا قانونيا أو أي مصدر من مصادر الحقوق التي قد تكون حق ملكية أو حق انتفاع أو حق الدائن المرتهن في الرهن الحيازي أو حق المستأجر أو حق المستعير وغيرها من الحقوق.
والقاعدة هي أن الحارس القانوني يحتفظ عادة بسلطته القانونية في استعمال الشيء واستغلاله وتوجيهه ورقابته بالكيفية التي يحبذها والتي تثبت له من خلال حقه على الشيء محل الحراسة، والذي تم اكتسابه في الأصل عن طريق تصرف قانوني ما.
إذ يكفي وجود هذه السلطة القانونية لثبوت الحراسة فلا يشترط مباشرتها بالفعل وعلى هذا الأساس فإن عدم معرفة الشخص بالأمور الفنية المتعلقة بالشيء لا يتعارض مع اعتباره حارسا له طالما أن له الحق في رقابته وتوجيهه، فإن لم يستطع مباشرة ذلك فعليا بسبب جهله الفني فلا تنتقل منه هذه السلطة إلى غيره إلا بعمل قانوني إرادي يعبر به عن انتقالها بمقوماتها المميزة لها فتكون تلك السلطة شرعية في مصدرها إذ تنبني على حيازة قائمة في حدود القانون فيكون الحائز معها ذا حق في الاستعمال والإدارة.
كذلك يترتب على نظرية الحراسة القانونية أن التابع لا يعتبر حارسا للشيء الذي يستخدمه لحساب متبوعه بل تبقى الحراسة للمتبوع فالحيازة المادية لا تكفي لاكتساب التابع صفة الحارس طالما أن نية المتبوع لم تتجه إلى نقل الحيازة القانونية على الشيء للتابع كما أن سلطة التابع على الشيء لا تتصف بالاستقلال بسبب خضوعه لرقابة وتوجيه المتبوع لأن استعماله للشيء يكون لحساب المتبوع لا حسابه الشخصي.
وقد انتقدت نظرية الحراسة القانونية من ناحية أن الربط بين الحراسة ووجود حق أو سلطة قانونية على الشيء ليس له سند في القانون، كما قيل كذلك:
“إن ما يجافي العدالة أن يظل مالك الشيء المسروق حارسا له فمادام السارق لا يملك أي حق على الشيء فلن يستطيع أن ينقل الحراسة إلى أي شخص ولو كان حسن النية.
وهكذا يظل المالك حارسا بالرغم من تداول الشيء بين عدة أيدي مادام له الحق في استرداده ولا شك أن هذه النتيجة تتنافى مع العدالة ومع روح القانون.
المطلب الثاني: نظرية الحراسة الفعلية
لقد سادت نظرية الحراسة القانونية في فرنسا زمنا طويلا، إلا أن القضاء أولا ثم الفقه ثانيا قد تحولا عنها إلى نظرية الحراسة الفعلية على إثر صدور قرار قضائي جديد يعرف في أدبيات القانون الفرنسي بقرار فرانك “Arret Frank”.
إذ بعد صدوره هجر الفقه والقضاء النظرية السابقة وتوصلا إلى نظرية جديدة في تحديد مدلول الحارس تعرف بنظرية الحراسة الفعلية.
فبمقتضاها يعتبر حارسا للشيء كل من له سلطة فعلية عليه سواء أكانت هذه السلطة قائمة على حق على الشيء أم لم تكن كذلك.
وبعبارة أخرى لا يشترط في هذه السلطة أن تكون قانونية بل يكفي أن تكون واقعية وفعلية والحارس الذي يفترض الخطأ في جانبه هو ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تكون له السلطة الفعلية على الشيء قصدا واستغلالا دون أن يكون خاضعا في ذلك لسلطة شخص آخر فيما يتعلق باستخدامه للشيء محل الحراسة لأنه بذلك يمارس السلطة الفعلية استغلالا ولحساب نفسه مما يسبغ إمكانية افتراض الخطأ في الحراسة في جانبه مادام أن الضرر قد وقع بفعل هذا الشيء المشمول بحراسته الفعلية.
ومادامت السلطة الفعلية لا ترتبط بصفة قانونية أو بحيازة مادية فإنها قد تثبت بحق أو بغير حق فتستوي في ذلك نطاقها الشرعي أو غير الشرعي.ولا تتحقق مالم يتوافر عنصراها المادي (الفقرة الأولى) والمعنوي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: العنصر المادي للحراسة.
يقصد بالعنصر المادي للحراسة أن يكون للشخص سلطة على الشيء من حيث الاستعمال والرقابة والتوجيه.
وعليه فإن الحراسة المسؤولة تقوم على الاستعمال والإدارة والرقابة ومن هذا المنطلق فإن الاجتهاد القضائي مازال يعتمد المقومات ذاتها لتحديد الحارس المسؤول.
وهكذا فللإحاطة بهذا العنصر المادي للحراسة فإننا سنعطي فكرة على كل عنصر من عناصرها الثلاثة:
أولا ـ الاستعمال:
يقصد بالاستعمال أن تكون للشخص سلطة استعمال الشيء كأداة لتحقيق غرض معين وفق ما أعد له ذلك الشيء بحكم طبيعته.
وهكذا فإن استعمال السيارة يكون بركوبها ومن تم يدخل في مفهوم تلك السلطة استخدامها لعمل من أعمال المهنة، فالميكانيكي الذي يقوم بإصلاحها يعتبر مستعملا لها أثناء فترة الإصلاح وفضلا عن ذلك فالاستعمال لا يقوم على توافر الحيازة المادية على الشيء متى كانت سلطة استخدامه في يد حارسه كما لو عهد المالك إلى تابعه في استعمال سيارته في حدود ما يراه الأول على أن يكون استعمال التابع لها حاصلا طبقا للإرادة الحارس الذي شاء أن يجري الاستعمال على هذا الوجه.
وعليه فإن السيطرة عليها السيارة تكون للمالك المتبوع الذي يستأثر لنفسه بالاستعمال المعنوي وبالتالي فإن صفة الخضوع والتبعية التي تحكم علاقة المتبوع بتابعه تحول دون اعتبار التابع حارسا للشيء لأن الحراسة تقتضي أن تكون للشخص سلطة مستقلة على الشيء من حيث الاستعمال والرقابة والإشراف. كما أن الاستعمال لا يفرض الاستمرار دوما ليبقى الحارس مسؤلا إذ قد يتوقف حينا ويبقى المالك حارسا للشيء فلو أوقف فلاح جراره طيلة فصلي الشتاء والربيع فإن الحراسة تبقى بيده طالما أن له السلطة في إعطاء الأوامر التي تتعلق به كالأمر بنقله من مكان إلى آخر غيره، كما لا يعتبر الشخص حارسا للشيء إذا لم تكن له سلطة إستعمال الشيء وقت وقوع الحادث فإذا لم تكن السلطة المتحققة له في وقت من الأوقات أو أنها كانت قد انقضت وقت وقوع الحادث أو لم تنشأ له إلا بعد وقوعه ففي كل هذه الفروض لا تنهض مسؤوليته كحارس للشيء وهكذا فمالك السيارة المسروقة لا يعد حارسا لها متى أحدثت ضررا للغير بسبب سياقتها من طرق السارق.
كما قد يتعدد مستعملوها وفي هذه الحالة يقتضي الأمر تحديد من له السلطة على إدارتها وتوجيهها وقت استعمالها لغايتة الشخصية كما ان استعمال الابن للسيارة بدون إذن الأب يجعل الحراسة بين يديه ويكون انتقالها إليه بفعل إعارة مفترضة تبررها العلاقة العائلية وهذا الافتراض مشروعا واقعا وقانونا.
ثانيا ـ الإدارة:
إن خاصية الإدارة هي التي تظهر عمليا في سلطة إصدار الأمر والإرشاد الذي يعطيه من له سلطة على الشيء في كيفية تحقيق الهدف الذي يسعى الوصول إليه بواسطته.
وللإدارة بالوجه المطلق مفهومان أحدهما مادي يتجلى في وضع اليد على الشيء من أجل إدارته فعليا ومن ذلك صاحب السيارة الذي يضع يده على المحرك قصد تشغيله وثانيهما معنوي ويكمن في سلطة إعطاء الأوامر الخاصة بتوجيه ذلك الشيء ، ومن ثم فصاحب السيارة يتمتع بمثل هذه السلطة مادام باستطاعته أن يأمر تابعه باستخدامها في الأوجه المعدة لها.
وفي الحقيقة إن المفهوم المعنوي لعنصر الإدارة يكفي قانونا لكي تستوعب الحراسة كافة الحالات التي يكون فيه الشيء تحت يد صاحبه أو على الأقل تحت نظره مع بقاء سلطته عليه وعلى من يستعمله كذلك.
فلو ترك شخص سيارته في ساحة البناية التي يسكن فيها وانتقل إلى منزل ريفي مدة من الزمن فإن الإدارة بمدلولها المعنوي تظل له مادام أن في قدرته وطبقا لمشيئته أن يعود لاستلامها أو أن يأمر أي أحد من الأفراد كخادمه مثلا بأن يحضرها له بالمكان الذي يقطن به في البادية.
أما إذا قام أحد من الأشخاص بسرقتها ليلا فلا يبقى له في هذه الحالة لا التوجيه المادي ولا المعنوي، فالتوجيه بنوعيه ينتقل إلى السارق الذي يعتبر حارسا لها لا مالكها الأصلي الذي أصبح يفتقر إلى القدرة على إصدار الأوامر بشأن سيارته.
كما أن معلم القيادة يعتبر حارسا للسيارة في حالة ارتكاب المتعلم الحادثة بواسطتها بخلاف الممتحن الذي لا يعد حارسا للسيارة إذا ارتكب الشخص الذي يؤدي الامتحان حادثة بواسطتها.
ثالثا ـ الرقابة:
المقصود بالرقابة هنا سلطة ملاحظة وتتبع الشيء في استعماله وتفحصه وتأمين صيانته وإصلاح العيب الذي يظهر فيه واستبدال أجزائه التالفة بأخرى سليمة وذلك لضمان صلاحيته للاستعمال فيها أعد له وتلافي حصول أي ضرر ينجم عن استعماله وتوجيهه، وهذه الرقابة لا تعني بالضرورة بقاء الحارس إلى جانب الشيء يلاحظه ويعاينه، إذ يمكن أن تكون في أحد مظاهرها ذات مدلول معنوي كأن يعهد صاحب الشيء إلى تابعه أو المتعاقد معه بمراقبته فعليا أثناء استعماله، إذ يظل بعد ذلك حارسا له طالما أن سلطة التابع أو المتعاقد في هذا الشأن تأتي امتدادا لسلطة الحارس أو انطلاقا منها.
فالرقابة أضيفت إلى مدلول الإدارة من أجل التوضيح ومنع الالتباس وهذه الرقابة قد يراها البعض ملازمة للتمييز بحجة أنه لا يمكن أن يمارسها من لا تمييز له وهذا ما بدا لمحكمة النقض الفرنسية من قرارها الصادر بتاريخ 20 مارس 1947 الذي اعتبرت فيه أن فاقد التمييز لا يمكن أن يكون حارسا للشيء الذي استعمله ومسؤولا عن ضرره.
الفقرة الثانية: العنصر المعنوي للحراسة.
إن تحقق سلطة الاستعمال والتوجيه والرقابة على شيء معين لشخص ما لا يكفي للقول بأنه أصبح حارسا له.
وإنما يستلزم ذلك أيضا توافر العنصر المعنوي المتمثل في مباشرة هذه المظاهر المادية لحسابه الخاص.
بمعنى أن يكون القصد من ذلك هو تحقيق مصلحة أو فائدة شخصية له، ومن ذلك مثلا حالة تسليم شخص سيارته إلى تابعه ليقوم بأداء عمل لحسابه فإن هذا التابع لا يكون حارسا للسيارة حتى ولو كانت له عليها سلطات الاستعمال والتوجيه والرقابة، لأنه لا يستخدمها لحسابه الخاص بل لحساب المالك.
كما أن الولي أو الوصي أو القيم لا يعتبر حارسا للأشياء المملوكة لعديم الأهلية أو ناقصها وهذا ما جرى الفقه على التعبير عنه بضرورة استقلال الحارس في سيطرته على الشيء بمعنى أن لا يكون الشيء خاضعا لإدارة أو رقابة أو توجيه من الغير. وبديهي أن ذلك لا يتم إلا إذا استعمل الشخص الشيء لحسابه ومصلحته الخاصة.
والمصلحة التي يسعى الحارس لتحقيقها لا يشترط فيها أن تكون مصلحة مادية بل يمكن أن تكون مصلحة أو فائدة أدبية أو معنوية.
من ذلك صاحب السيارة الذي يذهب رفقة عائلته إلى مكان خاص للنزهة بغية الترفيه عن النفس فهو يستعملها لحسابه الخاص إذ بذلك يحقق مصلحة أدبية، وكذلك الأمر إذا قام شخص بإيصال زميل له في العمل إلى مكان إقامته على سبيل المجاملة فإنه يحقق بذلك لنفسه فائدة أدبية من وراء هذا الإيصال.
المبحث الثاني
انتقال الحراسة وانقضاؤها
إذا كان مفهوم الحراسة قد تحدد فقها وقضاء بفكرة السلطة الفعلية دون سائر النظريات الأخرى، فإنه قد أصبح من الطبيعي والحال هذه أن نعتمد على تلك النظرية عند انتقال الحراسة وانقضائها، فإذا كان معيار السلطة الفعلية هو السيطرة الفعلية على الشيء فإن فقدان هذه الأخيرة يؤدي بالنتيجة إلى فقدان الحراسة.
المطلب الأول: انتقال الحراسة.
تنتقل الحراسة من شخص إلى آخر بحيث يفقدها الأول ويكتسبها الثاني وفي هذه الحالة يتحقق انتقال الحراسة بإرادة المالك (الفقرة الأولى)، على أن انتقالها للغير قد لا يكون بمقتضى إرادته، وهذا ما يصطلح عليه بانتقال الحراسة دون إرادة المالك (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: انتقال الحراسة بإرادة المالك
تنتقل الحراسة بمقتضى إرادة الحارس مما يجريه من تصرف قانوني يرد على الشيء الذي هو في حراسته ويستوي أن يكون هذا التصرف الناقل للحراسة ناقلا للملكية أو مرتبا لحق عيني تبعي يمكن أن تثبت الحراسة بمقتضاه كالرهن الحيازي أو مرتبا لحق شخصي كالإجارة والإعارة كما يستوي أن يكون هذا التصرف بموجب إرادتين كما تقدم أو بموجب إرادة واحدة كالوصية وتبقى السلطة التقديرية للمحكمة لتقرر مدى انتقال الحراسة من عدمها.
وهكذا إذا كان المالك هو حارس الشيء الذي يملكه فإنه يكون له أن ينقله مع الحراسة عليه إلى غيره بموجب عقد يعبر فيه عن إرادة نقل الحراسة فيكون الذي تسلم الشيء عقديا حائزا بالمفهوم القانوني للحيازة، ولكن لا يكفي إبرام العقد بل لابد من أن يتبع إبرامه انتقال السلطة على الشيء إلى الحائز ليكتسب بها صفة الحارس بالمدى الذي يتلقاه من هذه السلطة، كما أنه لا يثير انتقال الحراسة بموجب عقد إشكالا إذا كان الحائز قد تلقى سلطة الأمر على الشيء ولكن الإشكال يطرح كلما كانت بيد الحائز سلطة منقوصة على الشيء وكانت العلاقة بينه وبين المالك متشابكة بالشكل الذي يجعل تحديد الحارس وقت الاستعمال امرا غير يسير أحيانا.
على أن انتقال الحراسة بناء على عقد من العقود ليس حتميا في جميع الحالات فهو لا يتوقف على الطبيعة الذاتية للعقد بل يجب على قاضي الموضوع بحث كل حالة على حدة وتحديد الحراسة بناء على الوقائع التي تبين من هو صاحب السلطة الفعلية على الشيء أهو المالك أم الشخص الذي تلقى منه الحق على الشيء.
فلو أجر شخص سيارته لآخر ليقوم برحلة ويقودها بنفسه فإن الحراسة في هذه الحالة تنتقل إلى المستأجر، غير أنه لو أجرها له ولكنه احتفظ لنفسه بقيادتها فإن الحراسة في الحالة الأخيرة لا تنتقل إلى المستأجر.
وتتفاقم مشكلة إسناد الحراسة إلى المسؤول عنها عندما يعهد المالك بالشيء إلى شخص من الغير لا يكون تابعا له ويكون ذلك بصفة مؤقتة ولأجل استعمال محدد له وليس بمنحه حقا عينيا، وقد واجه القضاء الفرنسي هذا الإشكال عن طريق التفرقة بين حالتين:
الأولى: وهي الحالة التي يعهد بمقتضاها بالشيء إلى المهني المحترف والذي يكون قد عهد إليه به بحكم مهنته أو حرفته ومن تم فإنه يعد مستعملا للشيء لأن هذا الاستعمال يكون داخلا في الإطار الطبيعي والمألوف لممارسة نشاطه المهني.
والثانية: هي حالة العقود التي لا تصلح من حيث آثارها لتبرير أو تعليل نشاط المهني أو المحترف والتي لا تتعلق بشخصه.
فالحالة الأولى: التي يعهد فيها المالك بالشيء إلى المهني لأجل غاية تخول له استعمال هذا الشيء وفقا لمقتضيات ممارسته لمهنته أو حرفته.
يتحدد مضمونها في أن الحرفي أو المهني تكون له السيطرة الفعلية في توجيه ورقابة الشيء والتصرف في أمره في إطار ممارسته لمهنته أو حرفته بطريقة طبيعية ومألوفة ووفقا للمجرى العادي لمقتضيات أدائه لها.
وعليه، فالسيطرة الفعلية للمهني أو الحرفي هنا لا تكون مقصودة لذاتها ولكنها إن صح التعبير بمثابة مقتضى طبيعي لممارسة المهنة أو الحرفة، والتي لا تستقيم عقلا ولا منطقا إلا بالسيطرة الفعلية على الشيء، وفي هذه الحالة يكون انتقال الحراسة الفعلية أمرا ميسورا كما هو الحال إذا ما عهد بالشيء إلى من يحترف الصيانة أو الإصلاح أو إلى صاحب المرآب ففي هذه الفروض تنتقل الحراسة الفعلية إلى من يعهد له بالشيء على سند من ممارسته للسلطة الفعلية، وبكل مقوماتها وبما يتوافق مع الإطار الطبيعي لاستعماله للشيء.
وعلى العكس من ذلك فإذا قامت شركة للإصلاح والصيانة بالذهاب إلى العميل في منزله لأجل صيانة الشيء في المكان الذي يوجد به فإنها لا تعتبر في هذه الحالة حارس للشيء لأنه ليس ثمة مجال للقول بانتقال الحراسة الفعلية بل إنها تظل لمالك الشيء.
أما الحالة الثانية: التي تتعلق بالعقود التي تتم بمناسبة أشياء والتي يعهد بها للغير ولا يكون لها أن تبرر نشاطه في إطار استعماله لها، فهي تتعدد بتعدد العقود التي تنطوي على نقل الحراسة كعقود الرهن والإيجار والإعارة، التي تتضمن بطبيعتها تسليم الشيء موضوع العقد من مالكه إلى المرتهن أو المستأجر أو المستعير.
فبالنسبة للحراسة التي يفرضها عقد الإعارة المبرم من أجل الاستعمال فإنه ينقل الحراسة إلى المستعير كما لو تسلم الشيء موضوع الإعارة ليستغله خلال الفترة المحددة في العقد وهذا الاستغلال هو الذي يتحدد به انتقال الحراسة إلى المستعير.
وقد قرر القضاء الفرنسي أن عقد عارية الاستعمال ينقل الحراسة إلى المستعير ولا يكون المعير محتفظا بسلطته الفعلية على الشيء المعار ويكون المستعير ممارسا لسلطته الفعلية على محل العارية قصدا واستقلالا.
وفي نفس المعنى صدر قرار عن الغرف المجتمعة لمحكمة التمييز الفرنسية في 26/03/1971 جاء فيه: ان هذه الهيئة القضائية العليا نقضت الحكم المطعون فيه الذي استبقى الحراسة للمالك بالرغم من وجود عقد إعارة وأخذت على المحكمة التي أصدرت هذا الحكم أنها لم تتحر عما إذا كان المستعير قد مارس على الشيء سلطة الاستعمال والإدارة والمراقبة.
وفي هذا الإطار يرى الأستاذ عاطف النقيب بأن: الحراسة لا تؤول إلى المستعير بحكم تعريف الإعارة وما توليه من وضع اليد على الشيء وما تفرضه من محافظة عليه وإنما بفعل ما يكسبه عقد الإعارة للمستعير من سلطة على الشيء ويستقل معها به متى كانت هذه السلطة هي التي تشترطها الحراسة.
وبمقتضى عقد الإيجار سواء ورد على منقول أو عقار يكون المستأجر من حيث المبدأ هو صاحب السيطرة الفعلية على الشيء المؤجر ومن تم يكون هو الحارس إلا إذا احتفظ المستأجر لنفسه بالحراسة الفعلية.
والواقع أن مقتضيات عقد الإيجار تفرض أن يقوم المالك بتمكين المستأجر من الانتفاع بشيء معين لمدة معينة لقاء أجر معلوم ومن تم ينتقل الشيء من يد المالك إلى المستأجر لينتفع به، وبذلك تنتقل السلطة الفعلية مع الشيء إلى المستأجر وتكون له كافة مقتضياتها مما يؤكد حراسته الفعلية عليه فيكون المستأجر حارسا له.
أما بالنسبة للحقوق العينية التبعية فلا يوجد من بينها ما يخول لصاحب الحق العيني التبعي إمكانية ممارسته للسلطة الفعلية على محلها إلا المرتهن رهنا حيازيا لأن الرهن الحيازي عقد يلتزم بمقتضاه شخصا ضامنا لدين عليه أو على غيره أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان المرتهن شيئا.
ووفقا لهذا يترتب على الرهن الحيازي انتقال حيازة المرهون إلى الدائن المرتهن وفقا لتنفيذ الراهن لالتزامه بتسليم الشيء المرهون منقولا كان أو عقارا وعندئذ تكون للدائن المرتهن أو الأجنبي سلطة فعلية على الشيء محل الرهن الحيازي ويصبح حارسا له مادام تحت يده وتتوافر له بالتالي مقومات هذه السلطة الفعلية من استغلال وتوجيه ورقابة.
كما أن الدائن المرتهن يظل حارسا للشيء كما لو وضع الشيء المرهون في حيازة عدل حيث إن هذا الأخير يقوم بمباشرة سلطته على الشيء المرهون لحساب الدائن المرتهن وليس لحسابه الخاص ولمصلحة هذا الدائن وليس لمصلحته هو.
أما بالنسبة لعقد البيع فإن مناط السلطة الفعلية التي تثبت للحارس بواسطته ترتبط بوجود واقعي وقانوني للشيء محل البيع في حيازة الحارس، وعليه فإن انتقال الحراسة الفعلية على الشيء المبيع إلى المشتري لا علاقة له بانتقال ملكية هذا الشيء من البائع إلى المشتري، غير أن هذا الانتقال يرتبط بالتسليم، فيصبح المشتري حارسا للشيء المبيع قبل أن تنتقل إليه الملكية مادام أن هذا المبيع في حيازته يمارس عليه من باب أولى سلطته الفعلية بكل مقوماتها.
ولعل صورة البيع التأجيري هي أصدق مثال على انتقال الحراسة الفعلية من البائع إلى المشتري الذي لم يعد مالكا، وعلى العكس من ذلك يكون البائع مستأثرا بالحراسة الفعلية لبعض الوقت على الشيء المبيع إذا ما تراخى في تسليمه إلى المشتري.
كما في حالة تسبب فعل الشيء في إحداث الضرر مع بقائه في المكان الذي تم فيه البيع في إحدى المحلات التجارية مثلا فإن البائع يعد حارسا لأن المشتري لم يتسلمه بعد ومن ثم فإن الحراسة الفعلية عل الشيء تظل للبائع.
ويكون نفس الحكم في رأي البعض إذا ما التقط العميل الشيء وأودعه على الحامل الخاص بذلك كما هي العادة في المحلات التجارية الكبرى، لا سيما وأنه لا يمكن الجزم في هذه الحالة بانتقال السلطة الفعلية على الشيء إلى من يريد الشراء وهو مازال يتجول بين أروقة المحل يقتني ما يشاء ويطرح ما يشاء جانبا.
لكن السؤال الذي يطرح ماذا لو كان الشيء المبيع في مرحلة التجربة؟ فمن يساءل عن الضرر الحادث بفعله هل هو البائع أم المشتري؟
إن البيع بشرط التجربة هو البيع الذي يحتفظ فيه المشتري بحق تجربة المبيع والأصل فيه أن يكون معلقا على شرط واقف إلا إذا تبين من الاتفاق أو الظروف أن البيع معلق على شرط فاسخ.
ولكي تتم التجربة يجب على البائع أن يمكن المشتري من ذلك، ومن ثم يكون الشيء المبيع عند المشتري في فترة التجربة أما أن يكون حارسا لفعل هذا الشيء فيتوقف على التفرقة بين أمرين:
الأمر الأول: إذا كان البائع هو الذي يراقب التجربة، ففي هذه الحالة فإن السيطرة الفعلية على الشيء المبيع تكون له هو ومن تم يكون حارس فعليا للشيء.
الأمر الثاني: إذا ما أخد المشتري بزمام توجيه الشيء ورقابته والتصرف في أمره في فترة التجربة، فإن ثمة مجالا يكون فيه هو صاحب الحراسة الفعلية عليه طوال مدة التجربة وفي هذا الإطار يعتقد الأستاذ أسامة أحمد بدر أن:
الترجيح بين الأمرين في غاية الصعوبة، ذلك أن المشرع قد بين الكيفية التي تتم بها التجربة فقرر إلزام البائع من تمكين المشتري من تجربة الشيء المبيع.
وللمشتري حرية القبول أو الرفض فهو وحده الذي يتحكم في نتيجة التجربة وقد يتضح من شروط العقد بأن الشيء المبيع يكون عند المشتري في فترة التجربة على سبيل الوديعة فإذا كان المشتري قد أخذ الشيء بدون أي سبب أو لم يسمى له ثمنا.
فالقاعدة في الشريعة الإسلامية أن هذا الشيء أمانة في يد المشتري، فلا يضمن إذ هلك أو ضاع بلا تعد، هنا لا تنتقل الحراسة الفعلية من البائع إلى المشتري بل تظل للبائع طوال مدة التجربة هذا من جانب.
ومن جانب آخر إذا أخذ المشتري الشيء وكان قد سماه ثمنا نقديا، فإن وجوده عنده عندئذ يكون من قبيل الوديعة المهنية ومن تم تنتقل الحراسة الفعلية من البائع إلى المشتري الذي تكون له سلطة فعلية عليه طوال مدة التجربة فيكون المشتري حارسا لهذا الشيء.
وقد تعرض القضاء الفرنسي لبعض الفروض العملية والتي تتمثل في حالة قطر أو سحب السيارات مجانا وحالة الإصلاح التطوعي فقرر بأن طالب المساعدة تكون له الحراسة الفعلية على الأقل في الوقت الذي تقدم له فيه المساعدة سواء بقطر السيارة المعطلة أو بإصلاحها.
ولقد أثارت حالات أخرى العديد من التساؤلات الفقهية والقضائية من ذلك مثلا حالة انتقال الحراسة للتابع أو الإبن القاصر إذ قد يتسببان في إلحاق الضرر بالغير نتيجة لخروجهما عن الحدود المسموح بها قانونا.
أولا ـ مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع في مجال حراسة الأشياء:
لما كان من المستقر عليه قانونا أن ثمة تنافرا و تعارضا Incompatibilité بين فكرتي الحراسة والتبعية فإن تحديد الشخص المسؤول عن الحراسة ما بين المتبوع و تابعه تبقى مسألة قانونية في غاية الأهمية إذ الغالب أن المتبوع هو المفترض أن يكون حارسا للشيء الذي سبب فعله ضررا للغير. رغم أنه كان بين يدي تابعه برضاء المتبوع، وبمناسبة أدائه لوظيفته، أي أن استعمال التابع له كان في سياق الاستعمال العادي كأمر مألوف تقتضيه وظيفته لأنه يتصرف لحساب متبوعه وليست له أية استقلالية في ممارسته للسلطات على هذا الشيء.
وهكذا نجد الفصل 85 من ق ل ع ينص في فقرته الثالثة على ما يلي: المخدومون و من يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه خدامهم ومأمورهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها.
فمن خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي لا يستلزم مسؤولية المتبوع على أعمال تابعه إلا إذا كانت علاقة التبعية قائمة، لأن التابع شخص يوجد في حالة خضوع بالنسبة للمتبوع الذي تكون له سلطة فعلية عليه تخوله رقابته وتوجيهه.
فإذا سلم المتبوع لتابعه شيئا لاستعماله في أداء وظيفته، فإن التابع لا يعتبر حارسا له و لو ترك له المتبوع حرية استعماله، و رقابته مادام المقصود بهذا الاستعمال هو تحقيق مصلحة المتبوع فالتابع لا يباشر سلطته على الشيء لحسابه الخاص، لأنه لا يتوفر لديه العنصر المعنوي للحراسة فحالة التبعية التي يوجد عليها تتعارض مع الحراسة التي تتطلب السيطرة على الشيء، للحساب الخاص.
وبالتالي فمسؤولية المتبوع عن الحوادث التي تتسبب فيها السيارة التي يقوم بقيادتها تابعه تنبني على أساس حراسته القانونية لها وهذا ما استقرت عليه الغرفة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية منذ قرارها الشهير في 27 فبراير 1929.
أما إذا انتفت إحدى مقومات علاقة التبعية، كما لو استخدم التابع الشيء لأغراضه الشخصية أو تجاوز في استخدامه له حدود وظيفته فإنه تثار مسألة تحديد الحارس المسؤول هل هو المتبوع أم التابع ؟ لاسيما و أنه لا يوجد ما يمنع قانونا من أن تنتقل السيطرة الفعلية على الشيء إلى التابع.
فبتتبع خطى بعض فقهاء المسؤولية في هذا المجال فإننا نجد أنهم يسلكون لتوضيح الرؤيا مسلكا ينتقل من البسيط إلى المعقد.
1 ـ الفرضية البسيطة
أ ـ الوضعية المؤكد فيها قيام مسؤولية المتبوع:
هذه الوضعية توجد في كل الحالات التي يقوم فيها التابع بارتكاب فعل ضار داخل إطار الوظائف التي يشغلها هذا الخطأ الذي ارتكبه التابع في أدائه لوظائفه و هو ما يسمح بقيام مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعة و لا يهم أن يكون قد ارتكب عن إهمال أو عن سوء نية بقصد أو بغير قصد ما دام مرتبطا ارتباطا وثيقا بالوظائف التي يؤديها التابع.
ب ـ الوضيعة المؤكد فيها عدم قيام مسؤولية المتبوع:
هذه الوضعية نجدها في كل الحالات التي لا يكون فيها الفعل الضار المرتكب من طرف التابع مرتبطا بالوظائف التي يشغلها، فهذا الفعل يكون مرتكبا من طرف التابع خارج الإطار الوظيفي الذي يعمل فيه تحت إمرة متبوعه سواء كان قد ارتكب خارج أوقات العمل أو بعيدا عن مكانه أو بسيارة خاصة مملوكة للتابع لا علاقة لها بالعمل.
وبالتالي فكل هذه الحالات لا تسمح بقيام مسؤولية المتبوع عن فعل التابع و ذلك للانعدام علاقة التبعية التي هي سند المسؤولية، فلا يمكن أن يسأل المتبوع إطلاقا عن حادث مرتكب من طرف تابعه يوم الأحد بسيارة يملكها هذا التابع.
لأنه كلما كان الحادث أجنبيا عن وظائف التابع، أو مرتكبا في مصلحته الخاصة خارج الإطار الوظيفي إلا و استبعدت مسؤولية المتبوع. فقيام مسؤولية هذا الأخير عن فعل تابعه تبقى متصلة اتصالا وثيقا بالوظائف التي يشغلها التابع و بعلاقة التبعية التي تربط أحدهما بالآخر. وإلى جانب هذين الوضعيتين هناك وضعية ثالثة متفق عليها أيضا.
ج- الوضعية التي تكون فيها الضحية على علم بتصرف التابع لحسابه الخاص:
ففي هذه الحالة و لو ارتبط تصرف التابع بالعمل برابطة زمنية أو مكانية فإن الفقه والقضاء يتفقان على عدم قيام مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.
و القضاء مستقر على هذا الاتجاه و ذلك لعلم الضحية بتصرف التابع لمصلحته الخاصة و ليس لمصلحة المتبوع زيادة على أنها تستفيد من هذا التصرف، فلا مجال إذن لقيام مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعة و القول بهذا يقتضي أن يكون للضحية سلوك إيجابي كتواجدها داخل السيارة التي يقودها التابع لحسابه الخاص، أما إذا كانت الضحية ليس لها إلا دور سلبي كمرورها في الشارع و إصابتها بواسطة السيارة التي يقودها التابع فلا يمكن أن يحتج عليها بهذا العلم و على المتبوع إذا ما أراد أن يتنصل من مسؤوليته عن فعل تابعه أن يثبت علم الضحية بالتصرف الشخصي للتابع، فحسن النية يفترض دائما و على المتبوع أن يثبت العكس.
2 ــ الفرضية المعقدة: حالات تجاوز الوظائف وموقف القضاء منها:
أ ـ حالات تجاوز الوظائف:
إن حالات تجاوز الوظائف Abus de fonction التي يسميها الفقهاء أيضا بالحالات الوسطى تتأرجح بين اتصالها أو عدم اتصالها بالوظائف التي يشغلها التابع، بحيث تسمح بالقول بتحمل أو بعدم تحمل المتبوع للمسؤولية، و قد تعددت التعاريف التي أعطيت بتعدد الفقهاء، و هي تتمحور بالأساس حول قاعدة مشتركة تخص حالات تجاوز الوظائف التي هي حالات يرتكبها التابع و ليست أجنبية تماما عن وظائفه فهي رغم أنها تدخل في صميمها يمكن أن ترتبط بها بعنصر أو بظرف معين يفتح المجال للتردد و يجعل هذه الحالات منطقة مشبوهة Zone incertaine و المثال النموذج في هذا المجال هو استعارة السيارة بدون إذن من طرف التابع لغرض شخصي و إحداث ضرر بواسطتها.
و التعريف الذي قدمه الأخوين مازو صالح للإبراز الخطوط العريضة لحالات تجاوز الوظائف.
ب ـ موقف القضاء من حالات تجاوز التابع للوظائف
ـ موقف القضاء الفرنسي:
إذا كان الفقه الفرنسي يجمع على الخطوط العريضة لحالات تجاوز الوظائف و يعترف بصعوبتها و إشكالها فإن القضاء الفرنسي من جهته قد عرف تطورا عجيبا من خلال المواقف التي تبنتها محكمة النقض إزاء مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعة في حالة تجاوز الوظائف و ذلك من خلال المراحل التالية:
ـ المرحلة الأولى: اتجاه محكمة النقض الفرنسية قبل سنة 1954
يمكن القول بأن الاتجاه الذي كانت تتبناه المحاكم قبل سنة 1954 سواء المحاكم السفلى أو محكمة النقض الفرنسية في تأويل شرط كون الفعل الضار للتابع مرتبط بالوظائف التي يشغلها كان إتجاها موسعا ، إذ كان الاتجاه السائد الذي لا تخفى مساندته للضحية هو الأخذ بمسؤولية المتبوع عن فعل تابعه كلما كان هناك تجاوز للوظائف أي كلما استطاع القضاء ربط فعل التابع بعمله، و هذا الاتجاه فيه تطبيق واضح لنظرية تعادل الأسباب و الأخذ برأي جانب هام من الفقه الفرنسي القديم. فكثيرا ما كانت محكمة النقض الفرنسي تقرر في أحكامها ما يلي:
إن أرباب العمل و المتبوعين مسؤولين ليس فقط عن الأضرار التي يرتكبها خدمهم و أتباعهم في الأداء العادي للوظائف التي يشغلونهم بها و لكن أيضا عن تلك التي تنتج عن تجاوز هذه الوظائف.
– المرحلة الثانية من سنة 1954 إلى سنة 1960
أمام الانتقادات التي وجهها جانب من الفقه الفرنسي حولت الغرفة المدنية الثانية لمحكمة النقض الفرنسية اتجاهها نحو الأخذ بتفسير ضيق لعلاقة الفعل الضار الذي ارتكبه التابع بالوظائف التي يشغلها و ذلك منذ قراري فاتح يوليوز 1954 اللذين أكدا على ضرورة ارتباط الفعل الضار بالوظائف و بعلاقة السببية و اقترنهما و قد تابعت الغرفة المدنية الثانية هذا الاتجاه التضييقي في قرار لاحق بتاريخ 14 يونيو 1957 صرحت فيه هذه المرة بإعفاء المتبوع من المسؤولية في حالة ثبوت تجاوز في الوظائف.
فاستعمال السيارة بدون علم صاحبها لتحقيق مصلحة شخصية للتابع لا علاقة لها بالوظائف التي يشغلها يعد تجاوزا للوظائف و يعفي بالتالي المتبوع من المسؤولية عن فعل تابعه.
و الجدير بالذكر أن الغرفة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية لم تتخل عن اتجاهها التوسعي في تفسير علاقة التابع بالوظائف التي يشغلها و الذي كان يرتكز على نظرية تعادل الأسباب وبقيت محتفظة بقضائها الحمائي للضحايا و لم تحاول الأخذ و لو استثناءا بقضاء الغرفة المدنية الذي كان يرتكز بالأساس على نظرية السببية الفعالة.
ـ المرحلة الثالثة: قرار الجمعية العامة بتاريخ 10 يونيو 1977:
جاء قرار الجمعية العامة لمحكمة النقض بتاريخ 10 يونيو 1977 ليكرس مرة أخرى اتجاه الغرفة المدنية الذي يأخذ بعدم مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعة عندما يتجاوز هذا التابع وظائفه و يستعمل السيارة بدون إذن.
هذا القرار أكدت من خلاله الجمعية العامة على أن تجاوز الوظائف من طرف التابع لا يمكن أن يسمح بمؤاخذة المتبوع بالمسؤولية عن فعل تابعه نظرا لعدم الترخيص له باستعمال السيارة لأغراضه الشخصية و رغم أن صياغة القرار لا تحمل في طياتها حلا لكل حالات تجاوز الوظائف فإنها حسمت الموضوع على الأقل بالنسبة لحالة التجاوز بأخذ السيارة بدون إذن و هذا ما جعل جانبا من الفقه يخشى أن لا تعمل الغرفة الجنائية بالقرار الصادر عن الجمعية العامة في كل حالات تجاوز الوظائف.
وهذا ما حدث بالفعل بعد سنة 1977 إذ غيرت الغرفة الجنائية اتجاهها جزئيا حيث بدأت تأخذ بعدم مسؤولية المتبوع عن أفعال التابع أولا كلما كان هناك تجاوز للوظائف باستعمال السيارة بدون إذن وثانيا تبقي على اتجاهها القديم بالنسبة لكل حالات الأخرى لتجاوز الوظائف.
هذا الوضع الشاذ الذي ميز قضاء الغرفة الجنائية بعد سنة 1977 و الذي جعلها متناقضة مع نفسها دفع بالفقه الفرنسي إلى تفضيل استقرارها على اتجاهها القديم عوض التأرجح بين موقفين متميزين خصوصا أن تطور اجتهادها لا يوحي بأنها تود أن تساير بالمرة قضاء الجمعية العامة و أنها مصممة على الاحتفاظ بموقفها القديم في كل حالات تجاوز الوظائف التي لا يكون فيها استعمال السيارة بدون إذن.
ـ المرحلة الرابعة: ما بعد قرار 1977:
إن الحلول التي تبنتها محكمة النقض الفرنسية ما بين سنتي 1960 و 1977 فيما يخص تجاوز الوظائف من طرف التابع و تقرير عدم مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه تتابعت بقرارين صادرين مرة أخرى عن الجمعية العامة لمحكمة النقض و ذلك سنتي 1983 و 1985 لكن القرارين في هذه المرة لم يتعلق بالضبط بحالة استعمال السيارة بدون إذن و إنما تعلقا بأفعال عمديه ارتكبها التابع متجاوزا وظائفه متسببا بذلك في أضرار للأغيار.
فقرار 10 يونيو 1983 كان الأمر فيه يتعلق بتابع أفرغ عمدا سائل الفيول في أحد المقالع مما تسبب في تلوث مياه الشرب لجماعتين سكنيتين حيث تقدمت هذين الجماعتين بدعوى تطالبان من خلالها بالتعويض على أساس المادة 1304/5 من ق م ف أي على أساس مسؤولية رب العمل عن أفعال تابعه فقررت الجمعية العامة لمحكمة النقض عدم الأخذ بهذه المسؤولية لكون التابع قد تجاوز بفعله الوظائف التي كان يشغلها عندما قام بإفراغ سائل الفيول.
أما قرار 15 نونبر 1985 فقد كان يتعلق بتابع لشركة حراسة قام عمدا بإضرام النار لكي يثير انتباه رؤسائه إلى عدم كفاية التدابير المتخذة للمحافظة على المعمل الذي يقوم بحراسته، فقام صاحب المعمل برفع دعوى على شركة الحراسة لمطالبتها بالتعويض عن المسؤولية التقصيرية و ذلك بصفتها مسؤولة عن أفعال تابعها.
و قد جاء قرار الجمعية العامة لسنة 1985 ليؤكد أن تجاوز الوظائف من طرف التابع يعفي المتبوع من المسؤولية و بالتالي قد تجوز مطالبته على أساس المادة 1384/5 من ق م ف.
ــ موقف القضاء المغربي
يعتبر المجلس الأعلى أن علاقة التبعية لا تقوم إلا أثناء أداء التابع للوظائف التي شغل فيها المتبوع، وهذا ما أكده مرارا المجلس الأعلى حيث نجد عبارات من النوع التالي ” وحيث إن العمل الضار الذي يرجع إلى الإساءة في أداء الوظائف من طرف التابع لا تجعل المتبوع مسؤولا إذا لم يكن هناك أي ارتباط بين الفعل الضار و مهنة التابع، و بذلك يتعين إبراء ذمة المتبوع كمسؤول مدني إذا كان الفعل الضار الذي تبث ضد التابع مستقلا عن التبعية التي تربطه بمشغله. وجاء في قرار آخر للمجلس الأعلى : “يسأل المخدوم عن الفعل الضار الصادر عن أحد خدامه. إذا كان الفعل قد ارتكب أثناء القيام بالوظيفة أو بسببها بحيث توجد بين الفعل و الوظيفة علاقة سببية.
لكن رغم هذا التأكيد المبدئي على وجوب قيام علاقة التبعية لكون الفعل الضار قد حدث أثناء العمل أو بمناسبته للقول بقيام مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعة فإنه عندما يتعلق الأمر بالاستحواذ على السيارة وسياقتها بدون إذن المالك المتبوع فإن القضاء المغربي لا يتراجع عن الحكم بمسؤولية المتبوع مهما كانت العلاقة بين الفعل الضار و بين أداء التابع لوظائفه واهية. وهذا الجنوح من طرف القضاء المغربي الذي يسير في نفس الاتجاه المتبع من طرف الغرفة الجنائية الفرنسية يأتي مراعاة لمركز الضحية التي توجد في مركز ضعف في حين يمكن التشبث بمسؤولية المتبوع الذي يوجد في مركز قوة.
هذا الموقف نجد له أثرا في قرار آخر صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 19 يوليوز 1979 الذي جاء فيه:
فمحكمة الاستئناف التي حكمت بإحلال شركة التأمين محل المؤمن له استنادا على ظاهر الفصل 12 الذي ينص على بقاء الضمان في حالة الاستعمال بدون علم المؤمن له استطاعت أن تجنب قرارها النقض من طرف المجلس الأعلى.
هكذا إذن عندما يتعلق الأمر بحالة استعمال التابع لسيارة المتبوع بدون علمه و بدون إذنه يبقى الاتجاه السائد لدى القضاء المغربي هو الحكم بمسؤولية المتبوع و ذلك ليس عن قناعة و إنما بغرض إحلال المؤمن محله في التعويض حماية للضحية.
ثانيا ـ مسؤولية الأبوين عن الأشياء الموضوعة في عهدة أبنائهما القاصرين:
من ضمن الأحكام التي تضمنها الفصل 85 من قانون الالتزامات و العقود في فقرته الثانية أن الأب ثم الأم بعد وفاته أو فراقها منه، يسألان عن الأضرار التي يحدثها أبناؤهما القاصرين الساكنون معهما و في الحقيقة إن هذا النص ينطبق على جميع الأضرار التي يحدثها الأطفال بالغير.
كما ينصرف من حيث نطاقه إلى جميع الأضرار التي تحدث بفعل الأشياء الموجودة في حيازتهم و إن كان بشأن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع، يستلزم تطبيق الفصل 88 من ق ل ع إلى جانب الفصل 85 من نفس القانون و الذي تؤسس عليه قانونا أحكام هذه المسؤولية.
و في نفس الاتجاه نجد أن غالبية الفقه الفرنسي مستندا على قرارات لمحكمة النقض قديمة نسبيا يرى أن الطفل القاصر الذي يستعمل شيئا يرجع لأبويه لا يعتبر حارسا له إذ يبقى هذا الشيء تحت حراسة الأبوين الذين يتمتعان بسلطة التوجيه والراقبة.
لأن هذا الطفل الذي لم يبلغ بعد سن التمييز لا يمكن أن يكون إطلاقا حارسا للشيء، أما إذا كان مميزا و كان مالكا لشيء كدراجة مثلا فإنه يصبح حارسا لهذا الشيء الذي يدخل في ملكيته لأنه يمارس عليه سلطة مستقلة.
غير أن الأستاذ بوريس ستارك يذهب إلى القول بانتقال الحراسة من الأب إلى الابن في حالة استيلاء هذا الأخير على سيارة أبيه.
و هو نفس الرأي الذي يقول به أستاذنا محمد جوهر إذ يعتبر أنه ليس من المنطقي أن يقبل الفقه الفرنسي تبعا للاجتهاد محكمة النقض الفرنسية في قرار فرانك القول بانتقال الحراسة إلى السارق نظرا لفقد مالك السيارة لسلطاته على الشيء و من تم اعتبار نفس الأمر بالنسبة للتابع الذي يستولي على سيارة المتبوع بحيث أن هذا الأخير يفقد حراسته على السيارة إذا ما استولى عليها التابع بدون ترخيص لكن عندما يتعلق الأمر بالابن القاصر فإن هذا الفقه و الاجتهاد يريان أن الحراسة تبقى للأب مالك السيارة و لا تنتقل للطفل القاصر الذي استعملها بدون ترخيص.
و يضيف قائلا ربما يكون هناك اعتراض يقول بان المسألة تختلف بالنسبة للقاصر فهو لا يتمتع بالتمييز الكافي في حين أن السارق و التابع كلاهما شخص بالغ و مميز لكن هذا القول مردود لأن محكمة النقض الفرنسية سنة 1941 عندما قالت بانتقال الحراسة إلى السارق فإنها لم تراع في ذلك القوى العقلية للسارق و إنما راعت نوعا من المنطق السليم و هو أن مالك السيارة لا يمكن أن يبقى حارسا لها في الوقت الذي يستولي عليها شخص آخر و هذه نفس الوضعية التي يوجد عليها الأب عندما يستولي الابن القاصر على سيارته بدون إذنه لأنه لا مناص من القول بأن الابن يوجد في وضعية السارق.
كما أنه من الاعتباط القول بأن الطفل يمكن أن يصبح حارسا إذا كان مالكا للشيء و استولى عليه و لا يمكن أن يكون كذلك إذا لم يملك الشيء لان الملكية من ضروريات الحراسة و القول بأن الطفل إذا كان مالكا للشيء يصبح حارسا له يظهر على الأقل قبول القانون في اجتهاده القديم بفكرة الحراسة المستندة للطفل.
وعلى عكس هذا الرأي الذي تبناه أستاذنا محمد جوهر نجد أن الأستاذ عبد القادر العرعاري يرى بخصوص الحراسة أن الابن القاصر الذي يستعمل أشياء ترجع ملكيتها للأبويه سواء كان هذا الاستعمال مرخصا له بكيفية صريحة أو ضمنية لا يجعل منه حارسا لها إذ تبقى الحراسة في جانب الأبوين حسب ما يستفاد من مقتضيات الفصلين 85 و88 من ق.ل.ع. غير أن موقف الأستاذ الخمليشي من المسألة يظهر فيه نوع من انعدام الوضوح.
إذ يقدم في البداية موقفا مبدئيا يقول فيه أن القاصر في الحالات التي يكون فيها مسؤول عن الغير و عن الأشياء و الحيوانات التي تحت حراسته يعتبر قانونا متسببا في الضرر سواء أسست مسؤوليته على تحمل التبعة أو على خطأ مفترض.
مضيفا بعد ذلك أن مؤدى هذا التفسير للمسؤولية عن الغير و عن الأشياء مع صياغة الفقرة الثانية من الفصل 85 من ق ل ع، التي بنت المسؤولية على تسبب القاصر في الضرر أن الأب يكون مسؤولا حتى في الحالات التي تكون فيها مسؤولية القاصر قائمة على خطأ مفترض.
ثم يتراجع بعد ذلك عن هذا الموقف المبدئي بعد الاستشهاد بقرار محكمة استئناف بزانسون فيصرح بميله إلى التعليل الوارد في حكمها معتمدا على التفسير الذي استخلصه من المادة 1384/1 من ق.م.ف والمطابقة للفقرة الأولى من الفصل 85 ق ل ع.
و هكذا فبعد أن عبر الأستاذ الخمليشي عن موقف مبدئي اعترف فيه بأن مسؤولية الأب يمكن أن تنتج عن مسؤولية الابن القاصر المبنية على الحراسة تراجع بعد ذلك فنفى هذا الحل بالقول بأن الشيء عندما يكون في حراسة القاصر و يتسبب في الضرر فإن هذا الضرر يكون ناتجا عن فعل الشيء، وليس عن فعل القاصر و ان الفصل 85 من ق ل ع إذا لم يشترط لمسؤولية الأبوين صدور خطأ من القاصر فإنه من الواضح أنه اشترط هذه المسؤولية لصدور فعل من المسؤول عنه أي القاصر.
وفي موقف ثالث نجد أن الأستاذ الخمليشي ينفي كل حراسة عن القاصر و هذا ما يفهم من قوله: إن الحراسة في التعريف السائد في الفقه هي سلطة التصرف في الشيء و توجيهه وأموال القاصر يديرها وليه و ليس له حق التصرف فيها و لا يستعملها قبل بلوغه سن الرشد وإذا كان القاصر ممنوعا من إدارة أمواله و تسلمها فإنه من غير المقبول القول بأن له السيطرة الفعلية على هذه الأموال و أن تنسب له حراستها و هكذا ينتهي الأستاذ الخمليشي إلى نفي الحراسة عن القاصر سواء كان مميزا أو عديم التمييز فيتجاوز ما عبر عنه سابقا و ما أقره القانون الفرنسي في تطوره بشأن الحراسة المستندة للقاصر و كونها سببا كافيا لتقرير مسؤولية الأبوين هذا من جهة و من جهة أخرى فإن مسؤولية الأب ثم الأم بعد وفاته أو بعد فراقها منه و التي تؤسس لدى الفقه الغالب والقضاء كذلك على خطأ مفترض يتمثل في التقصير في رقابة القاصر وإساءة تربيته، يشترط لتحققها حسب ما يستفاد من مقتضيات الفصلين 85 و 88 من ق ل ع ما يلي:
1- أن يتولى القاصر حراسة شيء: و يكفي في هذا الصدد حيازة القاصر للشيء حيازة مادية فقط، أو استعماله له بهذه الكيفية أو بتلك كركوب الدراجة سواء كان الشيء في ملكية القاصر أو في ملكية أبيه أو أمه أو في ملكية الغير.
ولا مجال للحديث هنا عن حراسة القاصر للشيء- حراسة قانونية- ولو كان مالكا للشيء لأن تلك الحراسة ثبتت من الناحية القانونية لنائبه الشرعي طبقا لما تقضي به المبادئ العامة للأحكام الأهلية و النيابة الشرعية .
2- أن يحدث الشيء الموجود في حيازة القاصر ضررا ماديا أو معنويا للغير كأن يدوس ذلك القاصر بدراجته العادية أو النارية على متاع مملوك للأحد الأشخاص أو يكسر بكرته زجاج نافذة سيارة.
3- أن يكون الطفل قاصرا بمضمونه العام الذي هو كل شخص لم يصل بعد سن الرشد القانوني و هو 18 سنة شمسية كاملة أو لم يتم ترشيده بالطرق التي حددها القانون و يعتبر الطفل قاصرا يسأل أبواه بالنيابة عنه سواء أكان عديم التمييز أي مازال دون سن 12 من عمره أو ناقص التمييز فقط أي تجاوز تلك السن و لم يصل بعد سن 18 سنة أما إذا كان الشخص كامل الأهلية و لو كان له أب و أم يرعيانه ويقومان عليه فمن العبث مساءلتهما بالنيابة عنه اللهم إذا تجاوز سن الرشد و كان مجنونا أو معتوها وصدر حكم قضائي يقضي بالحجر عليه.
الفقرة الثانية: انتقال الحراسة بدون رضاء المالك.
تعتبر حالات انتقال الحراسة بدون رضا الحارس الأصلي من الأمور أكثر تعقيدا، فالمالك عندما يفقد سيطرته على الشيء نتيجة لفعل السرقة أو الغصب فإن الحراسة الفعلية على الشيء تنتقل إلى كل من السارق والغاصب.
ورغم أن الحارس في هذه الحالة سيء النية فإنه يكتسب ملكية المنقول بمجرد الحيازة وفقا لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية.
وهذا ما توصلت إليه محكمة النقض الفرنسية عندما أصدرت حكمها الشهير في قضية فرانك، فخروج الشيء من يد مالكه أو حارسه دون إرادته إنما يستتبع القول بفقد الحارس لهذه الصفة وانتقالها إلى من استولى على الشيء وانفرد باستعماله دون إرادة حارسه.
أولا ـ حالة سرقة السيارة:
سبق و أشرنا إلى أن مفهوم حارس الشيء قد أعطته محكمة النقض الفرنسية مضمونا ايجابيا بحيث اعتبرته ذلك الشخص الذي يتحكم في السيارة من خلال سلطة الأمر وهي السلطة الفعلية وبالتالي يجوز القول بأن الحراسة الفعلية تعتبر ملزمة للمسؤولية كالحراسة القانونية.
وتحكم الحارس في الشيء يكون بممارسة سلطات الاستعمال و التوجيه و المراقبة عليه فإن فقد المالك هذه السلطات فقد الحراسة، و بفقده لهذه الأخيرة ليس تمة مجال لإلزامه بالمسؤولية.
وعليه فإن السارق الذي يستولي على السيارة بدون رضاء صاحبها فإنه يستحوذ أيضا و بدون حق مشروع على سلطات الاستعمال و التوجيه و الرقابة، فهو يتحكم بواسطة هذه السلطات في الشيء و من تم يكون حارسا له أي حارس غير مرخص له، فيفقد المالك بالتالي الحراسة على الشيء لأن هذه الأخيرة حسب بعض الفقه الفرنسي تكون تعاقبية و ليست تراكمية.
لذا فلا يمكن أن يكون المالك و السارق حارسين للسيارة في نفس الوقت، غير أن الضحية بقيت لدى بعض الفقه و بعض القضاء محل اعتبار فأوحت لهذا الفقه بطرق أبواب المسؤولية الخطئية، أي مساءلة المالك على أساس المادة 1382 من ق م ف بحجة أنه ارتكب إهمالا و تفريطا نتج عنه سرقة السيارة وارتكاب الحادث بها.
وإذا كان جانب من الفقه سمح للضحية بمتابعة مالك السيارة على أساس المسؤولية الخطيئة، فإنه اشترط عليها إثبات خطئه وعلاقة السببية التي تربط الضرر الحاصل لها بالفعل أو الإهمال الذي ارتكبه والذي يمكن أن يشكل خطأ تترتب عليه المسؤولية بموجب المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي، وهذا لن يتسنى إلا إذا طبق القضاء نظرية تعادل الأسباب.
والملاحظ أن أغلب المحاكم رفضت السير في هذا الاتجاه فمحكمة النقض الفرنسية رفضت قبول دعوى الضحية على أساس إهمال و خطأ مالك السيارة وذلك لإنعدام علاقة سببية مباشرة بين الضرر الحاصلها و بين تفريط مالك السيارة وخطئه، و قد تابعت السير في هذا الاتجاه غير أنها لم ترفض بالمرة الأخذ بخطأ وإهمال مالك السيارة ولم تقل أنه لا يكون أبدا موضوع المسؤولية الخطئية.
فشيء كهذا يصعب تأكيده عندما تستطيع الضحية إثبات خطأ مالك السيارة والعلاقة المباشرة التي تربط هذا الخطأ بالضرر الحاصل لها، و هذا لا يتهيأ إلا في ظل ظروف استثنائية كتلك التي يتسبب فيها السارق في ارتكاب الحادث عندما يكون مطاردا من طرف مالك السيارة.
ثانيا ـ موقف المشرع المغربي من حالة سرقة السيارة و استعمالها بدون إذن مالكها.
كان المشرع المغربي يعتبر في إطار الفصل 12 من قرار 25 يناير 1965 المتعلق بالشروط النموذجية لعقدة التأمين على السيارات القديم أن المؤمن له مسؤولا في حالة سرقة السيارة.
إذ يلاحظ أن ما ذهب إليه المشرع المغربي يتناقض و نظرية الحراسة الفعلية إذ كيف يسأل مالك السيارة عن خطأ غيره رغم أن الحراسة قد انتقلت إلى السارق؟
هذا و يؤخذ على الفصل 12 المذكور مخالفته لقواعد المسؤولية التي توجب على الشخص الذي تسبب في الضرر تحمل تبعة فعله، و في ذلك أيضا خروج عن القاعدة القانونية في منح التعويض إذ أن الذي يجب عليه أن يؤديه هو الشخص المتسبب في الضرر بعد اثباث و جود علاقة سببية بين فعله و الضرر.
غير أنه من خلال قراءة قرار وزير المالية معتبر بمثابة شروط نموذجية لعقد التأمين الجديد لم نجد نصا مماثلا للفصل 12 من عقد الشروط النموذجية القديم الذي يعتبر بأن الضمان يبقى قائما و لو في حالة السرقة و استعمال السيارة دون مالكها.
فقرار وزير المالية الجديد اعتبر حتما أن السارق يكون مسؤولا مدنيا و عليه بالتالي أن يتحمل تبعة عمله فبالرجوع إلى المادة الأولى من القرار المذكور نجدها قد عرفت المؤمن له بأنه “مكتتب العقد والمالك المؤمن له و كل شخص يتولى بإذن منهما حراستها أو قيادتها باستثناء أصحاب المرائب.
و السارق هو شخص غير مرخص له بالقيادة و بذلك لا يعتبر مؤمن له و تقيدا بالمادة المذكورة فإن الضمان لا يشمل الحوادث التي يتسبب فيها و يستشف ذلك أيضا من مقتضيات الفقرة د من المادة الرابعة التي جاء فيها:
غير أن المؤمن يبقى ضامنا للخسائر و الأضرار التي تسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولا عنهم بموجب الفصل 85 من ق ل ع كيفما كانت طبيعة و جسامة أخطاء هؤلاء الأشخاص إذ أنه لو أراد أن يبقي السارق و الغير المأذون له بالسياقة خارج نطاق الضمان لنص على ذلك صراحة كما فعل في الفقرة المذكورة.
إلا أنه عكس ما بيناه أعلاه يظهر أنه في قرار وزير المالية نوع من التناقض لأنه إذا كان من المستقر عليه فقها و قضاءا أن الاستثناء من أي شيء يجب التنصيص عليه صراحة فلماذا لم ينص القرار المذكور على ذلك؟ وإذا كان المشرع يهدف فعلا إلى اعتبار أن حالة السرقة غير مشمولة بالضمان فما الذي منعه من التنصيص على ذلك صراحة كما فعل بالنسبة للأشخاص الواردين في الفصل 85 من ق ل ع و هذا سوف يؤدي حتما إلى فتح باب التأويل و التفسير أمام القضاء.
غير أن مدونة التأمين الجديدة رفعت هذا الجدل في مادتها 134 و جعلت حالة سرقة العربة ضمن الاستثناء من الضمان و ألحقتها بالأضرار المشمولة بحماية صندوق ضمان حوادث السير ، شريطة إثبات الأشخاص المنقولين حسن نيتهم.
و إن كان سارقوا العربة و مشاركيهم و الأشخاص الآخرين المنقولين على متنها في حالة عدم إثبات حسن نيتهم لهم الحق في الاستفادة من صندوق ضمان حوادث السير في حدود مسؤولية الحادثة التي تسبب فيها عربة أخرى ذات محرك التي تقع على من له حراستها و في حدود هذه المسؤولية.
فان تطلب المشرع لإثبات حسن النية لا يستقيم لأن الأصل ثابت و على من يدعي العكس إثباته.
المطلب الثاني : انقضاء الحراسة وتجزئتها وتعدد الحراس.
الفقرة الأولى: انقضاء الحراسة
لما كانت الحراسة هي السيطرة الفعلية التي تكون لشخص ما على شيء معين فإن فقدان هذه السيطرة يؤدي إلى انقضاء الحراسة أيا كان السبب في ذلك.
و قد يفقد الشخص السيطرة على الشيء و بالتالي واقعة الحراسة دون أن يكتسبها أحد غيره كما إذا هلك الشيء أو إذا كان من المنقولات.
أو إ ذا تنازل الشخص الذي كان بحوزته عنه بنية التخلي عن حقه فيه، ففي هذه الحالة يفقد الشخص سيطرته على الشيء حيث يصبح من الأشياء المتروكة التي لا حارس لها.
و تعتبر هذه الأشياء عندئذ من قبل الأشياء المباحة و التي تظل كذلك حتى يستولى عليها شخص ما بقصد تملكها ، بحيث يصبح بعد ذلك هو المسؤول عنها على أن مسؤوليته لا تكون إلا عن الأضرار التي يحدثها الشيء و هو تحت سيطرته الفعلية.
أي منذ وقت تملكه له، على انه إذا كان هناك خطأ سابق للمتخلي فإن زوال صفة الحراسة عنه لا يعفيه من المسؤولية.
إذا لو اقترن التخلي عن الشيء بخطأ ترتب عنه ضرر للغير فإنه يحق للمتضرر أن يرجع على الحارس السابق ويتحقق ذلك الفرض في حالة ما لو ترك الشيء في مكان من المحتمل أن ينشأ عنه ضرر، أو كان في وقت التخلي عنه مادة مضرة بالغير، إذ من المفروض على مالكه اتخاذ ما يكفي من الحيطة والحذر لدفع ضرره في المكان الذي تركه فيه.
وكما تنقضي صفة الحراسة بفقدان السيطرة الفعلية على الشيء على الوجه الذي أوضحناه فإنها تنقضي أيضا عن طريق انتقال تلك السيطرة إلى شخص آخر.
الفقرة الثانية: تجزئة الحراسة
سبق و أن أشرنا إلى أنه إذا اجتمعت السلطات الثلاث المكونة للعنصر المادي للحراسة الفعلية ، فضلا عن توافر عنصرها المعنوي فإن الأمر لا ينشئ أي خلافا حول تحديد الحارس المسؤول.
غير أننا في بعض الأحيان نصادف أن السلطات المميزة للحراسة لا تنتقل جميعها مع انتقال الشيء من المالك إلى الحارس الجديد إذ تبقى للمالك سلطة الرقابة و الإشراف على الشيء، رغم انتقال حق الاستعمال إلى الحائز الجديد.
فقد يترك شخص سيارته في ساحة عامة تحت مراقبة مشرف، و الذي تقتصر سلطته على تحريكها ونقلها من محل إلى آخر للأجل إفساح المجال لسيارة أخرى.
ففي هذا الفرض نجد أن هناك شخص تقتصر سلطته على استعمال الشيء و الآخر تنحصر سلطته في الرقابة و الإشراف عليه.
و قد نصادف في مثل هذه الحالة حصول ضرر للغير من الشيء إما بسبب استعماله أو بسبب عيب فيه ففي هذا المثال يتعين معرفة من هو المسؤول عن الضرر لكي يستطيع المضرور أن يقيم عليه دعوى المسؤولية أمام هذا الوضع قام الأستاذ كولدمان فافترض أن تمة تميزا بين نوعين من الحراسة بالنسبة للشيء، الواحد بحيث يتصور أن يكون له حارسان.
حيث يسأل أحدهما عن تكوينه اي عن الأضرار التي تنتج عن التكوين بسبب عيب داخلي في الدمج أو في الربط بين عناصره المختلفة.في حين يسأل الآخر عن الأضرار التي تنتج عن استعماله و التصرف في أمره.
و لعل ما قرره الأستاذ كولدمان كان بسبب تفسير القضاء الفرنسي لمصطلح فعل الشيء حيث لاحظ أن هذا المصطلح قد قاد القضاء في تطبيقاته له إلى أن يسند إلى الحارس في ذات الوقت افتراض خطئه في الاستعمال فضلا عن ضمانه للعيب في تركيب أو في تكوين الشيء محل هذا الاستعمال في حين أن افتراض الخطأ يبدو مبررا لأن حارس الاستعمال يملك و قتما يحدث الضرر بفعل الشيء، مكنات السلطة الفعلية التي من شأنها أن تؤدي إلى الحيلولة دون وقوع الضرر أما إسناد ضمان العيب الداخلي في تركيب أو تكوين الشيء و الذي ينتج عنه ضرر للحارس نفسه الذي لا يعد لا من قريب و لا من بعيد ضامنا للرقابة التقنية الداخلية لتركيب و تكوين الشيء ليس بالامر الصحيح لان مساءلته ليست مبررة لأنه لا يملك السلطة الفعلية على هذا التركيب أو التكوين التقني الداخلي للشيء، ليقال بمسؤوليته عندما يحدث الضرر بفعل هذا السبب.
و قد لقي الأستاذ كولدمان تأييدا من طرف الأخوين مازو الذين اعتبرا أن حراستة البينة تبقى للمالك أو صانع المواد و إن انتقلت هذه المواد إلى شخص آخر بموجب عقد أو إعارة أو ما شبه ذلك.
فأصحاب هذا الرأي يرون أن تجزئة الحراسة تتفق مع مقتضيات العدالة فصاحب حق الاستعمال يجهل دون شك تكوين الشيء و ما فيه من عيوب و من تم يكون من الظلم مساءلته عن الضرر الناتج عن عيب أو خلل في تكوينه.
و يكون الأمر على نفس النحو بالنسبة لصاحب حق الرقابة على الشيء الذي لا علاقة له باستعماله لكن فكرة التفرقة بين حراسة الاستعمال و حراسة التكوين أدت إلى التردد بين الفقهاء في شأنها و هكذا فقد اعتبر الأستاذ بوريس ستارك أن توزيع الحراسة من شأنه أن يجعل المتضرر مرهقا في معرفة الحارس المسؤول هل هو حارس الهيكل أم حارس الشيء وقت استعماله؟ وهل يرفع دعواه على مالك أم على مستعمل الشيء؟
والملاحظ أن القضاء الفرنسي، و تتزعمه محكمة النقض الفرنسية رفض في بادي الأمر التسليم بقيام مسؤولية حارسين.
ولكن نظرا لكثرة الحوادث التي وقعت و التي تسببت في الحاق اضرار بالغير جعل محكمة النقض الفرنسية تقوم وتسلم بقيام تجزئة الحراسة.
وهكذا فقد توصلت هذه المحكمة بمناسبة انفجار قوارير الغاز السائل و الأوكسجين إلى أن مالك الشيء هو حارس البينة و المسؤول عن الأضرار التي يحدثها العيب الذي يوجد به.
وللتخفيف من هذا الاتجاه أقرت مبدأ آخر و هو أن الحراسة تقع على من باستطاعته اكتشاف العيب أو تلافي الضرر. و قد قال القضاء المغربي كلمته في هذا الموضوع إذ جاء في قرار للمجلس الأعلى:
إن الحكم الاستئنافي المطعون فيه الذي أيد الحكم الابتدائي و استبقى حيثياته، صرح بأنه فعلا يصعب الفصل بين الملكية و الحراسة، لأن دور الحارس ينحصر في الإيداع و لا يقوم بأية رقابة.
و لأنه لا يتوفر على أية وسيلة للتأكد من سلامة القارورات و أنه تبعا لذلك يتعين أن تبقى المسؤولية دائما على عاتق الشركة صاحبة القارورات.
و حيث يستخلص من الوقائع المذكورة أن أساس الحادثة يرجع لعطب سابق في سداد القارورات و أن أحمد بن عبد القادر حاول إغلاق أنبوبها، إلا أنه لم يتمكن لسبب خارج عن إرادته.
و قد كان لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء موقفا متميزا حيث اعتبرت ان الشركات الموزعة لقنينات الغاز حارسة لها، حتى عندما تودع عند متعهدي البيع و تتسبب إحداها في أضرار مادية و جسدية للغير ويستحيل التعرف على القنينة المتسببة في ذلك فتكون كل الشركات الموزعة مسؤولة على وجه التضامن فيما بينها عن هذه الأضرار طبقا للفصل 100 من قانون الالتزامات و العقود.
و مهما يكن من أمر فإن التطبيقات القضائية لفكرة التمييز بين حراسة التكوين و حراسة الاستعمال قد أظهرت حيرة و تردد بسبب ما أسفرت عنه مفاجآت التطبيق .
فإذا كانت فكرة التمييز بين حراسة التكوين و حراسة الاستعمال قد بدت مقبولة من حيث المبدأ وقت أن نادى بها الأستاذ كولدمان إلا أن الواقع التطبيقي لها يجعل من هذا التمييز سرابا خادعا لاسيما و أن المضرور إذا ما أراد أن يرفع دعواه فلا بد له من أن يحدد الشخص المسؤول و أن يسند الضرر إما إلى المظهر الخارجي للشيء أو إلى محتواه الداخلي.
و بسبب بعض الفوائد الوهمية على مستوى فكرة التمييز بين حراسة التكوين و حراسة الاستعمال فإن المضرور قد لا يسعى إذا ما أراد أن يحصل على حقه في التعويض إلى تحديد سبب الضرر فيما بين الحارسين أي ما بين تكوين الشيء- حراسة التكوين- و فعل المظهر الخارجي للشيء ذاته -حراسة الاستعمال-
كما أن القضاء لا يميل إلى فكرة حراسة التكوين إلا عندما يكون الضرر راجعا فقط إلى تكوين الشيء ولم يشترك في إحداثه لا حارس الاستعمال و لا المضرور.
و غالبا ما لا يتمكن القضاء من تحديد الشخص المسؤول و يكون مصير الدعوى الرفض و هذا يطرح السؤال ماذا يفعل المضرور ؟ هل يقاضي الحارسين على سبيل التضامن ؟ إن هذا الأمر استبعدت حدوثه صراحة محكمة النقض الفرنسية.
من جانب آخر يبدو كما يقرر جانب من الفقه أن وجوب الارتباط بين الحراسة و الملكية أمر محتوم وقت خابت الظنون في النتائج المترتبة عن الحراسة الفعلية و التي تعد أصلا مفترضا في المالك رعاية لمصلحة المضرور لاسيما و أن مسؤولية الحارس هي قبل كل شيء مجرد وسيلة لتعين الشخص المسؤول عن تعويض الضرر الناتج عن فعل الشيء الذي في حراسته.
و لا بد من الإشارة إلى أن تجزئة الحراسة فسحت المجال أمام البعض ليرى من خلالها حكم المسؤولية عن فعل الشيء قائما على افتراض الخطأ و ضمانا للعيب و أن ازدواجية الحراسة يمكن أن تقابل ازدواجية مفهوم قرينة المسؤولية بحيث يصبح لهذه الأخيرة مدلولان وهما قرينة خطأ حارس الاستعمال، و قرينة العيب الخاص في الشيء.
الفقرة الثالثة: تعدد الحراس
يجب عدم الخلط بين تجزئة الحراسة وبين تعدد الحراس لأنه لا يوجد ما يمنع من أن يكون للشيء الواحد أكثر من حارس بشرط ألا تتجزأ الحراسة بينهم، و أن يكون كل واحد منهم مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه الشيء و كل هذا يتحقق عندما يشترك أكثر من شخص في شيء واحد و في وقت واحد بحيث يكون لكل منهم سلطة آمرة عليه و يكونون في نفس المركز القانوني بالنسبة له كأن يكونوا مستأجرين أو مغتصبين للشيء ففي هذه الحالة يعتبرون جميعهم حراسا له، و مسؤولين عن نتائجه الضارة بالتضامن وتأسيسا على ما سبق يمكن القول بأن تعدد الحراس يكون في إحدى الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى:
و هي التي يكون فيها شخصان أو أكثر مشتركين في قيادة أو في إدارة شئ و إن لم يكون أصحاب حق عليه ، و هذا هو حال سارقي السيارات أو كما هو الحال في سيارة تجرها سيارة أخرى مرتبطة بالأولى برباط مرن يبقى لسائقها بعض الحرية في إدارتها فتدهس أحد المارة ففي هذه الحالة يعتبر سائقا السيارتين مشتركين في حراسة السيارة الثانية.
الحالة الثانية:
تتوافر عندما لا يكون لشخصين مختلفين حق إدارة و مراقبة مستقلة و خاصة على قسم من الشيء الواحد، فيكون عندئذ كل واحد منهما حارسا و مسؤولا عن القسم العائد للادارته و مراقبته فمثلا إذا أجر صاحب سيارة سيارته للآخر لاستعملها و الانتفاع بها على الحالة التي عليها يكون المستأجر حارسا للسيارة في كل ما يختص بمختلف وجوه الاستعمال و الانتفاع فإذا دهست مارا كان المستأجر مسؤولا لكن إذا حدث الحادث بسبب خلل في أجهزتها يكون صاحبها مسؤولا لأنه لا شأن للمستأجر في أجهزة السيارة لأن عقد الإيجار يتناول استعمال السيارة على حالتها الطبيعية و أن تبقى الأجهزة تحت حراسة المالك
و تجدر الإشارة هنا إلى أن قاعدة تعدد الحراس و اعتبار كل منهم مسؤولا لا تؤخذ بعين الاعتبار إلا في العلاقة بينهم و بين الغير أما في العلاقة بينهم فلا يمكن المطالبة بالمسؤولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى