هل تعيق ظاهرة “الفساد” ورش الجهوية المتقدمة ؟

هبة بريس – ع اللطيف بركة   

يعد الفساد بالمغرب كغيره من البلدان الاخرى ، ظاهرة شديدة الانتشار و معقدة فهو يأخذ أبعادا واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها و تختلف درجة شموليتها داخل المجتمعات.

و يعتبر استفحال هذه الظاهرة الخطيرة من أهم أسباب الضعف الداخلي و الخارجي للبلد ، فالفساد في جوهره حالة تفكك اعترت المغرب لأسباب عديدة متشابكة بعضها محلي و الآخر خارجي يرتبط بالنظام العالمي الجديد .

إن  الفساد لا يعتبر بأي حال من الأحوال  قضية جديدة  ، إلا أن زيادة حجمه و اتساع دائرته  وتشابك و ترابط آلياته بفعل زيادة  الاندماج العالمي على جميع المستويات و تداعيات العولمة  أصبح  يهدد مسيرة التنمية من خلال سوء تسيير الأموال المتاحة و التخفيض من كفاءة و فعالية  استخدامها  بالإضافة  إلى التأثير سلبا على العدالة التوزيعية وزيادة عن  كونه  يلحق  الضرر بالمصلحة العامة فهو  يؤثر سلبا على قدرة أجهزة الدولة  في أداء  مهامها ودورها التنموي و يشوه النتائج المستهدفة للسياسات التنموية .

لقد أصبح  الفساد  من أهم  المشاكل التي تؤرق مخططي و صناع السياسة الاقتصادية ،حيث تعاني منه جميع دول العالم النامي و المتقدم على حد سواء وإن اختلف حجمه و آثاره تبعا لاختلاف التشكيلة  الاقتصادية  و الاجتماعية و السياسية لكل دولة.

على ضوء ما سبق سنحاول في ملفنا هذا ان نلفت انتباه الفاعلين و المهتمين بمجال التنمية بالبلد، الخوض في تساؤلات تحتاج الى إجابة
–  في ظل انخراط المغرب في بناء جهوية متقدمة هل يمكن السيطرة على اتجاهات الفساد من أجل التسريع بوثيرتها ؟

–  ما هي الأبعاد الحالية للفساد و هل يمكن  فعلا قياسه ؟

في إطار تحديد علاقة الفساد بالتنمية هل يعد هذا الأخير أحد المظاهر المصاحبة لها ؟  أو أنه نتيجة لما يعانيه المجتمع من  مظاهر التخلف الاقتصادي و الاجتماعي؟

مسؤولين مغاربة يقدمون شهدات حول خطر الفساد على تنمية البلد.

– المغرب وورش الجهوية المتقدمة

اختتمت يوم السبت الماضي بمدينة أكادير، أشغال المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، حيث شهدت الجلسة الختامية استعراض عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، لأبرز التوصيات التي تمخضت عن الورشات الست التي تضمنها برنامج المناظرة المنظمة تحت رعاية ملكية.

وقال لفتيت إن المناظرة خلصت إلى ضرورة تبني العدالة المجالية كأولوية في السياسات العمومية والمجالية من أجل تقليص الفوارق الترابية، العمل على الالتقائية وتناسق برامج التنمية الجهوية مع المخططات القطاعية، دعم الجهات في الرفع من جاذبية المجالات الترابية عبر التخطيط الجيد وعبر التسويق الترابي.

أما بشأن الحكامة المالية، يضيف الوزير، فقد خلصت مخرجات المناظرة إلى دعوة الجهات إلى الانخراط القوي في التنزيل الفعلي للمبادئ والأهداف التي حملتها المنظومة الجديدة لتدبير الميزانياتي والمالي وفق ما جاءت به القوانين التنظيمية، واستشراف الآليات المبتكرة لتمويل الشراكات مع القطاع الخاص.

ويرى مهتمون بشأن الجهوية المتقدمة، ان تبني الحكامة المالية لن يتحقق بشكل عملي، إلا  بما يقابله من قوانين تتصدى للفساد المالي و الرشوة باعتبارهما معطيين قد يعيقان التنمية في حالة استمرارهما وعدم تشكيل جبهة بين أجهزة الدولة والمجتمع المدني لمحاصرة الظاهرة مع ضرورة التركيز على مكافحة الفساد ووضعه ضمن أولويات السياسة الجنائية للحكومة، ونشر تقارير المفتشية العامة للإدارات الترابية والمفتشية العامة للمالية، كليا أو جزئيا، ومراجعة أحكام القانون الجنائي بشأن مصادرة ممتلكات المتورطين في جرائم الفساد”.

– الفساد بالمغرب بعيون منظمة الشفافية الدولية ” ترانسبرنسي

دقت منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي) فرع المغرب ناقوس الخطر حول الفساد المستشري في البلاد، داعية الحكومة المغربية إلى أن تنتصب طرفًا مدنيا في قضايا الفساد الكبرى، مثل حالة مدير الوكالة الحضرية بمراكش.

وعبرت “ترانسبرنسي”، بعد لقاء عقدته مع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، عن “قلقها لمستوى الفساد المستشري في المغرب وضعف الجهود المبذولة لاحتوائه والحد منه”، وانتقدت تأخر حكومة العثماني في “تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وضعف حصيلتها”.

منظمة الشفافية الدولية بالمغرب طالبت الحكومة بالإسراع بإعادة صياغة القانون المحدث للهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها وتمتيعها بسلطات حقيقية في مجال التقصي، بالإضافة إلى “إعادة طرح مشروع قانون مدونة التعمير على جدول الأعمال التي تهدف إلى تماسك القطاع بأكمله بدلاً من التعامل بالتجزيئ”.

كما دعت “ترانسبرنسي” الحكومة إلى “التنفيذ الكامل للالتزامات التي تم التعهد بها في إطار الخطة الوطنية لشراكة الحكومة المفتوحة (OGP)”، وتساءلت عن “مآل مقتضيات الإثراء غير المشروع الواردة في مشروع تعديل القانون الجنائي الذي تجري مناقشته حاليًا في البرلمان”.

– محاربة الفساد وفق تقارير

سجل المغرب تحسنا ملحوظا ضمن نتائج مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي)، إذ انتقل من الرتبة 81 إلى الرتبة 73، متقدما بثماني درجات، محققا الصدارة على مستوى الدول المغاربية.

وكشف المقياس العالمي للفساد الخاص بإفريقيا، في نسخته العاشرة لسنة 2019، أن 53 في المائة من المغاربة يعتقدون أن مستوى الرشوة ارتفع خلال الاثني عشر شهراً الماضية.

وأوردت معطيات التقرير الصادر عن “ترانسبرنسي” بشراكة مع منظمة “أفروبارومتر”، أن 31 في المائة من المغاربة الذين ولجوا الخدمات العمومية أدوا رشوة مقابل ذلك في الفترة الماضية

في السياق نفسه كان والي بنك المغرب قد عبر أن الفساد بالمغرب يعيق التنمية ولابد من مجابهته ، وكان بنك المغرب قد
حصل مؤخرا على شهادة إيزو 37001 عن نظامه الخاص بتدبير محاربة الفساد، وذلك بالنسبة لجميع أنشطته التي تشمل مهن البنك ومهن الدعم.

ويأتي هذا التصديق، الذي جاء على إثر عملية الافتحاص التي أجراها مكتب “أورو كومبلاينس”، وهو من المكاتب المعتمدة في مجال منح شهادة إيزو 37001، ليعزز عمل بنك المغرب في مجال الأخلاقيات، بتزويد المؤسسة بنظام متكامل ومنظم لمحاربة الرشوة.

وأكد الجواهري خلال اللقاء أن آفة الفساد لم تعد من المواضيع المسكوت عنها، حيث تتفق أبرز الهيئات الدولية على الإقرار بأنها تعيق مسار التنمية، مشيرا إلى أن هذه الآفة تضعف المؤسسات وتزعزع الثقة بين الفاعلين الاجتماعيين وتهدد الاقتصاد والسلم الاجتماعي.

وأضاف والي بنك المغرب أن البنك قام في إطار سعيه الدائم إلى التحسين، بتعزيز منظومته الأخلاقية بشكل تدريجي لتأخذ في الاعتبار تطور ممارسات البنوك المركزية الأكثر تقدما في هذا المجال، موضحا أن المؤسسة، التي اختارت مواصلة هذه الدينامية، قررت عقب اعتماد المغرب في سنة 2017 معيار إيزو 37001، وابتداء من سنة 2018، وضع نظام خاص بها لمحاربة الفساد، معززة بذلك التقدم المحرز في منظومتها الأخلاقية.

وسجل الجواهري أن هذا النظام استفاد من أنظمة التدبير التي اعتمدها البنك سابقا في مجالات البيئة والصحة والسلامة في العمل وسلامة المعلومات، والتي حصلت على أول عملية تصديق في سنة 2009، ثم حصلت المؤسسة بعد ذلك على تصديقات أخرى سنتي 2014 و2016.

ولفت الجواهري إلى أن نظام التدبير الذي اعتمده البنك يتكون من عناصر رئيسية، من بينها سياسة محاربة الفساد، التي تنص على عدم التسامح نهائيا مع جميع أشكال الفساد، والتي تم تعميمها في إطار مبادئ الشفافية التي يعتمدها البنك، وخريطة خاصة بخطر الفساد والتدابير ذات الصلة المتخذة للتحكم فيه، ومخطط تكويني وتحسيسي لفائدة مستخدمي البنك، وأيضا لفائدة شركائه الرئيسيين والأطراف المعنية.

– شهادات مسؤولين مغاربة حول الفساد

* تصريحات العثماني رئيس الحكومة

أكد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في لقاءاته أكثر من مرة أن “المعركة ضد الفساد والرشوة مستمرة ومتواصلة، وأن المغرب منخرط فيها بقوة”.

معتبرا أن المعركة ضد الفساد مسؤولية الجميع ( الدولة والمجتمع المدني والإعلام والقطاع الخاص) ، وليست مسؤولية الدولة لوحدها” وهو ورش يحتاج لنفس طويل”.

و نوه العثماني، بأن في الإدارة المغربية الكثير من الموظفين والمسؤولين يعملون بجد وبوطنية عالية، وإلا لما تحقق الكثير بالمغرب بقيادة الملك.

كما سبق لوزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، أن أكد على الأهمية الكبرى التي توليها الحكومة لمحاربة الفساد بجميع أشكاله، مشيرا إلى أن الحكومة اتخذت العديد من التدابير في إطار مكافحة الفساد على غرار إحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، وإطلاق البوابة الوطنية لتلقي الشكايات، والخط الأخضر المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة، وكذا تيسير المساطر الإدارية.

* مجلس الشامي: تطور إيجابي في مكافحة الفساد بالمغرب

أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يرأسه الاتحادي ” الشامي” في تقاريره الاخيرة ان المغرب قد حقق تطور ايجابي في محاربة الظاهرة، مشيرة نفس التقارير أن مـن بين العوامـل التـي قـد تكـون سـاهمت فـي هـذا التطـور” الجهـود التـي بذلهـا المغرب فـي مجـال محاربـة الفسـاد، رغـم أن المغـرب لـم يتمكـن بعـد مـن تجـاوز المرتبـة المتوسـطة التـي يحتلهـا فـي التصنيـف الدولـي فـي هـذا المجـال، ومـا زال خلـف العديـد مـن الـدول العربيـة والإفريقية).

وتابع تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي إنه وعلـى الرغـم مـن هـذه الجهـود، فـإن مكافحـة الفسـاد تقتضـي المزيـد مـن الانخـراط مـن أجـل معالجـة العديـد مـن الجوانـب، نذكـر منهـا: الحـرص علـى التنفيـذ الفعلـي، علـى الصعيديـن المركـزي والترابـي، لمضاميـن القانـون رقـم 13.31 المتعلـق بالحـق فـي الحصـول علـى المعلومـات، الـذي تمـت المصادقـة عليـه فـي مـارس 2018، وإعـادة النظـر فـي الاطـار القانونـي والمؤسسـاتي الـذي ينظـم مختلـف حـالات تنـازع المصالـح، ومراكمة المسـؤوليات أو المهـام المتداخلـة بيـن الحقـل السياسـي والقطـاع الخـاص الهـادف إلـى تحقيـق الربـح، وكـذا مختلـف حـالات الاستغلال غيـر القانونـي للمعلومـات لتحقيـق مصالـح شـخصية. وهـو مـا يقتضـي وضـع إطـار تشـريعي وتنظيمـي موحـد يجمـع ويتمـم مجمـوع المقتضيـات ذات الصلـة التـي لاتـزال مشـتتة بيـن العديـد مـن النصـوص القانونيـة” وفق ذات التقرير.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نعم ونعم ونعم الفساد يعيق الجهوية المتقدمة لان لولا الفساد لاصبح المغرب اجمل بلدان العالم بدون منازع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى