هنا بولعوان، مشروع وطن برمته.. يد تسقي و يد تجني

هبة بريس – ياسين الضميري

في الثاني و العشرين من شهر أبريل من سنة 2008، و بأوامر من محمد السادس ملك المغرب، أعطيت الانطلاقة الرسمية لمشروع اسثتماري ضخم في قطاع الفلاحة تحت مسمى “مخطط المغرب الأخضر”، و الذي هم بالأساس الرفع من قدرة المغرب التنافسية في قطاع الفلاحة باعتبارها رافدا للتنمية و دعامة أساسية للاقتصاد المغربي.

هذا المشروع الوطني الضخم، جندت له الدولة المغربية من خلال وزارة الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات ميزانية غير مسبوقة قدرت بحوالي 150 مليار درهم على مدى عقدين من الزمن خاصة أن الفلاحة في المغرب تشكل أحد القطاعات الهامة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تضم ما يقارب 1.5 مليون فلاح وتساهم بحوالي 15٪ في الناتج الوطني الداخلي الخام إضافة إلى أنها توفر 40٪ من فرص الشغل.

و استطاع هذا المخطط بفضل المجهودات التي راكمها، خلال السنوات الماضية، جعل الفلاحة من أولويات القطاعات الإستراتيجية الوطنية، التي عملت على تحديث وعصرنة الفلاحة وتعزيز الاستثمارات والتكامل الجيد بين السلاسل الإنتاجية وضمان الأمن الغذائي والحد من تأثير التغيرات المناخية والحفاظ على الموارد الطبيعية وإنعاش صادرات المنتجات الفلاحية وتثمين المنتجات المحلية وخلق فرص العمل.

كما استهدف مخطط المغرب الأخضر في شقه الأول دعم الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة والإنتاجية العالية التي تستجيب لمتطلبات السوق من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة واعتماد وسائل جديدة من التجميع العادل، وتطوير الصادرات الفلاحية المغربية، وتطوير الأنشطة الصناعية المرتبطة بالفلاحة وتثمين منتوجاتها وتأهيل تسويق المنتجات وشروط التجميع والتخزين.

فيما استهدف الدعم الثاني، تحسين ظروف عيش الفلاح الصغير، ومحاربة الفقر في الوسط القروي عبر الرفع من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة، إضافة إلى النهوض بفلاحة تضامنية ذات مردودية لفائدة المرأة القروية من خلال مشاريع مخصصة للتعاونيات الفلاحية النسائية، كما عرف مخطط المغرب الأخضر، منذ انطلاقته تطورا كبيرا في إحداث التعاونيات في مختلف الفروع الفلاحية، وتطوير السلاسل والتعاون بين الدولة والمهنيين عبر عقود البرامج، وتحسين تربية المواشي، وتكثيف استعمال المكننة والتركيز على اقتصاد الماء.

و من بين النقاط المهمة التي ركز عليها المخطط الملكي “المغرب الأخضر” ضرورة تقنين و ترشيد استعمال الماء و ذلك من خلال استراتيجية تثمين مياه السقي و التي ستشكل موضوع هذا التحقيق الاستقصائي و الذي تطلب منا بحثا ميدانيا لمدة من الزمن اخترنا له منطقة “بولعوان” بضواحي دكالة كموقع جغرافي له باعتبارها من بين أكبر المناطق السقوية و الإنتاجية في القطاع الفلاحي بالمغرب.

 

المغرب الأخضر.. أرقام و معطيات لا بد من استحضارها

عموما ، بلغت الاستثمارات الإجمالية في قطاع الزراعة المغربي خلال السنوات العشر الأخيرة 108 مليارات درهم (11.5 مليار دولار)، ساهمت فيها الحكومة بحصة 38% والقطاع الخاص بحصة 62%، حسب حصيلة تنفيذ المخطط الأخضر بين 2008 و2018 و التي استقيناها من وزارة الفلاحة المغربية.

و أشارت ذات البيانات الرسمية إلى قيام الحكومة خلال هذه الفترة بتخصيص 136 ألف هكتار من الأراضي التابعة للمِلْك الخاص للدولة لصالح القطاع الخاص عن طريق عقود شراكة، والتي أُنجز عليها 1632 مشروعاً فلاحياً باستثمار إجمالي ناهز 56 مليار درهم (5.7 مليار دولار)، كما تم توزيع 303 آلاف هكتار إضافية من المِلْك الخاص للدولة على الفلاحين الصغار، والتي استفاد منها 21 ألف فلاح.

ومكّن المخطط الأخضر من زيادة الإنتاج الداخلي الخام للقطاع الزراعي إلى 125.4 مليار درهم (13.2 مليار دولار) في 2018، مقابل 70 مليار درهم (7.5 مليار دولار) في 2008، وارتفعت حصته من الناتج الخام الداخلي الإجمالي للاقتصاد المغربي من 7% إلى 17.3% خلال هذه الفترة.

و أوضحت المعطيات التي توصلنا لها أن تشكيلة الإنتاج الداخلي الخام للقطاع الزراعي المغربي تغيرت خلال هذه الفترة وأصبحت أقل ارتباطاً بإنتاج الحبوب، الذي انتقلت حصته في هذه التركيبة من 26% إلى 17% خلال هذه الفترة، فيما عرفت حصة الأشجار المثمرة ارتفاعاً من 12% من الإنتاج الداخلي الخام للقطاع الزراعي إلى 22% خلال نفس الفترة، ويرجع هذا التطور إلى تحفيز الفلاحين الصغار على التحول من إنتاج الحبوب إلى غرس الأشجار المثمرة باعتبارها زراعة أكثر مردودية وأعلى دخلاً وأكثر مقاومة للتقلبات المناخية.

في سياق ذلك، مكّن مخطط المغرب الأخضر من زيادة متوسط الدخل السنوي للفرد في الوسط القروي إلى 9500 درهم (نحو ألف دولار) في 2018 مقابل 5700 درهم (600 دولار) في 2008 حسب بيانات الوزارة المعنية، كما أن عدد فرص العمل الجديدة التي أحدثها القطاع الزراعي المغربي خلال هذه الفترة ناهزت 300 ألف عمل قارٍّ.

و حول نتائج مخطط المغرب الأخضر على الأمن الغذائي للمغرب، أشارت البيانات إلى أن الإنتاج المحلي أصبح يغطي نسبة 50% من استهلاك المغرب من السكر، و100% من حاجياته من الخضر والفواكه، و65% من حاجياته من الحبوب (القمح والشعير والذرة)، و99% من حاجياته من اللحوم الحمراء، و100% من استهلاكه من اللحوم البيضاء، و98% من احتياجاته من الحليب.

و أبرزت البيانات أهمية الدعم المالي الحكومي في تحفيز الاستثمارات وتحقيق الأهداف والتحولات التي سطرها مخطط المغرب الأخضر، و أشارت إلى أن كل مليار درهم (105 ملايين دولار) من الدعم الحكومي تحفّز استثمارات خاصة بقيمة 2.4 مليار درهم (253 مليون دولار)، و توزعت المساعدات المالية الحكومية بين الفلاحين الصغار بحصة 57%، والفلاحين المتوسطين بنسبة 23%، والفلاحين الكبار بنسبة 20%.

و واكبت الحكومة تنفيذ المخطط الأخضر بمجموعة من الإصلاحات الهيكلية، والتي تجسدت في إصدار 4600 نص قانوني خاص بالمجال الزراعي خلال هذه الفترة، والتي تناولت مجالات متعددة منها إصلاح الأنظمة العقارية الفلاحية وتنمية سلاسل الإنتاج الزراعي، والإصلاح المؤسساتي، وتحفيز الاستثمار الزراعي، والقوانين المتعلقة بالسلامة والصحة ومراقبة الجودة.

و من أبرز المشاريع المهيكلة التي غيّرت وجه الزراعة المغربية خلال هذه الفترة، برنامج تعميم الري الموضعي بالتنقيط المدعوم من طرف الحكومة الذي استهدف 560 ألف هكتار، ومكّن من اقتصاد 1.6 مليار متر مكعب من الماء، كما مكّن هذا البرنامج من إحداث نقلة نوعية في الأنماط الزراعية من خلال إتاحة فرصة التحول من الزراعات التقليدية إلى أنظمة زراعية أعلى مردودية وأكثر قيمة مضافة، ومنها على الخصوص التحول من زراعة الحبوب (القمح والشعير) إلى غرس الأشجار المثمرة ، و هو ما سنتظرق له بالتفصيل في هذا البحث.

 

المغرب يتحدى الفقر المائي .. فهل سينجح في النهائي؟

يواجه القطاع الفلاحي المسقي بالمغرب تحدي نقص الموارد المائية، إذ أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الماء 1000 متر مكعب للفرد، وهو ما يجعل المغرب قريبا من عتبة الفقر المائي، وهذا ما يطرح إشكالية تدبير هذه الموارد، هذه النذرة ستزداد حدتها في المستقبل القريب بفعل تزايد الدينامية الديمغرافية والتوسع الحضري وتغير أنماط الإستهلاك من جهة، وتنامي قطاعات إقتصادية مستهلكة للمياه و يتعلق الأمر بالصناعة والسياحة كأنشطة جديدة إرتبط تطورها بمغرب المستقبل الحديث.

و علاوة عن ذلك، يساهم في هذا الإشكال أيضا الإستهلاك المرتفع للمياه من طرف القطاع الفلاحي بسبب تشبث بعض الفلاحين باستعمال تقنيات الري السطحي التقليدي و الذي يسبب ضياع الكثير من الموارد المائية، وعليه فإن تحدي تدبير الموارد المائية أضحى يفرض نفسه بإلحاح لمجابهة مختلف الطلبات المائية، ومن هنا تظهر الحاجة إلى ضرورة التفكير في أساليب جديدة تساهم في تحقيق فعالية تدبير الموارد المائية.

أدرك المسؤولون عن تدبير القطاع الفلاحي و المائي بالمغرب أهمية البحث عن الآليات الممكنة للمساهمة في تدبير الموارد المائية، وذلك باعتماد ميكانيزمات متباينة تجمع بين البعد المؤسساتي والقانوني و التربوي والتقني، حيث و عند هذا المستوى الأخير، عرفت تقنيات السقي بقطاع بولعوان الذي اخترناه مرجعا لهذا البحث الاستقصائي بإعتباره واحد من أهم القطاعات المسقية بدكالة و المغرب بصفة عامة، إما على مستوى تاريخ السقي أو على مستوى المساحة المسقية على إعتبار أنه خضع لتجهيز هيدروفلاحي منذ 1969 في إطار الإصلاح الزراعي، الإعتماد على تقنية السقي بالرش.

هذه التقنية الأخيرة ، وبالرغم من أهمية جوانبها الإيجابية مقارنة بتقنية السقي السطحي على مستوى تدبير الموارد المائية، إلا أنها مع ذلك طرحت مشكل ضياع مياه الري في سياق يتسم بنذرة الموارد المائية والمنافسة على هذه الأخيرة مع قطاعات أخرى، وهو ما دفع مسؤولي القطاع إلى ضرورة التفكير في تقنية بديلة كفيلة بتحقيق النجاعة على مستوى تدبير الموارد المائية و تحقيق مردودية فلاحية مهمة في ظل إرتفاع ثمن المواد الغذائية في السوق العالمية و تداعيات صندوق المقاصة الذي تعتمده الدولة المغربية.

هذا الرهان الاستراتيجي ترجمه مشروع مخطط المغرب الأخضر في إطار البرنامج الوطني للإقتصاد في مياه الري الذي سعى إلى تحويل ما يناهز 550 ألف هكتار من الأراضي المسقية إلى الري الموضعي في أفق 2020، عبر مجموعة من الآليات تجسدت أساسا في عصرنة شبكة الري العمومي بهدف تمكينها من متطلبات الري الموضعي و منح مساعدات مالية تتراوح ما بين 80% و100% من كلفة التجهيز لإعتماد التقنية الجديدة، وكذلك دعم الإرشاد الزراعي والرفع من قدرات الأطر والفلاحين، وقد إستفاد قطاع بولعوان بدرجة أولى بدكالة من هذا البرنامج ، لإعتبارات متعددة منها كونه يتميز بمؤهلات طبيعة متميزة ، ومنظم بشكل تعاونيات الإصلاح الزراعي وجمعية مستعملي المياه الفلاحية لأغراض زراعية.

الطريق لمنطقة بولعوان.. البحث عن الحقيقة الضائعة

على إحدى ضفاف نهر أم الربيع بإقليم الجديدة، تنتصب لافتة غلب عليها الصدأ ، تستقبلك بعبارة “مرحبا بك أنت في قصبة بولعوان” ، هاته القصبة التاريخية التي تأسست في عهد المولى إسماعيل، قبل قرون، منتظرة اليوم الذي تحظى فيه بقسط يسير مما تستحقه من الاهتمام، نظير عراقتها وقيمتها التاريخية من جهة، ولما طالها من إهمال ونسيان من جهة ثانية، في الوقت الذي تسير نحو الاستسلام التام لعوامل التعرية الطبيعية ومظاهر التخريب البشرية.

ارتبطت منطقة دكالة، منذ مئات السنين، بتوفرها على معلمة تاريخية سُمّيت “قصبة بولعوان”، و هي ضمن سلسلة القصبات التي شيدها حاكم المغرب أنذاك المولى إسماعيل سنة 1710 ميلادية تقريبا، بهدف حماية الطرق والمدن والمناطق المهمة، خاصة مع تواجدها في موقع إستراتيجي إداريا وعسكريا، وفي فضاء طبيعي قرب نهر أم الربيع، الذي يصل إليه قاطن القصبة عبر ممر محمي يدعى “الكورّاصا”.

و رغم أن المنطقة تؤوي أكثر من 15 ألف نسمة حسب أخر إحصاء رسمي للسكان بالمغرب ، غير أن بناية القصبة تظل مهجورة ، بل إن ألسنة الساكنة تلوك قصصا و حكايات مثيرة بخصوصها و يعزى سبب هجرها تاريخيا حسب الباحث كولفن لمحاولة السلطان مولاي إسماعيل تأبيد ذكرى زوجته المفضلة و التي كانت تدعى “حليمة غشاوة” و التي كانت تسكن بقصر القصبة، فأمر بإخلائها بعد وفاتها وإغلاق قصبة بولعوان ولم يعد إليها قط بعد وفاتها، وعند احتضاره أكد إخلاء القصبة نهائيا لتأبيد ذكرى هذه المرأة التي كانت لها مكانة مميزة في قلبه و كان يعتبرها إحدى أفضل زوجاته.

و تقوم قصبة بولعوان على قمة صخرية شاهقة، تنزل عموديا على أضيق نقطة في منعطف مجرى واد أم الربيع، وتشرف على المنعطف من كلتا جهتيه، ولا تربطها بالسهل المجاور إلا بقعة ضيقة من الأرض، وموقعها استراتيجي جدا، بحيث تبدو القلعة من بعيد بأبراجها الشاهقة وأسوارها المسننة عظيمة الهيكل هائلة البنيان، ويتميز موقعها على الحدود المشتركة بين ثلاث اتحاديات قبلية كبرى هي قبيلة دكالة والشاوية والرحامنة، و هي مركز ممتاز للمراقبة، وتتجلى أهميتها المعمارية لما تتوفر عليه من المرافق العسكرية من البرج الكبير و باب السر والحصن الأمامي المنحدر والمغطى، المفضي الى النهر، وأبراج الدعم الجناحي التي أحكم بناؤها بدقة ومهارة هندسية امتازت باستحكاماتها الدفاعية.

أما بالعودة للموقع الفلاحي لقصبة بولعوان ، فيقع هذا القطاع في الشمال الشرقي لدكالة كما هو موضح بالخريطة، على الطريق الإقليمية الرابطة بين مدينتي سيدي بنور وسطات ، و يبعد عن الجديدة ب 80 كلم، ويمتد هذا القطاع على مساحة تصل إلى 1100 هكتار و هي عبارة عن أراضي مسترجعة من المعمرين الفرنسيين من طرف الدولة و التي وزعتها على صغار الفلاحين، تتشكل من 220 مشارة فلاحية ذات مساحة فردية تقدر ب5 هكتارات لكل مشارة، وتتوزع على 10 تعاونيات فلاحية للإصلاح الزراعي، يشرف على تسييره المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي لدكالة و يقع تحت و صاية وكالة الحوض المائي لأم الربيع، بينما على المستوى الإداري نجد أن قطاع بولعوان ينتمي ترابيا إلى الجماعة القروية بولعوان، دائرة سيدي إسماعيل، إقليم أولاد فرج.

و من خلال المعطيات الرقمية التي استقيناها من المؤسسات الرسمية بالمنطقة، فيتميز الجزء الغربي من التضاريس الوسطى بطبيعة طبوغرافيته المستوية، بينما نجد الجزء الشرقي أكثر تضرسا لأنه يشكل إمتدادا لسفوح نهر أم الربيع، أما من حيث المناخ فيتميز هذا القطاع السقوي بتنوعه ، فهو مناخ معتدل و رطب خلال فصل الشتاء، وجاف خلال الصيف و متأثر بالتيارات القادمة من المحيط، كما يتميز بتساقطاته السنوية غير المنتظمة، حيث أسفرت نتائج دراسة أجراها المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي على أن معدل التساقطات السنوية لا يتعدى 350 ملم كل 3 سنوات من مجموع أربع سنوات، و أن هذا المعدل لا يتجاوز 450 ملم كل سنة من 10 سنوات، و الشهور التي تعرف غزارة في التساقطات هي أشهر نونبر و دجنبر ثم يناير و التي تستحوذ على نسبة 50% من مجموع هذه التساقطات المسجلة في السنة بهاته المنطقة.

أما الحرارة المتوسطة السنوية بقطاع بولعوان استنادا لذات المعطيات ، فتصل إلى 18 درجة و تعرف تغييرا طفيفا من سنة لأخرى حسب السلم السنوي، و هي تتراوح بين 4 و 40 كحد أقصى، ويبلغ عدد الساعات المشمسة خلال السنة إلى 260 يوم، أما فيما يتعلق بالموارد المائية، فيؤمن سد المسيرة الحاجيات المائية اليومية لقطاع بولعوان عن طريق القناة الرئيسية السفلى التي تتزود بالمياه من سد إمفوت الذي تأتيه المياه من سد المسيرة، بينما تعرف المنطقة تنوعا في تربتها، ويختلف من حيث المساحة التي يشملها كل نوع ، حيث أن الأتربة بالنسبة للمجال السقوي قيد البحث و الذي يشغل مساحة 1100 هكتار فتتشكل بالأساس من تربة الرمل بنسبة 90%، و هي تربة أقل غنى من التربات الأخرى كما تتميز بإستهلاك مائي مهم ، و 10% من تربة الحمري.

و تتميز منطقة بلعوان بخصائص بشرية فريدة ، حيث أن الوحدة السكنية لتعاونيات الإصلاح الزراعي التي تصل مساحتها 11000متر مربع بدائرة بولعوان، تتوفر على ساكنة مهمة بلغت 4400 نسمة حسب أخر إحصاء رسمي، منها 2040 نسمة من النساء و 2000 من عدد الرجال ، و تضم 370 أسرة تشتغل بالقطاع الفلاحي و بالأخص السقوي.

و تتميز الفلاحة هنا بمنطقة بولعوان بتوفرها على المجال البوري و المجال السقوي، هذا الأخير هو موضوع بحثنا و بالتالي فهو جزء من جماعة بولعوان على مساحة تقدر ب 1100 هكتار، تسيره شبكة تسيير مياه الري رقم 312 (CGR)، أما المجال البوري فتابع لمركز التنمية الفلاحية (CDA).

 

دائرة بولعوان السقوية.. إعداد هيدروفلاحي قديم و عوائق في تدبير المياه

شكل الإعداد الهيدروفلاحي بدائرة بولعوان واحدا من أهم مشاريع التنمية الفلاحية بقطاع دكالة ، بالنظر إلى تعدد و ظائفها التنموية ، فبالإضافة إلى مساهمتها في تحسين نظام الإنتاج من خلال الرفع من المردودية ، أو إدخال مزروعات جديدة ذات قيمة مضافة مرتفعة ، يساهم أيضا في تثبيت الساكنة المحلية في مجالاتهم فضلا عن الضمانات التي يقدمها على مستوى تحقيق الأمن الغذائي .

قبل أكثر من عقد من الزمن، عملت مؤسسات الدولة التي تعنى بالقطاع الفلاحي في إطار الإعداد الفلاحي الرسمي إلى تبني تجربة السقي بالرش، بحيث حققت بولعوان السبق على المستوى الوطني في تطبيق هذه التقنية و ذلك نظرا لمزاياها المتعددة بالمقارنة مع تقنية الري بالجاذبية، كونها أكثر فعالية على مستوى تدبير الموارد المائية، وكذا على مستوى المردودية والإنتاجية.

و إذا كانت هذه التقنية تعد تجربة رائدة و واحدة من أهم الخيارات الإستراتيجية المطروحة في تلك الفترة على مستوى تدبير الموارد المائية في ظل المعطيات التقنية لفترة بداية السبعينات، إلا أنه في الوقت الراهن أبانت عن محدوديتها في تحقيق الرهانات السالفة الذكر، خاصة مع ظهور تقنيات جديدة أكثر تأهيلا لتدبير الموارد المائية، و هو ما دفع أصحاب القرار تبني تقنيات جديدة في عملية السقي كفيلة بإيجاد أجوبة ملائمة على جميع مستويات الجانب الفلاحي، لا سيما في ظل الخصاص المائي على المستوى الوطني، و تزايد الحاجيات المائية بفعل سيرورة التمدين و التحولات القيمية بفعل تغير نمط عيش المغاربة، و هي تحديات أملت على أصحاب القرار ضرورة البحث عن الآليات الممكنة للتدبير الجيد للموارد المائية و تثمينها و الرفع من المردودية.

و في هذا الصدد ، طرحت تقنية الري الموضعي كأحد البدائل الجديدة الممكنة، و التي يمكن أن تساهم في تدبير مياه الري و في تحقيق “فكر الإقتصاد المائي” و الرفع من الإنتاج، حيث و إنسجاما مع هذه المعطيات عملت المصالح المختصة على إدخال تقنية الري الموضعي بدءا من سنة 2007 إلى أن تم تعميمها في إطار الإستراتيجية الجديدة مخطط المغرب الأخضر.

و إستمرت أشغال تهيئة القطاع السقوي لبولعوان حوالي 4 سنوات تقريبا إلى أن تم تزويده بالمياه، إذ يستمد حاجياته الضرورية من المياه إنطلاقا من القناة الرئيسية السفلى عبر مأخذ يزود محطة الضخ التي تدفع المياه داخل قناة جد متطورة تتكون من قنوات مطمورة تحت الأرض، و يضم نفق المنطقة السفلى يزود بالمياه عبر مأخذ من سد إمفوت الذي أنجز سنة 1952 و يبلغ طوله 16.7 كلم، و كذلك القناة الرئيسية السفلى و طولها 111 كلم عبارة عن قناة من تراب غير مبلطة و تقدر قدرة نقل هذه القناة بصبيب يصل إلى 30 متر مكعب في الثانية .

كما يضم مأخذ المياه الواقع على مستوى النقطة 12 من القناة الرئيسية ، و محطة الضخ و هي أول محطة تم إنشاؤها على صعيد قطاع دكالة ، و خزان المياه و هو عبارة عن حاوية تصل قدرتها إلى 500 متر مكعب، تقع فوق برج يبلغ ارتفاعه 71 متر، بني في سنوات التسعينات للسهر على تنظيم المياه داخل قنوات الضغط، فضلا على شبكة الري مزودة بصمامات العزل و أجهزة  الأمان و آلية لقياس الصبيب، ثم قنوات الري.

 

كيف تدخلت الدولة المغربية لتدبير مياه الري بدائرة بولعوان؟

عملت الدولة المغربية في إطار المنهجية المندمجة لتدبير الموارد المائية بقطاع بولعوان السقوي، على بلورة سياسات مائية تعكس حجم التجارب التي تتوفر عليها البلاد في هذا المجال، و تجب الإشارة إلى أن مجال تدبير الموارد المائية هو مجال متشعب، نظرا لإرتباط الماء بمجالات متعددة، و كل مجال يحتاج إستراتيجية منسجمة مع خصائصه وخصائص المجال الذي يتواجد فيه، فكيف تدخلت الدولة لتدبير مياه الري بدائرة بولعوان؟

شكل الحفاظ على الموارد المائية بالقطاعات المسقية و تدبيرها رهانا أساسيا لأصحاب القرار، و عكس إدخال تقنية “الرش” الرغبة في تدبير الموارد المائية و تحقيق مردودية مرتفعة ، بحيث إعتبرت هذه التقنية الأكثر نجاحا على مستوى تحقيق الأهداف السالفة الذكر قياسا مع الري بالجاذبية، لكن مع طول الإستعمال، أبانت هذه التقنية عن محدوديتها، كما أن مردودها أضحى ضعيفا.

و في هذا الصدد، عمل المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي لدكالة بالشروع في وضع إستراتيجية جديدة بهدف الكشف عن مواطن الخلل و تشخيصها، في أفق إيجاد الحلول المناسبة من أجل تطوير البنية التحتية و معالجة الإكراهات المرتبطة بعمليات السقي و ضياع الموارد المائية، هذا بالإضافة إلى ضمان مياه ذات جودة عالية لفائدة مستعملي المياه الفلاحية، و هي إستراتيجية تندرج في إطار التوجهات الوطنية الهادفة إلى عصرنة القطاع المسقي بالمغرب.

و شكل هذا التشخيص ضرورة ملحة، نظرا لنذرة الموارد المائية التي أضحت تتخذ طابعا هيكليا، بموازاة مع ذلك إرتفاع الحاجيات المائية نتيجة إتساع رقعة القطاع السقوي و المنافسة الكبيرة التي يعرفها هذا القطاع مع قطاعات أخرى كالصناعة و السياحة، هذه التحديات فرضت طرح بدائل جديدة كفيلة بتدبير عقلاني لتقنيات السقي للمحافظة على المياه.

و تبعا للتشخيص المعد من طرف مصالح المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي لدكالة حول تقنية الرش بقطاع بولعوان، كشفت نتائج هذا التشخيص عن عاملين أساسين مرتبطين بتدبير الموارد المائية، الأول يرتبط بشبكة الصرف و التوزيع، و الثاني يرتبط بالتدبير على مستوى البقعة الفلاحية.

فعلى مستوى العامل المتعلق بشبكة النقل و التوزيع، يتجسد في عدم تغطيتها، مما سبب في تدهور و إستمرار تأكل جوانبها، الأمر الذي نتج عنه رواسب أدت إلى تسربات أثناء تدفق المياه، في حين يتجلى العامل الثاني، في كون تقنية السقي بالرش داخل البقعة، طرحت إشكالية كبيرة في التدبير الجيد و المعقلن لمياه الري، فإستغلالها طيلة عقود مضت أسهم في تعرض أجهزة الضبط و الصبيب و متحكمات الضغط للتلف، هذا علاوة عن تجاوز مدة الرش المسموح بها، و عدم  إحترام مواصفات العمل بها، أضف إلى ذلك عدم وجود عدادات فردية لضبط كميات المياه المستهلكة من طرف كل فلاح ، الأمر الذي أدى إلى إستهلاك مفرط للمياه و إرتفاع مديونية الفلاح.

هذه الإكراهات فرضت تبني شكل جديد للسقي يعتمد على توزيع المياه بالتساوي على الجميع، و هو خيار تجيب عنه تقنية الري الموضعي التي تم تعميمها بدائرة بولعوان في إطار البرنامج الوطني للإقتصاد في مياه الري الذي يشكل العمود الفقري للإستراتيجية الوطنية تحت مسمى “مخطط المغرب الأخضر”.

و تم في هذا الصدد اتخاذ عدد من إجراءات و تدابير الإقتصاد في مياه الري بدائرة بولعوان السقوية، حيث مكن التشخيص الموضعي لإشكالية السقي في قطاع بولعوان، مصالح المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي بدكالة من إعداد إستراتيجية مناسبة، تتجسد أساسا في العمل على إنجاز مخطط للتدخل، ترتكز عناصره على الرفع من مؤهلات نظام السقي و ضمان عمل التجهيزات و ترشيد  إستعمال المياه و إستهلاك الطاقة الكهرمائية، هذا علاوة على تطوير خدمة توزيع المياه على الفلاحين والرفع من فعالية حصة المياه في المشارة الفلاحية و تثمين مياه الري، هذا إلى جانب الرفع من مداخيل الفلاحين.

و لتحقيق الأهداف المعلنة سلفا، ركزت جوانب التدخل على ثلاثة محاور أساسية همت تطوير مؤهلات ميكانيزمات السقي و الحد من تسربات المياه و ذلك من خلال القيام بمجموعة من العمليات كتزويد القناة السفلى بنظام التدبير التواصلي عن بعد، و ذلك لضمان تحكم أفضل لمحطة الضخ و تجهيزها بعدادات المياه.

و إذا كان  إنجاز هذه العمليات نظريا حقق أثرا إيجابيا على جودة خدمة المياه و أسهم في إقناع المستفيدين و الإستجابة لمتطلباتهم، إلا أن واقع الحال بقطاع بولعوان حد نسبيا من إنجاح هذه الأهداف، وذلك لكون الشبكة السقوية للدائرة كانت قد عرفت نوعا من التدهور، هذا إلى جانب الإستهلاك المفرط للمياه بهذه الدائرة بموازاة مع إرتفاع مديونية الفلاح، إذ سجلت أرقاما مرتفعة في هذا الصدد مقارنة بباقي الدوائر السقوية بقطاع دكالة، و ذلك حسب تصريحات استقيناها من جمعية مستعملي المياه الفلاحية لبولعوان.

هذا الوضع البنيوي الذي تتدخل فيه عوامل متعددة، دفع الجهات المعنية إلى وضع إختيارات أكثر نجاعة في تدبير المياه، و ذلك في إطار الإستراتيجية الجديدة لمخطط المغرب الأخضر التي طرحت تعميم تقنية الري الموضعي، فما هي الإضافات الجديدة لهذه التقنية على مستوى الموارد المائية و تثمينها ؟ و ما هو السياق العام و الخاص الذي فرض طرح هذه التقنية و في هذه الظرفية بالذات؟

 

مخطط المغرب الأخضر و تأهيل المجال السقوي بقطاع بلعوان

لإعادة تأهيل المجالات المسقية و توسيع رقعة المساحة المجهزة بتقنيات الري الموضعي، حددت الدولة المغربية مجسدة في وزارة الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات جملة من الإختيارات ترجمتها في شكل مخطط وطني للإقتصاد في مياه الري ، الذي سعى إلى تحويل ما يناهز 550 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية للري الموضعي و ذلك في أفق سنة 2020.

عمل المغرب منذ 2008 على تبني إستراتيجية جديدة، الهدف منها تطوير المجال الفلاحي عبر مشروع “مخطط المغرب الأخضر “، و قد إتخذ هذا المخطط شكل مخططات جهوية، تبعا لإمكانيات كل جهة وما تنطوي عليه من فرص للنماء، كما أن هذا المخطط إتسم بنوع من الشمولية كونه مس جميع المجالات بمختلف خصوصياتها، و هو بذلك يشكل قطيعة مع البرامج السابقة التي إتسمت في العادة بالبعد الإنتقائي على المستوى المجالي وبهيمنة المقاربة القطاعية، كما أن أهدافه تجاوزت البعد الإنتاجي لتشمل البعد الإجتماعي، كما عمل مخطط المغرب الأخضر على تبني أساليب الشراكة ضمن مقاربة تعاقدية مع عدم إستبعاد أي سلسلة من الإنتاج، أي أن المخططات الجهوية لمخطط المغرب الأخضر تمتح أسسها النظرية من الفلسفة التنموية الجديدة المبنية على الشراكة و التعاقد و التنمية المحلية.

و لتفعيل الأسس المذكورة أنفا، فقد إرتكز المخطط الجهوي لدكالة عبدة على نتائج التحاليل و التشخيص للفلاحة بالجهة و تشخيص الموارد الطبيعية المتوفرة من مياه و تربة و مناخ، على كل وحدة ترابية، هذا علاوة على تفعيل إتفاقية الشراكة المبرمة بالنسبة لسلاسل الإنتاج من أجل توطيد و تحسين الإنتاجية و الجودة.

و تبعا لإمكانية الجهة و مؤهلاتها، حددت مجالات التدخل ضمن 96 مشروعا تسعى جميعها إلى الرفع من الإستثمارات و إدخال المكننة و إدخال زراعات جديدة ذات قيمة مضافة مرتفعة و أكثر إنسجاما مع الظروف المحلية، هذا إضافة إلى تثمين مياه السقي و الإقتصاد في المياه، مع عدم إغفال الجانب الإجتماعي في خلق فرص الشغل.

و بغض النظر عن الأهداف المتنوعة للمشروع، فما يهمنا أكثر هو الوقوف على كيفية معالجة إشكالية تدبير مياه الري بإعتبارها أحد أهم توجهات مخطط المغرب الأخضر و الذي يشكل الركيزة الأساس في إنجاح مختلف المشاريع، و كما هو معلوم أن الدولة عملت منذ فترة الملك الراحل الحسن الثاني على تزويد الدوائر المسقية بالمنشآت المائية، و كان الهم الوحيد هو إنجاح التجربة و الرفع من المردودية و تنويع المنتجات بيد أنه لم يتم الإنتباه إلى إشكالية تدبير الموارد المائية، لذا فإن عدة عوامل فرضت ضرورة التفكير في وضع سياسة هادفة إلى الإقتصاد في مياه الري و ذلك لعدة إعتبارات منها محدودية الموارد المائية بالمغرب حاضرا و مستقبليا كما هو الحال في عدد من بلدان العالم، بحيث أن المغرب يوجد على عتبة  “الفقر المائي “.

هذا الوضع سيكون أكثر حدة في كل من أحواض أم الربيع تانسيفت سوس ماسة، و التي تجسد 67 % من المساحة الإجمالية المسقية، و هي مجالات أكثر دينامية في البلاد و الأكثر طلبا للموارد المائية هذا من جهة، و من جهة أخرى نجد إرتفاع الطلب المتزايد على مياه السقي في كثير من الأحواض المائية، و هو واقع فرض ضرورة التفكير في الحفاظ على القدرة الإنتاجية للقطاعات السقوية التي شكلت على مر الزمان رافعة للإقتصاد الوطني، و الحفاظ على هذه القدرة لن يتم فقط عن طريق تبني تقنيات سقوية جديدة للإقتصاد في المياه التي تعطي قيمة كبيرة للموارد المائية المحدودة.

و في هذا الإطار عمل المخطط الوطني للإقتصاد في مياه الري على تبني تقنيات جديدة و شاملة تهم الإقتصاد في الماء و تثمينه عبر بلورة مشاريع العصرنة الجماعية و الفردية لأنظمة الري بالمناطق السقوية الكبرى، حيث إن الهدف من هذا البرنامج الذي تقوم به الدولة هو إيجاد حلول لمشاكل الفلاحين و ذلك عبر مساعدة الفلاحين مع عصرنة أنظمتهم الإنتاجية، و مساعدتهم كذلك على ضمان دخلهم اليومي و إرشادهم بأهمية و قيمة الموارد المائية،  ذلك أن المحافظة على مياه الري و قيمتها فرض من الناحية الإجرائية ضرورة تغير أنماط السقي عبر التوسيع من المساحة المسقية بواسطة السقي الموضعي على مساحة 550 ألف هكتار بعد 12 سنة منذ 2008.

و يهم هذا البرنامج بالإضافة إلى القطاعات السقوية الكبرى بمساحة تصل إلى 218 ألف هكتار، مناطق السقي الخاص على مساحة تصل إلى 160 ألف هكتار، بالإضافة إلى هذا الرهان فإن البرنامج يهدف أيضا إلى العصرنة الجماعية للقطاعات السقوية عبر تحديث شبكات الري و تثمين المنتوجات الفلاحية و تقوية الإرشاد التقني مع تبسيط الولوج و الإستفادة من المساعدات المالية من 80 إلى 100%.

و يهدف البرنامج الجهوي لجهة دكالة عبدة تحويل أنظمة السقي بالرش إلى السقي الموضعي على مساحة 89.700 هكتار، إلى تحسين خدمة الماء و كفاءة الري على صعيد الجهة، مع تثمين مياه الري و تحسين دخل الفلاحين  بالإضافة إلى المساهمة في المحافظة على البيئة و لتحقيق هذه الأهداف تم تجهيز خمس قطاعات مسقية على مساحة 10700 هكتار، لفائدة 3038 فلاح ، عن طريق تجهيز شبكة الري الخارجية من خلال التركيز على ترميم ثلاثة محطات للضخ، و إنشاء محطتين جديدتين ، و إنشاء خمس محطات للتصفية مع ترميم أنابيب الري المتواجدة ، و إنشاء شبكة على طول 380 كلم ، و إنشاء مآخذ فردية للسقي و التجهيز الداخلي للضيعات بمعدات السقي بالموضعي.

و تبعا لأهداف  المشروع على المستوى الجهوي، إستفادت دائرة بولعوان بحكم مجموعة من الإعتبارات التي سبق ذكرها، من مشروع تحويل نظام الري بالرش إلى نظام الري الموضعي، عبر تكثيف و تقوية شبكة الري و معدات الإستغلال الفلاحي و عبر إنشاء محطة كبيرة للتصفية الرئيسية و تقوية محطة الضخ و تعويض المرابط السقوية المتواجدة بأغلب الجهات المتدهورة بمآخذ فردية مجهزة بعدادات المياه و أجهزة تحكم وآليات التصفية.

منجزات كهاته تطلبت رصد مبلغ 40 مليون درهم، خصص منها مبلغ 8 ملايين درهم للمعدات الخارجية و 32 مليون درهم للمعدات الداخلية، و لإنجاح المشروع وتفعيل مبادئه تم عقد إتفاقية شراكة بين مجموعة من الفاعلين، يتعلق الأمر بالمكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي لدكالة و جمعية مستعملي المياه الفلاحية لأغراض زراعية لبولعوان و وكالة الحوض المائي لأم الربيع و التعاونيات الفلاحية للإصلاح الزراعي، و تسعى هذه الشراكة إلى مصاحبة المشروع عبر التأطير و المساعدة و متابعة تنفيذ مكوناته، إضافة إلى تمويل أشغال التجهيزات الخارجية من طرف وكالة الحوض المائي، وحث فلاحي دائرة بولعوان على تجهيز ضيعاتهم بشبكة الري الموضعي.

أما فيما يخص عملية  تمويل تجهيزات شبكة الري داخل الضيعات الفلاحية فلقد إستفادت الجمعية من دعم مالي و صل 100 % من تكلفة المشروع، و ذلك في إطار الإستراتيجية الجديدة مخطط المغرب الأخضر، كما أن مختلف المنجزات التقنية و المؤسساتية للمشروع ، تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف على مستوى قطاع بولعوان، و هذه الأهداف تتجسد في الإقتصاد في الماء بنسبة 40% ، و الإقتصاد في الطاقة بنسبة تتراوح ما بين 5 و 10% ، و  الرفع من قيمة الإنتاج ب 50% ، و الكثافة الزراعية ب 40 % ، و عقلنة إستعمال الأسمدة و المواد الكيماوية مع المساهمة في الحفاظ على البيئة.

 

 

بدعم من المخطط الأخضر.. تقنية الري الموضعي تغزو سهول بولعوان

تشكل تقنية الري الموضعي، تقنية بديلة للتقنية السابقة و هي السقي بالرش، إذ تعتبر خيارا ناجعا تنبع قيمته من أهدافها التي تروم على الخصوص إلى الإنتقال بنسبة فعالية و كفاءة الري من 50 إلى 90 %، و قد تم تعزيز توظيف الري الموضعي بقطاع دكالة في إطار البرنامج الوطني للإقتصاد في مياه الري و الذي يعد العمود الفقري لمخطط المغرب الأخضر، كما أن هذه التقنية أضحت تفرض نفسها إعتبارا لمساهمتها الوازنة في التخفيف من الضغط الحاصل على الموارد المائية الذي يعد العقبة الأساسية أمام السعي إلى الرفع من الإنتاجية  الفلاحية.

و إلى جانب ذلك تروم عملية التحول من نظام السقي بالرش إلى السقي الموضعي، لتحسين دخل الفلاحين عبر الرفع من الإنتاجية وخفض تكاليف الإنتاج و كذا تثمين هذه المادة الحيوية و الحفاظ عليها ، و يعتبر الري الموضعي تقنية تهدف إلى تدفق المياه بالقرب من الجذور بكميات قليلة  و بصفة مركزة و مترددة لتزويد النباتات بالحاجيات اليومية من المياه.

و من خلال استنباط معطيات ميدانية لمقارنة بين التقنيتين، ففي حالة الري السطحي و الري بالرش، يتم تزويد النباتات بالماء لتلبية حاجياته لمدة طويلة تتعدى في بعض الأحيان أسبوعا كاملا، بحيث يستفيد النبات فيها بشكل مفرط في الأيام الأولى التي تلي عملية الري مع خصاص في آخر الدورة السقوية، مما يؤدي إلى ضعف المنتوج إضافة إلى ضياع كبير في الأسمدة، أما في حالة الري الموضعي فإن توزيع المياه يتم حسب الإحتياجات اليومية للنباتات بكميات قليلة في منطقة الجذور، الشيء الذي يساعد في الحصول على منتوج وافر و ذو جودة عالية.

تطبيق فكرة الإقتصاد في الماء التي تشكل أحد أهم رهانات المشروع، إقتضت تغيير في تقنيات الري بالقطاع المدروس، فتم اللجوء لتقنية الري الموضعي التي تبدو فعالة و منسجمة مع تحقيق الفكرة السالفة، إذا ما تمت مقارنتها بالتقنية السابقة، و حسب الدراسات التجريبية المنجزة حول هذه التقنية، فإن هذه الأخيرة تتسم بمجموعة من الخصائص منها أنها لا تروي إلا رقعة محدودة من التربة، و لا تبلل أوراق النبات، كما تمكن من توزيع المخصبات مع مياه الري، هذا بالإضافة أنها تمكن من إستعمال تقنيات أوتوماتيكية أكثر فعالية في تصريف المياه، و من مزايا هذه التقنية أيضا ملاءمتها مع جميع أنواع التربة، وفي جميع الحالات فإن هذه التقنية تقدم ضمانات كافية لتحسين الإنتاج و تحقيق مبدأ الإقتصاد في إستعمال المياه و بالتالي تخفيض تكاليف الإنتاج.

و عموما ، تتكون شبكة الري الموضعي من معدات التصفية أو التنقية، و معدات إضافة الأسمدة الكيميائية و شبكة توزيع المياه التي تشتمل على القنوات الرئيسية و الأنابيب الفرعية الحاملة للموزعات أو القطارات و على بعض القطع العامة.

و من أهم معيقات الري الموضعي، ذكر بعض الفلاحين في ارتساماتهم و حديثهم معنا إرتفاع كلفة التجهيز و إعتماده تقنيات متطورة تستلزم من الفلاح إكتساب بعض المهارات، كما أنه و كأي مجال فإن ظروف إستعمال الري الموضعي رهينة بنوعية التربة و بجودة المياه و بالظروف المناخية و نوعية المزروعات، فضلا على إختيار المعدات الملائمة التي تتطلبها كل حالة من أسباب نجاح المشروع.

و فيما يتعلق بالتربة، تتوفر دائرة بولعوان السقوية على نوعين من التربة بتوزيع مختلف على المجال وهي التربة الرميلة و تربة لحمري، حيث أنه و بالنسبة للتربة الرميلة يكون إرتشاح الماء متجها أكثر نحو الأعماق عبر توزيع عمودي للمياه و إستعمال موزعات ذات صبيب ضعيف، بمقابل الرفع من عدد الريات في اليوم لتلبية حاجيات المزروعات، أما تربة الحمري التي يمكن تصنيفها ضمن التربات المتوسطة، فيكون إرتشاح المياه متوازيا و عموديا، في هذه الحالة يتم إستعمال موزعات ذات صبيب متوسط.

و بخصوص الظروف المناخية، تبقى الكمية المضافة من مياه الري رهينة بإحتياجات المزروعات من الماء و الظروف المناخية بها، خاصة كميات الأمطار و درجات الحرارة، و عليه فإنطلاقا مما يتم تسجيله، و في إطار تجربة قام بها المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي لدكالة مع الوكالة الأمريكية للتنمية، فقد تمت لفترة تجريبية برمجة الري وفقا لذلك عن طريق بعث رسائل قصيرة لبعض الفلاحين بالقطاع تحدد لهم إحتياجات المزروعات تبعا لما يتم تسجيله بالمحطة.

أما فيما يخص النبات، فيمكن إستعمال ، تقنية الري الموضعي لري كل النباتات بما في ذلك الحبوب و الشمندر السكري و الخضروات و الحوامض ، و هي كلها زراعات تشتهر بها منطقة بولعوان، لهذا فقد تم تعميم التقنية بهاته الدائرة السقوية بالنسبة لجميع المنتوجات، بإستثناء زراعة “الفصة” التي أفرزت نتائج البحث الميداني على أن أغلبية الفلاحين لا زالوا يستعملون نظام الري بالرش بالنسبة لهذا النوع من المزروعات.

تعاونيات الإصلاح الزراعي ببولعوان.. توزيع أراضي الدولة على صغار الفلاحين

بعد إسترجاع أراضي الإستعمار الرسمي بمقتضى ظهير 23 شتنبر 1963 و بالضبط سنة 1966، قامت الدولة المغربية بنهج أو تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي و ذلك بتوزيع الأراضي الفلاحية المسترجعة من المستعمر على صغار الفلاحين للنهوض بقطاع الفلاحة عن طريق تكوين مجموعة من التعاونيات الفلاحية.

أنشئت تعاونيات الإصلاح الزراعي ببولعوان وفق ظهائر إسترجاع الأراضي من حوزة المعمرين و ذلك عبر مراحل مختلفة، حيث أن التعاونيات السقوية تأسست سنة 1969 بموجب ظهير الإسترجاع 26 شتنبر 1963، بينما تعاونية القصبة تأسست سنة 1976 بموجب ظهير 2 مارس 1973، و هي عبارة عن تعاونية إنتاجية تجمع بين مساحات محروثة و أخرى قابلة للزراعة، فيما تعاونية بئر إنزران تأسست سنة 1979 بموجب ظهير 26 شتنبر 1963، و هي تعاونية بورية.

من خلال النبش في معطيات الأرشيف الرسمي، فقد تم تأسيس هذه التعاونيات على مساحة تقدر ب 1571.5803 هكتار، هذه الأراضي المسترجعة من طرف الدولة بموجب الظهائر المشار إليها أعلاه، و التي أصبحت ملكا تابعا لها، مع الإشارة إلى أنه الآن عدد من الفلاحين بالتعاونيات السقوية، عددها عشرة، الذين أدوا الديون أصبحت ملكا لهم، و كل من أدى ما عليه من مستحقات ستفوت له الملكية، كانت سابقا في ملك المعمرين الأجانب.

و من بين الملاك الأجانب نذكر Mr Bartholom Jules الذي كان يستغل ما مجموعه 1920هكتار، و Mr Hoberg André الذي كان يستغل مساحة تقدر ب 2807 هكتار، و قد تم تقسيم هذه الأراضي المسترجعة إلى جزئين، جزء تابع لإدارة المياه و الغابات تصل مساحته إلى 2752 هكتار و جزء تابع للمكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة و الذي تبلغ مساحته 2736,1027 هكتار منها 1100 هكتار تم تجهيزها عن طريق الرش ما بين 1969 و 1970 بالدائرة السقوية بولعوان و توزيعها سنة 1969 في إطار الإصلاح الزراعي على 220 فلاح مستفيد من مساحة 5 هكتارات، موجهة بالأساس إلى التنمية الفلاحية، تعمل بشكل تشاركي فيما بينها و بتمويل يتمثل بالأساس في التسهيلات التي تقدم من طرف القرض الفلاحي.

هذا النوع من التنظيم أخذ شكلا جديدا في تدبير هذا المجال السقوي مع دخول التقنية الجديدة “تقنية الري بالتنقيط”، ذلك أنه انطلاقا من بداية المشروع عملت جمعية مستعملي المياه الفلاحية على وضع محاضر لخلق لجان، تتكون كل لجنة من 4 أفراد على الأكثر من كل تعاونية و بتأطير منها تعمل هذه اللجان للوقوف على مراحل العمل حتى يتم بالشكل المطلوب و في ظروف عادية أثناء عمليات سير المشروع.


و من أجل إنجاز مشروع تحويل نظام السقي بالرش إلى السقي بالتنقيط ببولعوان، فقد تم إعتماد مقاربة تشاركية تجمع بالأساس عدد من الفاعلين و المتدخلين كما سبق الذكر منهم وكالة الحوض المائي لأم الربيع التي تعتبر من أول الأحواض المائية التي تم إنشاؤها بالمغرب وفق ظهير 536-96-2 الموافق ل 20 نونبر 1996 في إطار تطبيق الفصل 20 من قانون المياه، فهذه الوكالة تغطي مجال عمليات يمتد على مساحة تبلغ حوالي 48070 كلم مربع، أي نسبة 7% من التراب الوطني، و تضم الحوض المائي لأم الربيع و الأحواض الأطلنتية المتواجدة بين مدينتي أسفي و الجديدة.

و بالنسبة لتدخل الوكالة بالمشروع فقد قامت برصد غلاف مالي يبلغ 8 ملايين درهم بخصوص تمويل إنجاز أشغال ترميم التجهيزات الخارجية عن الضيعة، كما قامت بإبرام الصفقات مع الشركات المختصة لإنجاز هذه الأشغال بناءا على الملفات التي أعدها المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة، إضافة إلى دورها المتمثل في تدبير الموارد المائية بهذا الحوض.

لحدود الساعة، يتضح أن هناك نية لدى أصحاب القرار لتحقيق فكرة الإقتصاد في الماء و تحقيق إقلاع فلاحي بالمجال المدروس بهدف الإجابة عن الحاجيات المحلية و الوطنية من المنتجات و إيجاد فرص الشغل، إلا أن نجاح هذا المشروع بالإضافة إلى التكلفة فإنه يحتاج على مستوى التفعيل ضرورة إرساء شراكة بين أطراف متعددة في إطار تعاقد بين مؤسسات الدولة و الساكنة الفلاحية، فإلى أي حد انعكست أهداف المشروع و أسسه على قطاع بولعوان؟ وهل فعلا حقق هذا المشروع فكرة الإقتصاد في الماء و تثمينه و الرفع من الإنتاجية؟ و ما هي مختلف الإكراهات التي واجهها الفلاح منذ انطلاقة المشروع و التي حالت دون تحقيق البعض من الأهداف كما ترجمها مخطط المغرب الأخضر؟

طبيعة سكان ببولعوان.. هل ساهمت في تحولات المغرب الفلاحي بعد المخطط الأخضر؟

كما هو الحال في جل الأرياف ، يغلب على السكان في بولعوان حسب الجنس، الذكور حيث يشكلون ما يقارب 51% من مجموع أفراد الجماعة الترابية حسب آخر إحصاء رسمي للسكان بالمغرب، و هي حالة مشتركة بالمجتمعات الريفية ، فهي من جهة و بحكم التكثيف الفلاحي تستقطب مجموعة من الأفراد الذكور للعمل في الحيازات الفلاحية، و من جهة أخرى تغادرها العناصر النسوية بعد بلوغها سن الزواج لذلك يلاحظ نوعا من هذا التناقص في حصة الإناث، خاصة الفئة العمرية ما بين 20 و 24 على إعتبار أن سن الزواج عند الأنثى أصبح محصورا و بنسب كبيرة ضمن هذه الفئة.

من خلال معطيات ذات الإحصاء، فنجد أن فئة أقل من 38 سنة تشكل حوالي 14 % من ساكنة بولعوان و هي فئة نشيطة يمكن إعتبارها القاعدة الأساسية التي سيقوم المجتمع البولعواني من خلالها بالأعمال الفلاحية مستقبلا، و لاسيما وأن العمر الافتراضي لنشاط هذه الفئة تجاوز 22 سنة فأكثر، بينما فئة من 39 إلى 45 سنة تشكل 9 % من مجموع الساكنة الفلاحية، و هي فئة بدورها تشكل ركيزة أساسية لتطوير النشاط الفلاحي نظرا لتوفرها على خبرات فلاحية مهمة بحكم مواكبتها لمشاريع الإعداد الهيدروفلاحي و لدرايتها الأكثر بمختلف الأنشطة المرتبطة به.

أما بخصوص فئة السكان ما بين 46 الى 60 سنة، فتشكل لوحدها ما يقارب النصف، أي حوالي 42% من الساكنة بالمنطقة ، و تتسم هذه الفئة بعدة خاصيات أبرزها كونها فئة رائدة على مستوى إدخال المزروعات الجديدة و على إدخال التقنيات الحديثة، كما أنها فئة شاهدة على مستوى التحولات التي عرفها المجال، فيما نجد أن أصحاب أكثر من 60 سنة يشكلون حوالي 35 % من الساكنة مما يؤكد بداية إتجاه المجتمع الفلاحي بالقطاع في هاته المنطقة نحو الشيخوخة.


توزيع السكان بهذه الصورة بالمجتمع الفلاحي لبولعوان، يتمتع بفئة نشيطة مؤثرة و فئة راكمت خبرات فلاحية مهمة بحكم مواكبتها لمختلف مراحل الإعداد بهذه الدائرة، مما يوفر إمكانية نقل الخبرات الفلاحية للأجيال الفتية، و كما هو معروف فإن المستوى الثقافي يلعب دورا كبيرا في بلورة وعي الشرائح الإجتماعية لا سيما على المستوى الفلاحي، إذ يساهم في التنمية الإجتماعية و ييسر بلورة القرارات الفلاحية من جهة، كما يساهم و بشكل قوي و فعال في سلوكات الفرد إن على مستوى نمط الإنتاج أو على مستوى المسكن أو على مستوى تقنيات و وسائل الإنتاج من جهة أخرى.

و من خلال تشريح معطيات منطقة بولعوان، يتضح أن 4% من الفلاحين لهم مستوى تعليمي إعدادي و هي نسبة تبدو مهمة رغم ضعفها، و لاشك أن قرب بولعوان من الشبكة الطرقية و وجود مؤسستين إعداديتين بخميس متوح و العونات، بالإضافة إلى رغبة فلاحي بولعوان في تعليم أبنائهم ساهم في الرفع من نسبة التمدرس عند هذا المستوى، كما أن حوالي 29% من الفلاحين يتوفرون على مستوى تعليمي إبتدائي و هو معطى مرتبط باستفادة المجال المدروس منذ سبعينات القرن الماضي من مدرسة إبتدائية.

و فضلا عن ذلك، فإن وجود المجال بالقرب من الزاوية التونسية ساهم في الرفع من نسبة السكان المتمدرسين داخل الكتاتيب القرآنية، و18% من السكان تعرف القراءة و الكتابة بعدما سبق و تسجلت في تعليم الكتاب الديني المعروف ب”المسيد” ، لكن مع ذلك تظل نسبة الأمية ذات أهمية بالغة حيث تشكل حوالي 49%، و مهما يكن من أمر، فإن المستوى الثقافي ليس وحده، الذي يساهم في إحداث تحولات فلاحية بالمنطقة، و إنما هناك إحتكاك المزارعين بالعالم الخارجي و الحضور في إجتماعات تعاونيات الإصلاح الزراعي و الذهاب إلى الضيعات الفلاحية الخاصة لإكتساب التجارب و الخبرات.

هذا الأمر مكن فلاحي المنطقة ، حتى الأميين منهم، من إبداء رأيهم في البرنامج الفلاحي الجديد و معالجة المشاكل المختلفة التي تعانيها الساكنة الفلاحية بصفة عامة، أضف إلى ذلك التنافس بين المستفيدين الذي يؤدي إلى الرفع من المنتوج و تسويقه، و الأدهى من ذلك فهم مبادئ التعاون في إطار الإصلاح الزراعي، و هذه كلها عوامل تتداخل فيما بينها و تجعل الفلاح يطمح إلى التغيير و التجديد.

كما رافق ظهور تقنية السقي الموضعي بمنطقة بولعوان أنشطة اقتصادية جديدة مرتبطة بظهور توجه جديد لمختلف المحلات الكبرى لبيع التجهيزات الفلاحية التي وصل عددها إلى ثمانية على صعيد الدائرة السقوية ككل، بحيث أنها عرفت إضافة إلى مختلف المواد الخاصة بالتقنية السابقة دخول مواد التسميد و الأدوية و المعدات الجديدة الخاصة بالسقي الموضعي، كما تم في هذا الإطار التركيز على تنمية و تطوير تعاونية الحليب التي تأسست سنة 1972 بدائرة بولعوان، و في هذا الصدد شهدت هذه الأخيرة تطورا مهما يظهر من خلال الأهداف التي عملت و لاتزال تعمل عيلها لفائدة الفلاحين بهذا القطاع عن طريق تحسين مستوى دخلهم.

و من أهم الأنشطة المواكبة للمشروع الجديد نجد وضع مخطط تم الشروع في العمل به منذ سنة 2010 لإستيراد الأبقار الأصيلة من فرنسا و ألمانيا و هولندا للرفع من إنتاجية الحليب و تحسين مستوى دخل الفلاحين، هذا المخطط إلى حد ألان إستفاد منه 35 فلاح بعدد أبقار تجاوز المائة بقرة، و تمت عملية الإستفادة عن طريق منح الأبقار للفلاحين بثمن يصل إلى 8000 درهم و بتسهيلات في التسديد بحيث يمكن للفلاح أن يسدد بعد مرور ثلاثة أشهرمبلغ 1000 درهم شهريا، هذا إضافة إلى تأسيس جمعية للتلقيح الإصطناعي بتاريخ 15/06/2012 بهدف تحسين سلالة الأبقار المحلية للرفع من إنتاجية الحليب و اللحوم الحمراء.

و يعتبر هذا المشروع مهما بالنسبة للمنطقة بحيث حقق نتائج ملموسة أدى الساكنة الفلاحية المستفيدة على مستوى الدخل مقارنة بالوضعية السابقة إذ نجد إرتفاع ثمن الحليب للتر الواحد من 1.50 إلى 3.50 درهم، و بالتالي إنتقل معدل الدخل من 50 درهما إلى 500 درهما أسبوعيا بالنسبة لهاته الأسر و هذا أمر يعكس قيمة التحولات الاجتماعية و الاقتصادية التي واكبت مشروع السقي الموضعي، خاصة أن الأنشطة غير الفلاحية بدائرة بولعوان السقوية لا تشكل سوى 15%، و بالتالي يتضح بأن الأنشطة المتعلقة بالفلاحة تشكل لوحدها 85%، و من خلال البحث الميداني توصلنا إلى أن هذه الأنشطة تتشكل أساسا من محلات التلحيم و بضع محلات لبيع المواد الغدائية و صيدلية واحدة و مدرسة ابتدائية و مستوصف.

بولعوان تثور على الواقع.. السقي الموضعي يغير مشهد المنطقة

رافق إدخال تقنية السقي الموضعي بمنطقة بولعوان بدكالة تحولات على مستوى نوع الإنتاج، إذ أفضت هذه التقنية إلى ظهور مزروعات جديدة و تغيير جذري على مستوى المزروعات السائدة من قبل و التي كانت تشتهر بها هاته الدائرة الفلاحية.

كما شهدت مساحة المزروعات التقليدية بدائرة بولعوان تغيرات كبيرة، غير أن هذا التغير اتخذ حسب نوع المزروعات إما طابعا تصاعديا كما هو الحال بالنسبة للخضروات بزيادة قدرها 120 هكتار، أما المزروعات العلفية فارتفعت مساحتها من 250 هكتار إلى 350 هكتار بزيادة صافية قدرها 100 هكتار.

و ترتبط هاته الزيادة في كون تقنية السقي الموضعي قد مكنت الفلاحين من الإقدام على زيادة هذه المزروعات بالنظر إلى نجاعتها في عملية السقي، لا سيما في ما يتعلق بالخضروات، أما المزروعات العلفية فهو يعود إلى رغبة الفلاحين في مجابهة الحاجيات الغذائية لقطيع الأبقار المتزايدة كما تمت الإشارة له سلفا بعد إدخال سلالات جديدة من الخارج، أما زراعة الشمندر فقد حافظت على مساحتها و لم تعرف أي تزايد يذكر، و يظل التراجع الوحيد من حيث المساحة ذاك الذي يرتبط بزراعة الحبوب.

و بموزاة هذا التغيير على مستوى المساحة المزروعة بالنسبة للمنتوجات التقليدية، بدأت تظهر زراعات جديدة تندرج ضمن الأهداف العامة لمخطط المغرب الأخضر، غير أن مساحتها تظل محدودة بالمقارنة مع المزروعات التقليدية، مثل الحوامض التي تم استغلال 50 هكتار لزراعتها و العنب الدكالي بحوالي نفس المساحة و الرمان و التين و الزيتون.

و يعزى ضعف مساحات المزروعات البديلة إلى كون عملية التجديد الفلاحي تحتاج إلى وقت زمني حتى يتمكن الفلاحون من إستيعاب آليات التعامل مع هذه المزروعات و إدراك فوائدها المادية، فعندما يتمكن الفلاح من تحقيق نجاحات على مستوى المردودية إذ ذاك يسهل على باقي فلاحي القطاع تبني هذه المزروعات، و هي مسألة بديهية في الأوساط الريفية، بحيث أن الفلاح لا يمكن أن يتبنى التجديد إلا إذا تيقن من نتائجه و مزاياه و تمكن من إستيعاب آليات التعامل معه.

و بخصوص عدد الفلاحين الذين تبنوا هذا النوع من المزروعات الجديدة فلم يتجاوز 25 فلاح من مجموع 220 فلاح بهذه الدائرة و ذلك كان في إطار مشروع جماعي تحت مسمى “تحويل الزراعات المعيشية إلى زراعة الأشجار المثمرة كزراعات بديلة “، و ذلك بتأطير من جمعية مستعملي المياه الفلاحية لأغراض زراعية ببولعوان.

أما فيما يتعلق بمردودية المنتوجات بقطاع بولعوان، فقد سجلت إرتفاعا مهما شمل جل المنتوجات، ذلك أن هامش فرق مردودية المزروعات بين الوضعية المرتبطة بتقنية السقي بالرش و بين الوضعية المرتبطة بتقنية السقي الموضعي بلغت في المتوسط  6 طن في الهكتار مع تباين بين المزروعات إذ يلاحظ أن زراعة الشمندر السكري سجلت إرتفاع بلغ على التوالي 85  طن في الهكتار، و الخضروات هي الأخرى عرفت إرتفاع بلغ فيه هامش الفرق بين التقنيتين إلى 11 طن في الهكتار الواحد بحيث إنتقلت المردودية من 29طن/ه  إلى 40 طن/ه ، فيما سجلت الذرة أدنى مستوى من التزايد بهامش فرق فاق 50% إذ انتقل من 3طن/ه إلى 8.5 طن/ه.

هذه الزيادة في المردودية عللها الفلاحون بالمنطقة للدور الذي لعبته تقنية السقي الموضعي و التي تتسم بكفاءة عالية على مستوى تزويد المزروع بحاجياته الأساسية من الماء و الأسمدة والمواد بكيفية معقلنة، حيث و حسب نتائج توصلنا لها من خلال هذا البحث الميداني و التحقيق الاستقصائي فالنتائج السابقة الذكر بالنسبة للمردودية تشكل المعدل المتوسط ذلك أنه رغم الإرتفاع الذي سجل في الوضعية الراهنة، هناك تفاوت على مستوى المردودية بين مختلف الفلاحين و هذا راجع بالأساس إلى تفاوت قدرة الفلاحين على إستيعاب هذه التقنية الجديدة.

أما فيما يخص الزراعات الجديدة مثل زراعة الزيتون فقد وصلت نسبة مردوديتها إلى 10 طن في الهكتار الواحد، فيما وصلت إنتاجية العنب الدكالي إلى 30 طن في الهكتار، بينما إنتاجية التين سجلت حوالي 6.5 طن/ه، كما شهدا المنطقة أيضا تحولا مهما على مستوى اليد العاملة الفلاحية حيث يمكن التمييز داخل العمل المأجور بين العمل الدائم و المؤقت و الموسمي ، غير أن هذا الأخير يظل هو السائد بمنطقة بولعوان.

و يوفر قطاع بولعوان بالنظر إلى نوع المزروعات فرص عمل مهمة و على مدار السنة و في مختلف الأنشطة الزراعية وفي جميع مراحل الإنتاج، هذه الفئة منها من تمكن من الإستقرار النهائي داخل الوحدات السكنية، و منها من يستغل مرافق التعاونيات للسكن و الإشتغال في الحقول المجاورة ، و حسب المعطيات الميدانية فإن أصول هؤلاء يأتون في الغالب من الجماعات القروية المجاورة و من أبناء الدواوير الأصلية، كما أن اليد العاملة عرفت تحولا نوعيا إرتبط أساسا بدخول المرأة إلى العمل المأجور حيث أضحت مكانتها في العمل الزراعي مهمة لكونها تشكل يدا عاملة رئيسية و لا تتطلب تكاليف مرتفعة، و نظرا لتراجع معدل الزواج الذي بدأ يسري وسط الشباب القروي بسبب الصعوبات المادية و كذلك عدم القدرة على  تأسيس بيت زوجية بإستقلالية تامة عن الأسرة.

و مع كل ذلك فإن دور المرأة يظل واضحا بمنطة بولعوان رغم أن عملها غير مرئي، كما يلاحظ هيمنة فئات الشباب حيث أن معظم العمال بالقطاع يتراوح ما بين 25 و40 سنة، غير أنه مع دخول تقنية السقي الموضعي لوحظ تراجع على مستوى اليد العاملة بقطاع بولعوان السقوي، بالنظر إلى التوجه الجديد نحو المزروعات الجديدة و البديلة من الأشجار المثمرة كالزيتون و الرمان و الحوامض و التي لا تحتاج في الغالب إلى يد عاملة كبيرة، كما أن تقنية السقي الموضعي لا تحتاج إلى كثير من اليد العاملة عند عملية السقي، فالفلاح وحده كاف لسقي حيازته الفلاحية، و بالتالي فإن دور اليد العاملة أضحى يهم فقط مراحل الإنتاج الكبرى مما يعني أن المجال بدخول هذه التقنية أصبح  لا يوفر إلا يد عاملة موسمية.

و عودة لموضوع الإقتصاد في مياه الري من تقنية الرش إلى تقنية السقي الموضعي، فإن أبرز تحول من أهداف تقنية السقي الموضعي هو الإقتصاد في مياه الري و هو مسعى المخطط  الوطني للإقتصاد في مياه الري، كما أنه يندرج ضمن الأهداف العامة لمخطط المغرب الأخضر و يساير واقع الماء بالمغرب الذي أصبح يتسم بالندرة، و من هنا علقت أمال كبيرة على تقنية السقي الموضعي بهدف تحقيق رهان الإقتصاد في الماء.

و هكذا ، فإن عملية استهلاك المياه في الدائرة السقوية بولعوان أثناء تبني تقنية الري بالرش عرفت تفاوتا ملموس من سنة إلى أخرى رغم أن القطاع هو نفسه بنفس المساحة و نفس المنتوجات الزراعية في كل سنة، و على سبيل المثال نجد أن سنة 2010 تم استهلاك حوالي 6871590 متر مكعب في حين أن بعدها بسنة بلغت الكمية المستهلكة إلى 10332630 بزيادة قدرها 3461040 متر مكعب ويرجع هذا حسب بعض فلاحي المنطقة الى الظروف المناخية.

و رغم تبني التقنية الجديدة “الري الموضعي” الرامية إلى تحقيق اقتصاد في مياه الري لم يسجل أي تغيير يذكر عل هذا المستوى إبان إدخال تقنية السقي الموضعي، و هو ما يتبين إذا ما قارنا بين آخر سنة بالنسبة لتقنية السقي بالرش مع أول سنة لتقنية السقي الموضعي حيث سجل إرتفاعا مهما بزيادة قدرها 1909113 متر مكعب، و يرجع ذلك لعدم تأقلم الفلاحين مع هذه التقنية الجديدة خاصة في غياب التكوينات من جهة و من جهة أخرى لعدم احترام الفلاحين لضوابط هذه التقنية نتيجة إرتباط مستوى إشباع النبتة حسب تمثلات الفلاح بضرورة حدوث تشبع مرئي.


و عليه فهذا أمر طبيعي لتسجيل محطة الضخ كميات مرتفعة من المياه، ففي وضعية السقي بالرش كانت الدورة السقوية من 15 إلى 15 يوم و تطلق المياه لمدة ثلاثة أيام يعني أن المحطة كانت تشتغل فقد 6 أيام في الشهر، أما في الوضعية الحالية أثناء السقي بالتنقيط  فالدورة السقوية من 3 أيام إلى 3 أيام و بالتالي فالمحطتين تعملان بشكل يومي، ونظرا للعوامل السابقة الذكر فمن البديهي تسجيل كميات مرتفعة من مياه الري في الوضعية الحالية، و من هنا نستنتج أن رهان الإقتصاد في مياه الري في بداية المشروع لم يتحقق على أرض الواقع بسبب جهل الفلاحين طرق التعامل مع هذه التقنية التي تحتاج لخبرة عالية لإستيعاب كيفية التعامل معها من جهة ، و للجهات المسؤولة عن تسيير شبكة مياه الري بهذا القطاع من جهة ثانية.

و على مستوى التكلفة الفلاحية إثر تبني التقنية الجديدة “الري الموضعي” في بداية المشروع، فقد عرفت في كثير من الأحيان البقاء على نفس التكلفة أو ارتفاعها، بمقابل فئة قليلة حققت نقص في تكلفة الإنتاج و هو الأمر الذي تظهره على سبيل المثال زراعة الشمندر السكري بحيث سجلت نسبة 41% الحفاظ على نفس التكلفة السابقة و بمقابل فئة عرفت إرتفاع في تكلفة الإنتاج بلغت إلى 33.33 % في حين أن نسبة قليلة هي التي سجلت نقص في التكلفة مع إدخال التقنية الجديدة بمعدل 25 %، و يعزى هذا التباين الحاصل على مستوى تكفلة الإنتاج إلى حداثة التقنية و كونها تتطلب خبرة عالية للتعامل معها.

 

مشروع الري الموضعي ببولعوان.. إكراهات و حلول

من خلال كل المعطيات التي تحصلنا عليها خلال زيارتنا لمنقطة بولعوان لتقصي حقيقة مشروع تحويل السقي بالرش إلى السقي بالتنقيط، تم الوقوف من خلال مقابلاتنا مع مجموعة من الفلاحين المستفيدين على أهم الإكراهات التي واجهها الفلاح منذ إنطلاقة المشروع سنة 2012 إلى الآن و كذا رؤيتهم و تصوراتهم للحلول الكفيلة بتطوير مردودية هذا المشروع.

فبخصوص الإكراهات المرتبطة بتقنية السقي بالتنقيط، فإن أي مشروع كيفما كان نوعه يرتبط في بدايته بجملة من الإكراهات الناتجة إما عن المسؤولين عن تنفيذه أو عن المستفيدين من المشروع، و هذا ما لمسناه من خلال الزيارة الميدانية التقييمة للتحولات الفلاحية التي عرفها قطاع بولعوان أثناء إنتقاله من تقنية السقي بالرش إلى تقنية السقي بالتنقيط.

و أجمع جل الفلاحين المستجوبين على مشكل غياب التكوين في هذه التقنية، موازاة مع قلة الخبرة لدى الفلاحين، و بحكم أن هذه التقنية تحتاج لخبرة عالية نتج عن ذلك استهلاك مفرط للمياه مما أدى إلى إرتفاع التكلفة، إضافة إلى إستهلاك الأسمدة بشكل غير معقلن ثم سقي جميع أنواع المزروعات و أنواع الأتربة بنفس الكمية خلال الفترة المسموح لهم بالسقي.، فضلا على إرتفاع تكلفة الأداء في مياه الري حيث أن أغلبية الفلاحين أي نسبة 75% من مجموع المقابلات يتساءلون عن مسألة ارتفاع تكلفة الأداء، هل هي مرتبطة بالنسبة للبعض بالديون التي لازالت بعاتقهم منذ الوضعية السابقة المتعلقة بالسقي بالرش أم بالإستهلاك غير المعقلن من طرف الفلاح نتيجة للعوامل السابقة الذكر، و أن العملية مركبة بالنسبة للبعض الآخر، مع العلم أن هذه التقنية الجديدة من أهدافها الاقتصاد في مياه الري وبالتالي تخفيض تكلفة الأداء بالنسبة للفلاح.

و بالنسبة للتناوب في عملية السقي كما صرح مجموعة من المستفيدين يتم ثلاثة أيام بعد ثلاثة أيام، و هذه العملية تطرح مشكلا يتمثل حسب قولهم في إستهلاك مفرط للمياه خلال الثلاثة أيام التي تمنح لهم ضمان رطوبة التربة خلال الثلاثة أيام التي يحبس فيها الماء عليهم، و بالنسبة لباقي المجموعات التي توجد مشاراتهم بعيدة من محطة الضخ و محطة التصفية بحيث تقع في أعلى القطاع فالأمر يطرح لها مشكلا، ذلك أنه إذا توفر الماء بشكل يومي فعدم إحترام الفلاحين لشروط السقي سيطرح نفس الإشكالية التي كانت مطروحة بالنسبة لتقنية الرش و هي أن الماء لن يصل بالشكل المطلوب لدى الفلاحين في أعلى القطاع.


أما فيما يتعلق بالحلول المقترحة من طرف الفلاحين، فمن خلال تفريغ دليل المقابلات التي أجريت مع فلاحي المنطقة فإن تقييمهم لهذه التقنية يصب في خانة حسن إلى جيد، و يفضلون الإستمرار بالعمل بها رغم بعض الإكراهات التي تم الوقوف عليها و ذلك بإقتراح حلول للتغلب عليها و منها تكوين و تأطير الفلاحين تقنيا من طرف مختصين في هذه التقنية لمعرفة احتياجات كل نوع من المزروعات و كل نوع من التربة من المياه و الأسمدة يوميا حتى تتم عملية السقي بشكل معقلن و يتم تحقيق الأهداف المتوخاة من هذه التقنية بنسبة عالية جدا، فضلا على المصاحبة التقنية للفلاح الذي استثمر في المغروسات الجديدة كالأشجار المثمرة و تنظيم شبكة توزيع مياه الري حتى يتوفر الماء بشكل دائم و يومي.

و لتجاوز مختلف الإكراهات المطروحة التي واجهها الفلاحون بقطاع بولعوان المسقي، فقد تم الوقوف من خلال البحث الميداني غلى أهم تدخلات جمعية مستعملي المياه الفلاحية لأغراض زراعية حاليا و مستقبليا، فالجمعية تعمل بشراكة مع المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي لدكالة على الحد من هذه الإكراهات و ذلك بالبحث عن طرق ملائمة بالنسبة لتأطير و تكوين الفلاحين تقنيا في هذه التقنية.

و في هذا الإطار، تم عقد إتفاقية شراكة بين الجمعية و المكتب الشريف للفوسفاط و تم القيام بمشروع على شكل ضيعات نموذجية بدائرة بولعوان حيث تم الإشتغال مبدئيا على هكتارين و سمي هذا المشروع بالمدرسة الحقلية و هو الأول من نوعه بقطاع دكالة و يهذف أساسا إلى تأطير الفلاح حول الإستعمال المعقلن للأسمدة التي تمر بشكل مباشر مع المياه أثناء عملية التنقيط، كما تم توجي عينة من الفلاحين للملاحظة المباشرة حول كيفية إعطاء الأسمدة للمزروعات مباشرة مع مياه الري وتجاوز عدد المستفيدين مائة فلاح من مختلف التعاونيات الفلاحية مع تحسيسهم بأهمية تحليل التربة.

هذا إضافة إلى مشاركة الجمعية السالفة الذكر بصفة مستمرة في الأيام التواصلية و الإخبارية حول مسألة التأطير التقني في تقنية السقي بالتنقيط التي تتم من طرف المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي و مع شركات القطاع الخاص، بحيث تعمل الجمعية في كل دورة تكوينية على أخذ عينة من الفلاحين يصل عددها إلى أربعة فلاحين من نفس التعاونية لنقل التجربة إلى باقي الفلاحين المنتمين لنفس التعاونية.

 

أول الغيث قطرة و سقوط المطر أجمل بداية

من خلال هذا التحقيق الاستقصائي الميداني، حاولنا الغوص في المقاربة الدينامية للمجال الفلاحي بدائرة بولعوان السقوية إرتباطا بدخول تقنية السقي الموضعي التي أدخلت إلى المجال ضمن مشروع مخطط المغرب الأخضر، و قد إتضح  من خلال كل ما سبق أن هذا التغيير تم وفق أساليب حديثة مبنية على الشراكة و التشاور مع الساكنة، كما سعى إلى تحقيق جملة من الأهداف إن على مستوى الإقتصاد في الماء و تكلفة الإنتاج من جهة، و الرفع من المردودية و تغيير النسيج الإنتاجي من جهة أخرى.

و من خلال تقييم حصيلة تفعيل هذه التقنية لوحظ أن التغيير رافقته عدة تحولات همت بنية و تكلفة الإنتاج و المردودية فضلا عن إدخال مزروعات جديدة، في حين يظل التحدي المرتبط بإقتصاد مياه الري رهانا قائما ضمن هذه المعطيات على إعتبار أن كمية المياه المستهلكة سجلت بعض التفاوت النسبي.

و على المستوى الإجتماعي ساهم إدخال تقنية السقي الموضعي في التقليص من اليد العاملة الفلاحية بالقطاع، و إذا كانت بعض المرامي خاصة الإقتصاد في مياه الري تظل بعيدة عن ما هو محقق على المستوى الميداني نظرا لبعض الإكراهات، فإن هذه الوضعية يمكن تبريرها بقلة الفارق الزمني و بقلة خبرة الفلاحين في هذه التقنية نظرا لحداثة المشروع، غير أن ما يلاحظ هو أن المشروع بالرغم من أهدافه المندمجة فهو لم يجد حلولا ملموسة و واقعية لمستوى تصفية وضعية أراضي الإصلاح الزراعي و كذا معالجة وضعية السكن الريفي.

إن النتائج المتوصل إليها إنطلاقا من هذا التحقيق تدفعنا إلى بلورة أسئلة أخرى من قبيل هل من الممكن إحداث تغييرات فلاحية دون تصفية وضعية أراضي الإصلاح الزراعي؟ أي المقاربات أجدى لإيجاد حلول لوضعية هذه الأراضي؟ و هل من الممكن مقاربة وضعية الأراضي في غياب إشراك السكان؟ و ما مختلف المشاكل الأخرى التي يعرفها القطاع على مستوى السكن و التجهيزات؟ و ما هي السبل الناجعة لمواصلة ترشيد و تثمين استهلاك المياه في ظل الوضعيات الراهنة؟ و غيرها من الأسئلة التي تظل عالقة و أجوبتها مبهمة لحدود الساعة.

و في انتظار إماطة الغموض عن هاته الأسئلة، غادرنا منطقة قصبة بولعوان و كل الشكر موصول لساكنتها و مسؤوليها، ليبقى الماء ثروة وطنية و هو شريان الحياة و نعمة من نعم الله عز وجل لقوله تعالى { وَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّر ِبَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقوم يعقلون}، و قوله جل و علا { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } ، كما جاء في كتاب الله أيضا الاية الكريمة: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى