قراءة في موقف بنكيران من تشكيلة لجنة النموذج التنموي الجديد

بقلم نور الدين الطويليع

عبر رئيس الحكومة السابق عن عدم رضاه عن تشكيلة اللجنة المكلفة بصياغة النموذج التنموي الجديد التي نصب الملك محمد السادس أعضاءها الخميس 12 دجنبر2019، وعزا الأمر إلى أن أعضاء هذه اللجنة تضم متخصصين في التشكيك في الدين، قبل أن يميل إلى العزف على وتر العودة إلى المعارضة، في رسالة مشفرة تتجاوز نطاق الإخبار، وتنحو منحى التهديد والوعيد للنظام.

لطالما حارب ابن كيران خصومه السياسيين بسيف الملكية حينما كان رئيسا للحكومة، وكثيرا ما كان يضعهم وجها لوجه أمام المؤسسة الملكية حينما كانوا يعترضون على قرار من قرارات الحكومة، ويعمد إلى توريطهم والزج بهم في دائرة معاكسة الإرادة الملكية، بذريعة أن القرار المُعْترَض عليه قرار الملك، وأنه مجرد منفذ، وبهذا أفحمهم في مواقف كثيرة، واضطرهم إلى التراجع إلى الوراء حتى لا يُؤْخَذُوا بجريرة معاداة الملكية.

استخدم ابن كيران هذا السلاح كذلك مع عموم المغاربة حينما استنكروا عليه اغتراف ريع سبعة ملايين السنتيمات شهريا باسم التقاعد، ورد عليهم أن قرار معاشه أَشَّرَ عليه الملك، وأنهم يعبرون، باعتراضهم على استفادته من هذا المعاش، عن عدم احترام الملك، وخاطبهم قائلا: “إلى ما احْشْمْتُوشْ مني احْشْمُوا من جلالة الملك”، ونتساءل هنا هل هذا ديدن بن كيران؟ وهل احترامه لقرارات الملك دائم ومستمر في جميع الأحوال والظروف، أم هو موقف براغماتي قابل للتغير حسب مصلحة الذات؟

بن كيران من سلطة الملك إلى سلطة الدين

من يستمع لتصريحات بن كيران يعتقد أن الرجل ملكي حتى النخاع، لاسيما أنه يضع نفسه أثناء الهجوم على خصومه في كنف الملكية، ويلقي بهم في أتون معاداتها، إلى درجة جعلتهم يعبرون بصريح العبارة عن تذمرهم من هذا التمترس، ويطالبونه بالكف عن الزج بالملك في صراعاته السياسية التي تروم إسكاتهم والتخلص من إزعاجهم له، ولحكومته التي كرر في كثير من الأحيان لازمة تعيينها من لدن الملك، وتحدث غير ما مرة عن لا شرعية الطعن في وزرائها لأنهم، حسب تصوره، لقوا الرضى من الملك، ومن يعبر عن العكس فهو يعاكس الملك ويخالفه. وبهذا المنطق ربح الكثير من المعارك، وتأتى له تمرير الكثير من القرارات أثناء ولايته الحكومية.

بعد خرجته الأخيرة حول “لا دينية” أعضاء لجنة النموذج التنموي سقط بن كيران في شَرَك التناقض الصارخ الذي يدعو إلى السخرية، ويكشف حقيقة شخصيته الانتهازية التي لا تتورع عن الإتيان بالشيء ونقيضه، وعن استبدال ذخيرتها حسب ظروف المعركة وماجرياتها، فبعدما كانت الملكية حجة سلطة تُسْتثمَرُ بمكانتها وهيبتها لفرض القرارات ودعوة الآخر إلى تبني دعوات الذات البنكيرانية التي كانت تتدثر بهذه السلطة أمام ضعف حجتها، بعدما كانت كذلك، ارتأت هذه الذات أن تتكئ على سلطة أعلى هي سلطة الدين، فَنَحَتْ إلى إخراج أعضاء اللجنة من عباءته، رغم أن تنصيبها كان على يد الملك.

سنعمد هنا إلى تطبيق المقارنة البنكيرانية على خرجة ابن كيران هذه التي لم يفرمل لسانَهُ عن الإسدار فيها وقوفُ الملك وراء تنصيب أعضائها، فبمنطق الشيء بالشيء يُذكر، نستطيع أن نخلص، بارتياح، إلى اتهامه بمعاداة الملكية اعتمادا على القياس الآتي: أعضاء اللجنة نصبهم الملك ــ ابن كيران يعترض على أعضاء اللجنة ــ إذن ابن كيران يعترض على الملك، وإذا تمادينا في الأخذ بمنهجه سنقول: إذن ابن كيران يعاكس الإرادة الملكية، و “ما كيحشمش من جلالة الملك”.

يضعنا هذا الموقف أمام شخصية براغماتية حربائية تغازل وقت ما تشاء، وتنقض غزلها حينما لا يكون الموقف خادما لها، فالقرار الملكي، إذا كان في صالح الذات يُستغل لتوجيه مدفعية الانتقاد اللاذع إلى المعارضين، وحتى لو لم يكن صادرا عن الملك، تُوظف الحِيَلِ لتسويقه على أنه كذلك من أجل ضمان إسكات المعارضين والمنتقدين، أما إن لم يستجب هذا القرار لتطلعات هذه الذات فلا حرج في إظهار معارضته، والإفصاح عن عدم الرضى عليه، والتحايل في انتقاده اتكاء على السلطة الدينية.

الذات البنكيرانية والتكيف الانتهازي مع مُسْتَمِعِهَا

“يعتبر بيرلمان أن القاعدة العامة والمبدأ الأساس للتأثير في المستمع، هو تكيف الخطيب مع مستمِعِه، وأن الوسيلة الرئيسة لتحقيق هذا التكيف هو أن لا يختار الخطيب نقطة انطلاق حجاجه إلا من مقدمات مقبولة ومُسَلَّمٍ بها من قِبَلِ من يُوَجَّهُ إليهم الخطاب”[1]، اشتغل بن كيران بقاعدة التكيف هذه في انتقاد تشكيلة اللجنة، فقد استدعى الدين الذي يحظى، ليس فقط بالقبول، بل يعد أداة فعالة لإثارة عاطفة المستمع واستقطابه، فعمد إلى “تكفير” هؤلاء الأعضاء تكفيرا بَوَّأَ فيه نفسه وضع حارس بوابة الإسلام، والمنافح عن حياضه، يقول بهذا الصدد: “إن تشكيلة اللجنة ما عجباتنيش، فهي تضم رموز تيار واحد، لأن فيها أعضاء متخصصون في التشكيك في الدين”، يوهم بن كيران هنا مستمعيه أنه يتحدث من باب الغيرة على الدين، ليضمن استمرار ولاء مستمعيه، ويُسَوِّقُ لموقف عقدي يتأسس على ثنائية الكفر والإيمان، وطبعي، والحالة هذه، أن يجد المناصرة والدعم من أتباع عقديين لم يترددوا في التصفيق تعبيرا منهم عن امتنانهم له على غيرته الدينية، وهنا نتساءل: هل كان بن كيران سَيَزِنُ أعضاء اللجنة بميزان الدين لو وقع عليه الاختيار ليكون عضوا فيها إلى جانبهم؟. طبعا، وبكل تأكيد، كان سيلجأ إلى الدفاع عنها، ولن يأتي اسم الدين والتشكيك فيه من قِبَلِهِم على لسانه، وكان سيقارع كل منتقد لتشكيلتها بحجة السلطة الملكية، وبوقوف الملك وراء تنصيبها، لأنه اشتغل إلى جانب وزراء كانت لهم مواقف واضحة وصريحة مما يسميه ثوابت دينية، ولم يُظهر تجاههم أي تبرم، ولم ينتقد مواقفهم المعلنة، وهنا يتضح أن بن كيران كان يدافع عن ذاته، وليس عن الدين، ويحتج على إقصائه من تشكيلتها، وقد عبر عن ذلك بشكل ضمني، حينما قال واصفا تشكيلتها:” مافيها توازن”، وكأننا بصدد محاصصة دينية يجب أن تعطى فيها الفرصة ل “المؤمنين” كما أعطيت الفرصة ل “الكفار”، والتوازن المفقود كان سيتحقق بإلحاقه باللجنة، وقد توارى خلف الدين، وتحاشى الاحتجاج بإقصاء شخصه منها حتى لا يقع في المصادرة على المطلوب الذي يعد خطأ جسيما في الحجاج، كما يرى بيرلمان، فلأن ذاته ضعيفة مثقلة بفشل التدبير الحكومي، وتفاديا لما قد يطرحه المستمع من أسئلة داخلية حول ما يمكن أن يقدمه في هذه اللجنة، وهو الذي أمضى ولاية سوداء على جميع المستويات والأصعدة، لكل هذا أزاح ذاته وركب موجة الدين ركوبا كشف شخصيته البراغماتية المتناقضة التي تتطرف في الدفاع عن المؤسسات، وتتطرف كذلك في انتقادها وهدم أساسها، وفي كلا الحالتين تحضر المصلحة الشخصية التي تُغلَّفُ بقيم دينية ووطنية وأخلاقية، تُستغل حججا براغماتية في مواجهة الخصوم، وفي ابتزاز النظام.

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ….لقد أبعد تجار الدين من هده اللجنة لأنهم لا يأمنون بالوطن .لأن ولائهم الأخوان المسلمون .

  2. كثرة الكلام لا تنفع في شيء،المغاربة بحاجة لحلولهم ،اما بنكيران فقد وجد الحل لمشاكله.الكفاءة هي عندما تسطيع تقديم حلول لمشاكل اجتماعية تغير الراي وتفرح الناخبين ولا تضرب المكتسبات..

  3. لا نحتاج الى تحليل معمق لندرك الاحوال النفسية والذهنية لهذا الكائن(الداصر) بلا حدود.لاول مرة في حياتي ارى (طفل كبير) او شيخ يمارس الفشوش و(التحلوين) امام اولياء نعمته.انه الخائن بامتياز والمحروس و المنتفع بالمقابل .انه عنوان الذل المختفي تارة وراء الملك واخرى وراء الخزعبلات باسم الدين؟.انه اقبح سادي واكبرهم عبر العالم لانه يتلذذ بهموم شعب من عشرات الملايين.كما انه حطم القياسي في الكذب والتبوحيط والتفرنيس والنباح او (القهقهة )المعبرة عن الاحساس بالعار والوضاعة…انه بنكيران في مزبلة التاريخ يزدرد نفسه ويسخر منها من حيث لا يعلم خصوصا وانه نموذج للغباوة.

  4. هدا السيد تجاوز الحدود اصبح يصدر احكاما تكفيرية في حق نخبة خيرة من العلماء والمفكرين الدين انجبهم هدا الوطن هدا السيد يتاجر بالدين ويستعمله لخدمة اغراضه الشخصية ويجب ايقافه عند حده.

  5. على من يهمهم الامر ان ينزعو منه جميع الامتيازات التي منحها له الملك باش يدخل جواه خبير في النفاق والابتزاز

  6. المرجو من قراء هبة بريس مطالبتها بعدم نشر كل ما يخص هذا الشخص وتركنا نقرأ ها عن طيب خاطرنا والسلام

  7. النفاق اصبح من سمات هذا العصر انتم الان متله فهو على الاقل اعطى رأيه الشخصي بغض النظر عن صحته او خطئه لانه لم تبقى له صفة رسمية اما محور كلامه فهو يحمل مخاوف عن تأتير هذه اللجنة عن موقع حزبه ذات التوجه الاسلامي اذا فهو موقف دفاعي ليس إلا

  8. هذا الشخص لا يهمنا لا هو لا رأيه فالمغاربة كلهم متدمرون منه تسلقي بامتياز طفح الكيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى