علينا أن لا ننسى الفروق بيننا

طلع البكي ونحن قاعدين                  لأخر مرة سوا ,وساكتين

     بعيونك حنين ,و بسكوتك حنين              لو بعرف بتفكر بمين

    وتهرب مني تضيع وما أرجع لاقيك       وأنت قاعد حدي وعم فتش عليك ….

 

تأثرنا ونحن نستمع لهذه الأغنية الجميلة للسيدة فيروز( أنا وزميلة لي في العمل ) ,على أمواج إذاعة الراديو بالسيارة  أثناء عودتنا لبيوتنا : إنه صمت الرجال والذي لا تفهمه النساء وتعانين منه  , تساءلنا إلى أي حد يمكن للفن  الجاد أن يضع يده على الإشكالات الإجتماعية ,ومدى نجاعته في حلها , حيث أن هذه “الأغنية ” في نهايتها حلت الإشكال  بانفصال  الطرفين .

قالت لي زميلتي :” زوجي يصمت كثيرا ولا يعجبه ان أساله ما بك ,في الوقت الذي أتمنى فيه أن يسألني هوعن ما بي , لكنت أخبرته عن ما يقلقني منذ عشر سنوات مضت , وعن متاعب التربية للمراهقين في الفصل الدراسي وعن جارتي التي أساءت فهمي وعن وعن وعن………….”

وأسردت في القول أنه اتهمها ذات مرة ,بأنها شبه “مجنونة” وأنه لا يستوعب ماذا تريد.  

وتتعجب هي أنه لم يستطع مسايرتها رغم كفائته  العلمية, وفسرت صمته أنه  لم يعد يطيقها , أو أنه يفكر بغيرها.

 

فحين يتعامل  الرجل مع زوجته  بعقلية ونفسية رجل ,وينسى أنها امراة ,يخطىء الطريق  , وكذا حين تتعامل المراة  مع زوجها بعقلية ونفسية امراة, وتنسى أنه رجل ,تزيد الموقف تأزما , فعدم تفهم وفهم واستيعاب الفروق بيننا  في تركيبتنا ونفسياتنا وأنماط  تفكيرنا وتداعياتها كنساء ورجال , ساهم هو الاخر اليوم ,وبشكل كبير في الخرس الزوجي ,وتفشي ظاهرة الطلاق  بأنواعه,  المعلن والصامت, والطلاق العاطفي والنفسي , إنها أزمة احتراق داخلي واجتماعي .  

قبل أن نسلط الضوء على قراءة وتوضيح الفرق بين التركيبة  العقلية والنفسية والوجدانية والبنيوية و تداعياتها لكل من المرأة والرجل, يطرح السؤال نفسه : المرأة والرجل منذ الأزل بينهما فروق فلماذا لم يؤدي هذا التباين  الى مثل  هذه الأزمات منذ قدم الزمان, يدفعني هذا الى التطرق لمحورين أساسين :

المحور الأول :  نظرة عبر تطور البشرية  حول التماسك الاسري وموقع المرأة فيه , وكيف تمت          

                 إدارة الفوارق بين الجنسين .(وهو موضوع مقال اليوم)

المحور الثاني : طرح وفهم الفروق بين والمراة والرجل وكيفية إدارتها بنجاح من أجل أسرة متماسكة

                 والاستمتاع بفن الحياة الزوجية.(وهو موضوع المقال المقبل باذن الله)

 

المحور الاول:

نظرة عبر تطور البشرية  حول التماسك الأسري وموقع المرأة فيه , وكيف تمت إدارة الفوارق بين الجنسين

               

في بداية الخليقة , وبفطرتهم كانوا يستوعبون ويقدرون ويحترمون اختلافاتهم , فالبنية الجسمية القوية للرجل وأدواره في مجابهة الطبيعة (الصيد) وفي حماية ذويه,  أعطته نظرة هيبة وتقديرمن طرف المرأة  والمجتمع ,كما أن حمل المرأة وإنجابها وإرضاعها أعطاها قدسية أمام الرجل  والمجتمع ,حتى أنها في بعض المجتمعات أعطيت لها صفة الألوهية , فالتعايش بالفطرة وتفهم هذه الاختلافات واحترامها أعطى للعلاقة  تماسكا وقوة وصلابة.

وتوالت الحقب , وكلما أصبحت الحياة قاسية لسبب من الاسباب , كلما كان أول من يهان هي المرأة ,”لضعف” بنيتها الجسمانية ,ولإرتباطها بلحظات ضعف شامل عند الحمل والولادة والرضاعة, ويتجاهل قوتها في ليونتها, وقدرتها الخارقة على التحمل ,وأنها الحصن المتين الذي يرتكز عليه أي كيان, وقد وصل هذا الانكار لحد انها تدفن حية في الجاهلية , فكان الإستقرار الأسري  قائم الا أن وضعية المرأة فيه غير مريح  .

وبمجيء ا الحضارة الإسلامية ,والتي دعمت الطبيعة البشرية ,واحترمت الأسرة في شكلها المتوازن, حيث كرمت المراة  والرجل على حد سواء في شكل متكامل , وأصبح وازع التقوى  هو الصمام الآمن لمؤسسة الزواج , ;وكل طرف في كيان الاسر كان راضيا و مستمتعا بنفسه وبالأدوار التي يلعبها .

فرغم الإختلاف البنيوي والنمطي المتواجد بين المرأة والرجل ,استطاع الإسلام أن يؤسس لبنة قوية للأسر, بالعيش بسلام وبتصالح مع الذات ومع الطرف الاخر, حين صحح الخلل في نظرة المجتمع للمرأة ,ورفع تقديرها الذاتي, لكي يخلق التوازن والرضا داخل الاسرة الواحدة , في قالب من التعاون والتشاور والتكامل ,حتى من أشهر ما قاله  الرسول (ص)  “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ”  ,  وفي ما معناه :”الجنة تحت أقدام الامهات”. و”لقصة حلق الرؤوس ,وامتثال الرسول (ص) لرأي زوجته عائشة “لخير اثبات على ذلك.

 

لكن في القرننين الماضيين , بعد سقوط الدولة العثمانية , سيطر فكر الجمود والركود على بلداننا العربية والإسلامية, والذي أثر سلبا على كل مناحي الحياة , حتى أنه ساد الفهم الضيق للدين والتدين  , فبدل أن ينصب الاجتهاد في مواطن الخلل الحقيقية , أصبحت أغلب الاجتهادات حول اتهام المرأة, وأنها سبب هذا الانحطاط, وضيق الخناق عليها لأبعد الحدود , و تحجمت كينونة المرأة ,وبشكل قهري ,بدأت المرأة تتشكل نظرتها لنفسها بالدونية والاحتقار, وأصبح كيان الأسرة وان كان قائما – ونسب الطلاق فيه شبه منعدمة – فهو معتل  باعتلال و اضطهاد أحد أطرافه , ومهدد بالانفجار إذا سنحت له الفرصة .

تزامن هذا مع الحراك الغربي ,ولم تكن المجتمعات العربية والاسلامية بمعزل عن التأثر بهذا الحراك , “وخاصة الضعف والتأخر لمجتمعاتنا وعدم الاجتهاد في المسار الصحيح , ولد لدينا الحاجة والتبعية “, فالتيارات الفكرية والثورة الصناعية في العالم الغربي ,دفعت لبروز أنماط جديدة للحياة ,هذا العالم الذي أصبح يتسائل, هل تعتبر الاسرة عماد التجمع البشري, أم الأسرة شكل من ارتباط الإنسان بماض لا يدفع للتحرر والتمدن , وظهر فكر يدفع لاستغلال وقت وجهد الانسان, رجلا كان او امرأة لأقصى حد,  فشييء الانسان , وأصبح التمايز بين بني البشر, رجلا كان أو امرأة  بكم الانتاج المادي والادخار المالي , وسادت بذلك فوضى عارمة :

  • لم تعد الاسرة تستطيع احتضان اطفالها ومسنيها ,وانتشرت دور الرعاية  الجماعية  للاطفال والمسنين , “وكأن  الأبوة والأمومة  يدفع لأجلها  أجر لأشخاص آخرين  ليلعبوها , متجاهلين بذلك أن الأبوة والأمومة علاقة وجدانية وبدون مقابل” ,و حتى الغداء أصبح غالبا في بيئة العمل والمطاعم .
  •  الروح الجماعية والمنفعة العليا ولو في الأسرة ذاتها , اندثرت لتحل محلها النزعة الفردانية ,وتلاشت التضحية المتبادلة , تحت شعار ولماذا “أصبر ولماذا أتحمل”.
  • برزت فلسفة الصراع بين الذكر والأنثى, تحت مسمى مقاربة النوع  , و نودي للمساواة الحرفية والندية بينهما ,ولم تسلم من هذه الرؤية: بنيان الأسرة ,الذي قوامه الأساسي الإنجذاب والتكامل بين طرفين يفترض أن يكونا مختلفين بنيويا ونمطيا.  
  • اصبح التفكك الأسري من أسهل ما يمكن , واستخف بميثاق ومصداقية  مؤسسة الزواج و بالعلاقات القريبة منها  والممتدة ,و لم يلقى بال  أن الزواج عهد, وإنجاب طفل عهد آخر, والإنفصال أو الإنسحاب يعتبر إخلالا بالعهود, ومن أكثرأنواع  الإنسحاب إيلاما وألما للنفس على الإطلاق , كما يحس الذين وقع عليهم هذا الإنفصال او الإنسحاب, أنه لم يوفى اتجاهم أقوى العهود , فتهتز الثقة  بالنفس و بالاخر و بالمجتمع  ,فيظهر التمرد على شكل : : تعاطي المخدرات , العنف المدرسي , الانتحار ,الاغتصاب ,والحمل في سن مبكر خارج مؤسسة الزواج , الأمراض التناسلية في صفوف المراهقين  في الوقت الذي كان قمة التمرد في المدارس هو مضغ “العلك” أو الجري في الممرات .

  

إننا ننسى  أن كل منا يحتاج لشقه الآخر , لا لنتنافس  بشكل سلبي ولا لنتصارع ,ولا  لنضعف بعضا ,ولا لنتفنن في تجاهل بعضنا البعض ,ولا لنسخر من بعضنا , أو نستفز بعضنا  ,ولا ليستغل طرف منا الآخر بشكل  انتهازي ,ولا للعيش على حساب الاخر بشكل قهري وغير ودي ;ولا للعيش باستقلالية تامة عن بعضنا البعض داخل بنيان واحد,ولا لنقف مع الزمن ضد الطرف الاخر, ولا  لنشوب حربا باردة تحت أنبل وأعظم سقف في المجتمع ” الأسرة” حيث كل المظاهر الإنسانية  تنطق بها : من حب وحنان وود ورحمة وتعاون وتآزر وتراحم وتلاحم وتكاثف,  ومن رعاية بعضنا بعضا في الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وعواصف الحياة  كلها ( كأن نفقد أحد افرادنا بالموت مثلا ) , ومن حمل المراة ومخاضها ,وميلاد رضع ,حياتهم وصلاحهم تحت رحمتنا.

إن استقلالية الطرفين اقتصاديا , وتعلمهما ووعيهما وانفتاح المعلومة,  في الإتجاه الغير المناسب , مع وجود  كم  من الضغوط ,والتراكمات والارهاق والانهاك ,لم يترك وقتا ولا مجالا , لملاحظة وتدارك  الهوة الحاصلة في فهم كل من الطرفين لبعضهما البعض , هذا التباين بين الرجل والمرأة, في اللغة والتخاطب, والصدى وطريقة التحليل والتفكير ,والاستنتاج والتأثر والاستجابة ,زاد من الضغوط على الطرفين, في ظل غياب منظومة اجتماعية وثقافية واقتصادية واعلامية داعمة , وواقية للأسرة ومؤسسة الزواج .

 

ولان رباط الزواج رباط أبدي , فسوء فهم الزوجين لنفسيات بعضهما البعض , وإن كان يبدو بسيطا , فحدوثه بشكل مداوم ومتكرر(مع وجود تحديات أخرى :  القوت,  العمل ,تحسين المستوى المعيشي و الدراسي للأبناء والأسرة, تطوير الذات والإنجاز, والذي قد يبدو أهم )  ليخلق هوة كبيرة بين الطرفين مع الزمن, قد يصل الى حد  السكتة الزوجية ,والانفصال ,  وعلاجه لم يعد رفاهية وإن تظاهر لنا ذلك .

 

لذا كان لزاما على الحراك الفكري, تدارك  هذا الخلل والاضطراب الحاصل , وتسليط الضوء على طبيعة الاختلافات في التفكير والتحليل ,والرؤية والتعبير والفعل والتحفيز, وكيفية التعامل مع الضغوط والانتظارات , والتأثير والاستجابة , لكل من الرجل والمرأة , ليستطيعا إيجاد  ذاتيتهما وراحتهما ومتعتهما  , و ليستطيعا تحقيق  أهدافهما وطموحاتهما وإنجازاتهما في تناغم ومرح وانسجام , وبذلك نتجنب  الضياع والتلف والاحتراق حتى نعود بالنفع والدعم لنا و للنشء وللمجتمع .

برزت كتابات في تدارس هذه الفروق  و الحفاظ على  الاسرة , من أبرزها :

” الرجال من المريخ والنساء ن الزهرة,”         لجون جراي

” العادات السبع للأسر الأكثر فعالية”            لاستيفن كوفي

“قواعد تعامل الأزواج ”                         لشيري شنيدر و دبلين ثين…………….

 

           وسأعطي إطلالة  على هذه الفروق في المحور الثاني في المقال المقبل بإذن الله .

                                                      تحياتي ومودتي الخالصة.

 

مليكة الزغوطي – أستاذة لمادة الرياضات

 

 

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مقال جميل يعالج موضوع مهم ويسهم في ابراز آليات التوافق بين الزوجين. متالقة استاذتي كالعادة 😍😍.

  2. مقال مهم جدا يتناول باسلوب جميل اشكالا خطيرا تعاني منه المجتمعات البشرية .بارك الله عملك اختي الفاضلة وثمن جهودك بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى