حكيم وردي يكتب : ”إفك الوشاة على القضاة“

كما السالكون من القضاة الثقاة النقاة، يستغني سيدي عبد الرزاق الجباري عمن يجلو على مرآة سيرته غبش البغاة وجرأة الوشاة، مثلما لا يحتاج لمن يشهد له برسوخ القدم في العلم وطهارة اليد عند الحكم، فقد من الله عليه بشهادة أقطاب القانون الخاص المعاصرين أستاذ الأجيال الفقيه الدكتور الوزير سيدي امشيش العلمي حين قدم لكتاب سيدي عبد الرزاق ” الاستدعاء المباشر الصادر عن الطرف المدني ” بالوصف: ( ولقد برهن الباحث على صبر كبير، وبعد نظر واضح، وغزارة علم بينة، وقدرة على الحسم جلية في التعرض إلى كل المسائل الخلافية، سواء ما تم الحسم أو التي لا تزال قائمة …)”

وهي شهادة على أهميتها لم تكن يتيمة فقد سبقتها شهادة أخرى من نقيب كبير ومحامي ضليع بالقانون نحرير هو أستاذنا الدكتور الفقيه سيدي عبد الله درميش حين قدم هو الآخر لكتاب سيدي عبد الرزاق ” أزمة الخطأ في المسؤولية الجنائية لساحب الشيك ” بالثناء على الفتح العلمي للقاضي الشاب.

ولما كان سيدي عبد الرزاق الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه سالكا إلى الحق على بينة من وعورة الأمانة الملقاة على عاتقه كقاض فقد أبى أن يعتصم بالخلاص الفردي في الطريق فانخرط منذ أيام المعهد في التأسيس للوعي القضائي الجديد مبشرا ومؤسسا لنادي قضاة المغرب الذي قلده قضاته ومنخرطوه شرف تدبير كتابته العامة.

نحن إذا أمام حالة مشرقة لقاض يزاوج بين النظر والعمل، بين التكوين الديني الأصيل المشرب والاطلاع القانوني الواسع. واساسا أمام شخص مجدوب مجبول على اقتحام المخاطر في سبيل الحقائق متمثلا لمقولة صاحب المواقف عبد الجبار النفري: خاطر ففي المخاطرة النجاة. لذلك مافتئت مواقفه وإجراءاته الهاتكة لحجب الأسرار تكلب عليه المتاعب وتجلب المصاعب وتستعدي الأشرار.

ليس المشكل الآن في سيدي عبد الرزاق المشمول بعناية الأولياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقد أخطأ التقدير من مكر ودبر ودبج بعناية فائقة الخبت وشاية أرادها تلطيخا لسمعة قاضيين جليلين هما : ذ الواهلي وذ الجباري المنعم في مقام الصبر والفقر المكللين له بتاج الفخر بحجم التضامن الواسع عنوان المصداقية اللاتقدر بثمن.

والجميع يعلم أن سيدي عبد الرزاق وغيره من القضاة الشباب المنخرطين في الأجرأة العملية للتوجيهات الملكية والطموحات الشعبية في رؤية قضاء نزيــــه وكفء وفعال لا تخيفهم الوشايات البليدة، ولا ترعبهم الأراجيف المغموسة في مداد الحقد والحسد، لذلك ابتهلها ذ الجباري فرصة لتقديم دروس قاسية في الشفافية بأن أشهر على الملأ مجموع أصوله وخصومه، و هدم بهدوء ما تأسست عليه الوشاية من إفك وبهتان محكم البيان.

ولكن هل قدر القضاة أن يظلوا رهينة الوشاة؟؟ ألم يحن الوقت بعد إلى استلهام مكتسب تشريعي قديم لزملائنا المحامين يقضي بعدم قبول أية وشاية في مواجهة محام كيفما كانت معطياتها وهو اتجاه يتوافق والنزاهة الفكرية التي ينبغي أن تحكم الأبحات التأديبية أيدته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في العديد من قراراتها المتواترة.

لا تحيل الوشاية على المكر والجبن والغدر، وضعف أصيل في الشخصية الخبيثة التي تتوارى خلف الجهالة لإلحاق الأذى بالموشى به، ولكن تضع هذا الأخير في مقام المشتبه في ارتكابه فعلا جرميا، مادام أن وكيل الملك والوكيل العام للملك وحدهما من يملكان السلطة القانونية لتلقي الوشايات واتخاذ ما يلزم قانونا في شأنها ( 40 و 49 ق م ج) بمناسبة ارتكاب أفعال قد تحتمل تكييفا جنائيا، أما البحت تأديبيا في وشاية مجهولة المصدر فلا سند له في القانون، ولكنها الممارسة العملية دأبت على التعاطي بجدية مع مضمون الوشايات التي تتاقطر في مواجهة القضاة، وقد تنتهي بإحالة تأديبية على المجلس، أما إن انتهى بحت المفتشية إلى كون الوشاية محض افتراء فليس للقاضي من رد اعتبار سوى أن يفرح بالنجاة والسلامة من الغنيمة، علما أن إدارات حريصة على سمعة موظفيها ما فتئت تجتهد في البحت لتحديد مصدر الوشاية الكاذبة بجميع الوسائل المتاحة علميا بما في ذلك رفع البصمات حتى لا ينعم الموشي الأفاك بالاطمئنان على نفسه من سيف المتابعة. فليس من العدل أن يتم التحقيق والبحت مع القاضي في الوشاية وعند سطوع شمس الحقيقة يترك الواشي بعيدا عن نارها اللافحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى