البرلمان المغربي .. هذا بناقوس يدق وذا بمأذنة يصيح .. يا ليت شعري ما الصحيح ؟

عبد الله عياش ـ هبة بريس

لماذا تظل السمة الطاغية على الأداء البرلماني هي الضعف ؟ لماذا لا يثق الشعب في دور نواب الأمة بالرغم من كل التدابير التي تم سلكها لتطوير هذه المؤسسة ؟ ولماذا تجزم الأغلبية من الشعب أن بعض نواب الامة غير مؤهلين للقيام بمهامهم البرلمانية ؟ وامام هذا الوضع ..ايعقل ان تستمر الوصاية بهذا الوجه الشاحب المتعب ؟

لاشك اننا امام أزمة “فراغ” بل وسط حالة ” تصحر ” بعدما فَرّ “الرجال” من العمل السياسي وبما أن الوضع يأبى الفراغ برز على الساحة نواب امة تحولوا بقدرة قادر الى “مناضلين” و”سياسيين” ..يكفي ان نُذكر هنا بمقولة بلافريج ” أنا “ماشي بهيمة” لأصوت على مواد لم اطلع عليها ولم توزع علي ” مع اسقاط الاستثناء احتراما للقلة
مايجري الان على الساحة ليس سوى مشهد محزن ومقرف ..قلق عام من وجود برلمان اصلا ..مايجري الان صورة طبق الاصل لماقاله الشاعر والفيلسوف الكبير أبو العلا المعري، في وصفه لتنامي الصراعات في عهده. حيث يقول: “في اللاذقية فتنة ما بين أحمد والمسيح .. هذا بناقوس يدق وذا بمأذنة يصيح .. يا ليت شعري ما الصحيح” .

الحكومة تريد ..والبرلمان يَضعف يوما بعد يوم ، وهو ما يُعلل بروز تخوف شعبي من دور البرلمان الذي يتضح انه لايدرك تماما حيوية المجتمع ويقظة النخب التي تراقب قياس ” الحربائية ” ولا تقبل التطبيع مع الانتكاسة السياسية وترفض مؤامرة ” حرب الكل ضد الكل” و ” تَمَتْرس” كل فريق وراء موقفه وزمرته مع “النزول” للقبول بالاملاءات في اخر المطاف بالتصويت سلبا او الاختفاء من قبة البرلمان لتمرير قوانين اعتبرتها اغلبية الشعب ظالمة .

البرلمان المغربي .. كتلة بشرية كافحت من أجل تقاعدها ونجحوا في ذلك، وكافحوا من أجل تأمينهم رفقة أزواجهم وأولادهم من المرض ونجحوا في ذلك أيضا بالرغم من ان الشعب طالب بإلغاء معاشات البرلمانيين بالمرة، على اعتبار أن العمل البرلماني في حقيقته يشكل انتدابا وواجبا وطنيا وليس وظيفة ..امام هذا الجدل تتدخل الحكومة من أجل إنقاذ صندوق معاش ممثلي الأمة من الإفلاس وبالتالي يظل المغاربة يتحملون تكلفة البرلمان الباهظة بالرغم من تواجده في وضعية ” تسلل ” .

من المؤكد ايضا ان المغاربة يتذكرون كيف مررت “حكومة عبد الإله بنكيران مشاريع قوانين “إصلاح أنظمة التقاعد” بمجلس المستشارين، رغم الوعيد الذي لحقها، وخصوصا من طرف النقابات الممثل جزء منها في الغرفة الثانية.

وكانت مؤشرات الجلسة التشريعية تشير إلى أن الحكومة ستجد صعوبة في تمرير المشاريع لكونها لا تتوفر على الأغلبية، لكن مباشرة بعد إعلان رئيس الجلسة عبد الإله الحلوطي الشروع في التصويت على المشاريع الحكومية، صوّت لصالح مشاريع القوانين 27 مستشارا ينتمون إلى الأغلبية، وعارضها 21، فيما تم تسجيل امتناع 4 مستشارين عن التصويت.

وتعود أسباب نجاح الحكومة في تمرير المشاريع إلى انسحاب أربعة مستشارين من الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالإضافة إلى تسجيل غياب عدد كبير من المستشارين؛ حيث لم يحضر مرحلة التصويت سوى 52 مستشارا من أصل 120 مستشارا يشكلون الغرفة الثانية.
على مر السنين ..راكم البرلمان المغربي هزات كثيرة اقلقت ـ على الاقل ـ بعضا من هذا الشعب الذي يريد أن يرى تفعيل ما يقوله الفاعل السياسي على أرض الواقع، وليس أن يكون الخطاب في واد والممارسة البرلمانية في واد آخر ، وهنا يجدر بنا التذكير الى ان الاسابيع الماضية القليلة تحدث الجميع عن التعديلات التي تقدما بها النائبان البرلمانيان عن فيدرالية اليسار الديمقراطي عمر بلافريج، ومصطفى الشناوي بخصوص مالية 2020 والمتضمنة لخفض ميزانيات البلاط الملكي والبرلمان والداخلية والمالية وإدارة الدفاع، قصد الرفع من ميزانية الصحة والتعليم. وحذف الضريبة على الدخل المفروضة على المعاشات، مع حذف الإعفاء الضريبي على الشركات بالنسبة للقطاع الفلاحي… ما العيب ياترى .. العيب ان الحكومة لم تصل بعد الى تشجيع المعارضة في حال تحولت إلى قوة اقتراحية …العيب ان الحكومة ترى المعارضة البرلمانية كنمر من ورق بمخالب من “كارتون” لا يقوى لا على مراقبة الأداء الحكومي،ولا على محاسبته.

اليوم نعيش حالة “تسلل ” جديدة للبرلمان المغربي ..المادة 9 من قانون المالية التي تمنع الحجز على ممتلكات وأموال الدولة بأحكام قضائية تورط ” البام ” ..هذه قصة ستبقى خالدة في الاذهان و سنرددها على مسامع الصبيان وخير ما يقال في هذا الشأن للاستدلال تدوينة لعمر الشرقاوي قال فيها ” انتهى التصويت على المادة 9 بمجلس المستشارين، طبعا المادة دازت لكن مزال شوية ديال الامل في السياسة. المادة دازت ممرمدة في الوحل وفجرت الاغلبية لانه صوت عليها فقط الاحرار والحركة بينما عارضها الاتحاد الاشتراكي ونقابتي الكنفدرالية والاتحاد المغربي للشغل، الامر الايجابي هو ان العدالة والتنمية امتنع على التصويت عليها والاجمل ان الاستقلال امتنع بدوره عن التصويت عليها، لكن السلوك المشين هو تصويت البام لفائدة المادة فيما تحفظ عليها الحزب الذي يقود الحكومة.

حزب التراكتور اصبح مبعثا للسخرية وللعبث كيف لحزب يقود الحكومة مثل البيحيدي يمتنع عن التصويت والاتحاد المشارك في الحكومة يصوت ضد والاستقلال المعارض يصوت بالامتناع والتقدم يعارض، ويأتي البام المعارض ليصوت لفائدة المادة
واضاف الشرقاوي في تدوينة اخرى ” واش تتعرف التراكتور شنو معنى ان البيجيدي اللي يقود الحكومة يمتنع عن التصويت للمادة 9 والاتحاد الاشتراكي اللي مشارك فالحكومة يصوت ضدها وتجي انت التراكتور وانت حزب معارض وتصوت لفائدة المادة 9 يعني هذا انك تقطعوا ليك الفرامل، وتمسحوا ليك العجلات وتحرق ليك الضو وبقا فيك غير الكلاكسون ديال الازعاج والمرجح انك غادي تدير كسيدة خايبة ”
امام كل هذا . يبقى طبيعيا ان يكشف تقريرا سنويا صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات حول “مؤشر الثقة وجودة المؤسسات” عن ضعف ثقة المغاربة في الطبقة السياسية، وعن عدم رضاهم بجهود الحكومة في محاربة الفساد والرشوة، وجهلهم باسمي رئيسي مجلس النواب والمستشارين، وضعف ثقتهم بمؤسسة البرلمان.

امام هذا التجلي البرلماني ..يكون عاديا ان يسجل ذات التقرير أن 74 في المائة من المغاربة غير راضين بجهود الحكومة في محاربة الفساد (الرشوة)، وأن 57.5 في المائة من ساكنة المملكة لا يثقون في مؤسسة البرلمان، وأن 68.7 في المائة لا يثقون في الحكومة، وأن 68.7 في المائة لا يثقون في الأحزاب السياسية، بينما 32.7 في المائة فقط من يثقون في البرلمان.

وأفاد التقرير أن 89.3 في المائة من المغاربة لا يعرفون اسم رئيس مجلس المستشارين، وأن 88.3 في المائة من المغاربة لا يعرفون اسم رئيس مجلس النواب، وأن 45.6 في المائة لا يعرفون دور البرلمان ..
يكفي ..ويكفي بؤسا ان تصادق لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية على مشروع الميزانية الفرعية لمجلس النواب ومشروع الميزانية الفرعية لمجلس المستشارين.بالإجماع دون مناقشة.

خلال الولاية التشريعية العاشرة الحالية 2016/2021، تم رصد للبرلمان بغرفتيه، (مجلس النواب 395 مقعدا، و120 عضوا بمجلس المستشارين، مبلغا قدره 3.964.828.000 د. إذا قسمنا هذا المبلغ على 515 مجموع أعضاء البرلمان، نجد أن كل واحد منهم سيكلف “7.698.695 د” عند انتهاء مدة انتدابه، أي “1.539.739 د” في السنة، بمعدل”128.311 د” في الشهر ، وامام هذا “الخيال ” يكون من حق الرأي العام الوطني، أن يتساءل عن مدى ملائمة هذه المبالغ المرصودة الى البرلمان، مع الأدوار التي قام بها وتقوم بها ساكنة المؤسسة التشريعية ..

سنقول بمرارة اليوم كما قال المغفور له الحسن الثاني الذى كان قد خاطب البرلمانيين في 29 مارس 1965عقب الأحداث الدامية التي عرفتها الدار البيضاء: “أقول لكم أيها النواب، وأقول لكم أيها المنتخبون، إنكم متشبثون بالحصانة فقط، ومتشبثون بما تتقاضونه كل شهر من الدولة، أطلب منكم أن يكون لكم ضمير مهني كاف لكي تعطوا لتلك الدولة، وذلك الشعب المقابل للشيء الذي تتقاضونه”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى