فواجع تلو الأخرى.. من المسؤول عن مجازر الطرقات و مقتل المئات؟‎

هبة بريس – الدار البيضاء

نهاية الأسبوع الذي ودعناه ، اهتز المغرب على فاجعة جديدة بعد انقلاب حافلة لنقل الركاب ضواحي منطقة تازة مخلفة وفاة 19 شخصا و جرح عدد كبير ، حيث تم نقل الجثامين لمستودع الأموات و الجرحى للمستعجلات و فتحت العناصر الأمنية التحقيق المعتاد و غصت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التعزية و المواساة ، بينما ظل لسان الحال يردد: “من المسؤول عن كل هاته الفواجع؟”.

حوادث السير بالمغرب أو حرب الطرقات التي تخلف سنويا أكثر من 1000 قتيل و عشرات الألاف من الجرحى و المعطوبين تجعلنا نتساءل لماذا يرتفع هذا الرقم في بلادنا مقارنة ببلدان تتجاوزنا بكثير في تعدادها السكني؟

و أضحت حوادث السير في بلادنا واحدة من المعضلات التي تؤرق وتستنزف المجتمع في مقوماته ومكوناته الفاعلة، و تفقده يوميا العديد من شبابه و أبنائه و تترك لدى اخرين جرحا عميقا بعدما فقدوا أبا كان يبحث لهم عن لقمة عيش أو أما تواجه متاعب الحياة بكل شجاعة أو أخا في طريقه للمدرسة أو إبنة كانت تلعب مع أقرانها أمام بيت الأسرة و هلم جرا.

الأرقام و المعطيات الرسمية الواردة في هذا الباب صادمة جدا، حيث يصنف المغرب في المرتبة الأولى عربيا والسادسة عالميا من حيث عدد حوادث السير التي تسفر عن إصابات أو حالات وفاة فضلا عن الخسائر الاقتصادية التي تقدر بعشرات الملايير من الدراهم سنويا.

و من خلال البلاغات الكثيرة التي تنشرها المديرية العامة للأمن الوطني في إحصائياتها و جردها المتواصل لمعدلات حوادث السير بالمغرب ، فدائما يرجع سبب كثرة الحوادث المرورية إلى عدم التحكم في القيادة، وعدم انتباه الراجلين، وعدم احترام أسبقية اليمين، والإفراط في السرعة، و استعمال الهاتف أثناء القيادة، وعدم الوقوف الإجباري عند علامة قف و السياقة في أماكن ممنوعة ، بالإضافة الى ذلك يمكن أن نضيف لكل ما سبق ذكره ضعف شبكة الطرقات الوطنية و التساهل في المراقبة في بعض الأحيان.

و يعتبر موضوع السلامة الطرقية من أهم المشاكل التي تؤرق العديد من الدول و على راسها المغرب التي ترتفع بها معدلات حوادث السير، وأصبحت آثاره وانعكاساته السلبية تأخذ الكثير من الإهتمام، فرغم المجهودات التي تبذل إلا أن عدد الضحايا لازال في تزايد مستمر، وآلة القتل بالطرقات لاتتوقف عن حصد المزيد من الأرواح مستهدفة المجتمعات في أهم مقوماتها وإمكانياتها و مكبدة إياها خسائر اقتصادية وبشرية هائلة زيادة على الآثار الاجتماعية والنفسية الوخيمة.

و حسب تقارير منظمة الصحة العالمية فإن حوالي مليون و ربع المليون شخص يموتون سنويا بسبب هذه الآفة، حيث تشكل حوادث السير السبب الرئيسي للوفيات في العالم والسبب الأساسي لوفاة من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، كما يتعرض بين 20 و50 مليون شخص لحوادث يؤدي الكثير منها للعجز، وينتمي نصف من يموتون إلى مستعملي الطرق العديمي الحماية مثل أصحاب الدراجات العادية والنارية والراجلين.

و وفق ذات المعطيات ، فتنال إفريقيا وبلدان شرق المتوسط حصة الأسد من هذه الأرقام، مكلفة بذلك تبعات اقتصادية هامة ما بين 1 و 3%من الناتج القومي الإجمالي لكل بلد، علما أن موقع المغرب داخل هذه الحرب الصامتة يظل في الصدارة بالنسبة لحرب الطرقات رغم تناقص معدلات الوفيات سنة بعد أخرى بسبب التدابير المتحذة.

وحسب تقرير صادر عن المنظمة العربية للسلامة المرورية، فقد صنفت فيه المغرب من بين البلدان العربية الأولى في معدلات حوادث السير الشئ الذي يكلف ميزانية الدولة أكثر من مليار درهم شهريا، ناهيك عن التبعات النفسية والاقتصادية للضحايا وذويهم.

ولاستيعاب حجم هذه المعضلة لا بد من الوقوف عند مقارنة بين المغرب وفرنسا من حيث عدد العربات، ففي فرنسا تتجاوز حركة الطرق 40 مليون عربة متحركة، في حين عدد العربات في المغرب لا يتجاوز 4 ملايين سيارة، لكن المفارقة هي أن طرقنا تقتل 14 مرة أكثر من فرنسا و 12 مرة أكثر من أمريكا.

و على سبيل المثال ، أشارت إحصائية سابقة لكون عدد الحوادث بمراكش وحدها يعادل حوادث السير بفرنسا كلها، و هو ما يجعلنا نتساءل عن أسباب ارتفاع حواد السير بالمغرب رغم كل المجهوذات التي تبذلها الجهات الوصية للحد من ذلك و رغم كل الملايير التي تصرف على مخططات و مشاريع و هيئات تعنهى بالسلامة الطرقية و التحسيس و غيرها.

و إذا كانت السلامة الطرقية بمفهومها الواسع تهدف إلى تبني وتفعيل مختلف البرامج والخطط والإجراءات الوقائية للتقليل أو منع وقوع حوادث السير ضمانا لسلامة الإنسان وممتلكاته والحفاظ على المقومات البشرية والاقتصادية للبلا، فإنها ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية متداخلة فيما بينها تساهم وإن بشكل متفاوت في وقوع الحوادث و أبرزها العامل البشري.

هذا الأخير و الذي يتجلى في السائق وباقي مستعملي الطريق، يعتبر فاعلا أساسيا في عملية المرور وذلك لكون العربة والطريق وسيلتان في خدمة الإنسان وباستغلاله لهما بشكل معقلن يصبح السير آمنا بنسبة كبيرة ، إذ يساهم العنصر البشري ب 88% من الحوادث.

و من بين الأسباب الرئيسية المؤدية إلى وقوع حوادث السير في المغرب التي يتورط فيها العنصر البشري نجد السرعة كترجمة للرغبة الجامحة في تملك الطريق وتجاوز الزمن وكنوع من استعراض للقدرات والثقة الزائدة في النفس،وعدم التحكم في العربة الذي يرجع بالأساس لقلة التجربة أو السرعة الزائدة و السهو أثناء القيادة و استعمال الهاتف النقال أو اللوحات الإلكترونية، و قلة النوم والضغط الناتج عن العمل خصوصا عند فئة السائقين المهنيين والمأجورين، و السياقة تحت تأثير المخدرات.

و فضلا على ذلك، نجد أسبابا أخرى يمكن إرجاعها إلى الأنانية وعدم احترام حق الآخر في الطريق واللامبالاة،و منها عدم الوقوف الإجباري عند إشارة الضوء الأحمر، زد على ذلك عدم احترام أسبقية اليمين، وعدم الوقوف الإجباري عند علامة ‘’قف”والسير في يسار الطريق، والتجاوز المعيب و عدم استعمال حزام السلامة والمقاعد الخاصة بالأطفال ، كما يمكن أن نضيف إليها عدم استعمال الخوذات الواقية الخاصة بالدراجات النارية وعدم انتباه الراجلين الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في الطريق.

كما أن حالة الطريق التي تعتبر مسرح الحوادث بدورها تدعو للتساؤل خاصة في ظل البنية التحتية المهترئة بعدد من الطرقات و كذلك ضعف التشوير الطرقي الذي يؤثر سلبا على السياقة، والملاحظ هو الغياب شبه التام للمسالك الخاصة بالدراجات في الطرق المغربية بعدد من المدن حتى الكبيرة منها.

كما يظل أمر التساهل في المراقبة الأمنية بمختلف السدود القضائية و الأمنية و الدركية مثار جدل كبير ، حيث أن التساهل في عديد الأحيان يدفع السائقين و بالأخص سائقي الشاحنات و السيارات الكبيرة الحجم التي تقطع مسافات طويلة لتجاهل السلامة الطرقية و التي تفرض عليهم الراحة كل ساعتين ، حيث أنه في غالب الأحيان لا يتم مراقبة “الديسك” أو جهاز قياس السرعة و المسافة مما يجعل السائقين في غالب الأحيان يسوقون لساعات طويلة مما يتسبب في تعبهم و بالتالي رفع نسبة وقوع حوادث أثناء السياقة.

حوادث السير إذن بالمغرب تقتل العديد من أبناء هذا الوطن ، تيتم أطفالا و ترمل نساءا ، تقعد الفراش أسوياءا و ترسل للمقابر أبرياءا ، ندرف الدموع كل يوم على فقدان عزيز بسببها و نرثي قريبا غادرنا في لحظة بفعلها و نتحسر على يافع فقد أطرافه نتيجتها، هكذا هو حال وطن يئن يوميا ، واقع مرير يجعلنا نترقب في كل حين خبرا مفجعا من اي مكان قد يردنا ، لنغير سلوكنا…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. من بين أسباب ارتفاع عدد حوادث السير ضعف المراقبة في الطرق التي تعرف كثافة وسائل النقل فقد تقطع السيارة أو الناقلة مايزيد عن المائة كلم دون مصادفة ولا دركي واحد ومن الأسباب أيضا تحذير السائقين بعضهم بعضا باستعمال الأضواء عندما يمرون بحاجز للمراقبة وهكذا يفلت مخترقو القانون من العقاب ومن الأسباب أيضا عدم مراقبة السائقين حافلاتهم عند التوقف أثناء السفر بالليل فقد تتعرض الفرامل للتخريب من المجرمين كما أن السائق يمكن أن يتناول في المقهى إن لم يكن حذرا مايتسبب له في النعاس فيكون الحادث المفجع والمروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى