كيف أحرجت ” المادة 9″ العثماني أمام السلطة القضائية ؟

أعاد النقاش حول طريقة تمرير المادة التاسعة في قانون المالية 2020 بالبرلمان، الزمن الى الوراء حينما عارض الوزير الاول الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي امتناع الوزارات عن تنفيذ الأحكام القضائية ، دون الحاجة الى إحتجاج أهل القانون أنذاك عليها، مما يضع تباينا واضحا في جرأة وشجاعة اليوسفي في كفة ، و شخصية العثماني الذي يحاول جاهدا تمريرها رغم إحتجاج ممثلي الهيئات الحقوقية والمهنية .

فلعل الفرق كبير بين مواقف من سيروا الحكومة في وقت سابق ، وبين من يدبروها الان محاولين صم الادان حتى لا تسمع الاصوات المحتجة بحجب المادة التي اساءت للسلطات القضائية وكذلك لحقوق المتقاضين ودستور المملكة.

ولعل تمرير المادة بمجلس النواب بسهولة، وضع المؤسسة التشريعية في موقف حرج، بل أن التمرير كشف ضعف النخب في مناقشة القوانين المعروضة على التصويت ، بل أبانت عن ضعف بين للحكومة في اتخاذ قرارات ” مواطنة” ضمن طريقة إشتغالها .

وبعد الشوط الاول الذي اعقبه احتجاجات في جل ربوع المغرب ، بقي الشوط الثاني أكثر حماسة وانتظارا من المجتمع ، بعد إعادة النقاش في المادة التاسعة بمجلس المستشارين ، بعد لقاء جمع ممثلي هيئات المحامين بالمغرب ، بفريقي الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والوعود برفض تمرير المادة، كما ان فريق الاستقلال فضل اللجوء الى المحكمة الدستورية لاسقاط المادة .

نفس المادة حاولت الحكومة في وقت سابق تمريرها في قانون المالية، قبل أن تخلق جدلا كبيرا في المغرب، مما دفع بالحكومة بالتراجع عنها تحت ضغط واحتجاج البرلمانيين والقضاة واستنكار من الحقوقيين.

حكومة سعد الدين العثماني تبرر اقتراحها لهذه المادة بكون تنفيذ الأحكام القضائية يستنزف ميزانيات الجماعات الترابية والقطاعات الحكومية، إذ أشارت إلى أنها أدت خلال السنتين الماضيتين ما مقداره 10 مليارات درهم.

وللمقارنة نرجع الى سنوات حكومة التناوب الذي كان يرأسها الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي ، بعد إمتناع الوزارات عن تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن المحاكم.

نجد أن منشورا أصدره عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول آنذاك، وجهه إلى أعضاء حكومته بخصوص الأمر.

المنشور الذي يحمل رقم 37/98 بتاريخ 31 غشت 1998 جاء فيه: “يَرِدُ على الوزير الأول يومياً عدد كبير من المراسلات، يشتكي أصحابها من امتناع بعض الوزارات إما أصلياً أو بحكم الوصاية، وكذا بعض المكاتب الوطنية والجماعات المحلية والوكالات المستقلة، عن تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات القضائية رغم اكتسابها لقوة الشيء المقضي به”.

وشدد اليوسفي في منشوره على أنه “ينبغي التذكير بأن الامتناع عن تنفيذ حكم أصبح نهائياً واكتسب قوة الشيء المقضي به يعتبر في مفهوم القانون الجنائي تحقيراً لأمر قضائي، مع ما يترتب عن ذلك من جزاءات قانونية”.

في المقابل، أكد اليوسفي أن “تنفيذ الأحكام القضائية يعتبر أسمى تعبير من كل الأطراف المعنية عن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية، وفي الوقت ذاته اعترافاً بحقوق المواطنين واحتراماً وتكريساً لحقوق الإنسان”.

ودعا الوزير الأول حينها عبر منشوره وزراء وكتاب الدولة في حكومته آنذاك إلى “إصدار تعليمات صريحة للمصالح المعنية بوجوب تنفيذ الأوامر والأحكام والقرارات القضائية الصادرة في مواجهة إدارة الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية”.

كما طالب اليوسفي مسؤولي الحكومة بـ”السهر على تطبيق تعليماتهم من طرف المصالح المختصة حتى تسترجع للمشروعية سيادتها وللقضاء قدسيته وحرمته ويسود الاطمئنان في نفوس المتقاضين طبقاً للتوجيهات الرشيدة السامية لصاحب الجلالة.

فالقرار السياسي يحتاح الى جرأة من الفاعل السياسي، فالضعف يخلق قرارات سلبية او متحكم فيها، ويجعل معالحة الاخطاء، مجالا خصبا لتعزيز التأكيد أن المغاربة اليوم أمام حكومة ضعيفة في عملها وقرارتها، ولعلى أكبر دليل على ذلك سن قوانين والتراجع عنها، بطئ في تنفيذ المشاريع، والتأخر في تفعيل الجهوية التي تعتبر من أكبر الاوراش السياسية والاقتصادية في العهد الجديد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. على الدولة أن تحترم حقوق المواطنين حتى لا يتم الحجز على ممتلكاتها.
    باي باي المساواة أمام القانون!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى