قراءة تراجيدية لرواية “المسخ” ل “كافكا” ‎

الطاهر كردلاس

حينما أنهيت قراءة رواية “المسخ أو التحول أو الانمساخ” لفرانز كافكا بشقيها العربي والفرنسي أحسست اهتزاز الكيان كله وانخفضاضه.كما اهتز من قبل كيان كثير عزة في الزمن الغابر…حينما تأوه قائلا متذكرا من سلبت لبه : وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر لقد أحسست تفاهة الوجود وعبثيته…أدركت حقارة الواقع المادي الصاهر للكينونة والمذيب لها أشد ذوبان….تيقنت تفاهة الإنسان حينما تخضه الهموم من كل جانب وتحاصره فيغدو حشرة أو خنفساء يمجها الذوق وتدوسها الأحذية السادية .. ياللعذاب!!!ياللسحق!!! يا للمحق!! يا للتمزق!! يا للتراجيديا المقيتة !!! يحاصرك الحصار…وتلفك الويلات والفظائع كأنك سيزيف المعذب عذابا سرمديا.. كم تتمنى لو أنك ما قرأت هذه الرواية حينما تنتهي منها…. وكم تتمنى أن تعيد قراءتها مرارا كلما أنهيتها… دوران ….تيهان…غثيان..ذوبان.. بهذه الرواية الغرائبية أضحى كافكا أعظم كاتب روائي على الصعيد العالمي في القرن العشرين..رواية تخطت الآفاق.. كما تخطت حدود اللامعقول.. رواية مرعبة مخيفة… تحمل بين ثناياها كابوسا مزعجا يحمله كل إنسان متمزق بين ثنايا الواقع الطاحن.. رواية تغوص وتغوص في أعمق اعماق سيكولوجية الإنسان فتبين تهافته وتفاهته في خضم هذا الوجود الشاسع اللانهائي..
رواية تزيح الأتربة والصدأ عن مكامن النفس الإنسانية وتصبغها صباغة داكنة بلا تنميق ولا تزويق..قد تكون هذه الرواية جارحة لكبرياء الإنسان لأنها تذكره بصغاره وسفاهته وضآلته ..ولكنها في أبعد مراميها مرآة للواقع المر .. الذي يرزح تحته كل مضغوط وكل مسحوق وكل مضطهد كيفما كان نوع الضغط والسحق والاضطهاد. إن بطل القصة ” سامسا كريغور” المتحول والممسوخ يجسد المأساة الإنسانية في أسفل انحدارها وعجزها عن القيام بأي حركة أو تمرد تجاه واقعه النفسي والجسدي والاجتماعي..
ورغم كل هذا التشاؤم السوداوي الظاهري على النص الكافكاوي هل يمكن أن نطرح السؤال الإشكالي :
هل كان كافكا يهدف من خلال روايته أن يجعل الإنسان يعي حقيقة ذاته .. ومن خلال وعيه إياها أن يزيح غبار الزيف والحقارة والفظاعة واللامعقول ولاجدوى الوجود؟؟؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال.السيد طاهر كردلاس.عن المسخ….ازمة الوجود الانساني
    لفرانز كافكا
    ازاح احجارا متراكمة عن عبتية فلسفية كافكيةلاتستشعرهاالافلسفةكردلاسية….لقد
    غاص سيدي طاهرباقتدارفي اعماق نفسية كافكا الصدعية وبابداع عرى حقيقة فصام فرانز المركب الذي لايخضع لقوانين الوجودية لايمانه بالعدمية
    الطاهر كردلاس ازاح صخرة سيزيف وضباب اللا جدوى الاغوار والمجهول ليفسر رعب فرانز كافكا الكابوسي الذي هرب من البؤس المرضي الى التشظي الانسحابي،لينقله الطاهر وبطله الاسطوري جربجور من عوالم الزيف
    والغدر الى حقيقة العمق والشموخ
    من العدم….والى العدم
    هذا الجواب عن سؤالك الاشكالي يا طاهر فيلسوف الوجود والعدم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى