الفيلم التسجيلي “مرادونا” تراجيديا صعود وهبوط والوان الشهرة المراوغة

ربيع بلهواري _ هبة بريس

يعيد الفيلم التسجيلى البريطانى البديع «دييجو مارادونا» للمخرج آسيف كباديا تأمل مسيرة صعود وسقوط أحد أعظم المواهب الكروية، يكشف ببراعة وعمق عن الإنسان وراء اللاعب، ثم ينطلق إلى دائرة أوسع هى ألوان الشهرة المراوغة، بيضاء هى أحيانا، ولكنها تصبح رمادية ثم سوداء فى طرفة عين، ذلك أن اللاعب الأسطورة لم يكن مستعدا نفسيا للأضواء، هكذا يقول «بيليه» فى بداية الفيلم عن مارادونا، وتحقق ما قاله بيليه.

ما يجعل من الفيلم التسجيلى عملا فنيا ليس المادة، رغم توافرها ببذخ، كما هو الحال فى فيلمنا، وإنما عمل المخرج على المادة، رؤيته لبطله، وطريقة بناء السيناريو، وإعادة تشكيل مشاهد ولقطات بعينها، والانتقالات السلسة بين محطات تفصلها سنوات أحيانا، ومن هذه الزاوية نحن أمام فيلم متماسك، وذكى، ومؤثر، وضع يده بدقة على سر المأساة.

الفكرة المحورية قالها مدرب مارادونا الخاص، الذى ذكر بعد تعامله مع اللاعب الأسطورى أنه كان يتعامل مع شخصين؛ أحدهما اسمه دييجو: بسيط ويشعر بعدم الأمان، ابن حى فقير بائس، وابن بار بأسرته، تولى مسئوليتها وهو فى سن الخامسة عشرة، واقتنى لها بيتا.

أما الآخر فهو مارادونا، النجم الشهير، الذى اعتبروه إلها فى نابولى، بعد أن ساهم فى إحراز نادى المدينة بطولة الدورى مرتين، وبطولة أوروبا مرة، وهو النادى المهمش فى المدينة المهمشة المكروهة، ومارادونا أيضا هو الذى قاد بلده الأرجنتين للفوز بكأس العالم، وأوصلهم للمباراة النهائية مرة أخرى، فصار أسطورة الأساطير.

بناء الفيلم يضع «دييجو» فى صراع طوال الوقت مع مارادونا، ويقول بوضوح إن سبب المأساة أن مارادونا هو الذى هزم دييجو، صحيح أن دييجو الطفل الكبير المرح ابن أمه ظل حاضرا، ولكن مارادونا كان يذكر دييجو دوما أنه لولا الشهرة ما احترمه أحد، وما استطاع أن يحصل على المال، ولا أن يقتنى بيتا لأسرته، إننا إذن أمام بطل تراجيدى جديد ظل الطريق حقا و لم يكن قادرا لا على ترويض الشهرة، ولا على ترويض نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى