رشيد لزرق وقراءة شخصية للمادة ٩ بقانون المالية

خلافاً للأصل و القاعدة العامة التي تجيز الحجز على أموال المدين الذي يمتنع عن الوفاء بديونه، فإنه لا يجوز الحجز على أموال المرافق العامة وفاءً لما يتقرر للغير من ديون في مواجهتها لما يترتب على ذلك من تعطيل للخدمات التي تؤديها. ويستوي في ذلك أن تتم إدارة المرافق العامة بالطريق المباشر أو أن تتم إدارتها بطريق الالتزام مع أن أموال المرفق في الحالة الأخيرة تكون مملوكة للملتزم.

واستقرت أحكام القضاء على أنه لا يجوز الحجز على هذه الأموال تأسيساً على مبدأ دوام استمرار المرافق العامة ولأن المرافق العامة أياً كان أسلوب أو طريقة إدارتها تخضع للقواعد الضابطة لسير المرافق العامة، كما جاء في متن المادة 9 من مشروع قانون المالية القاضية بمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية بموجب أحكام قضائية قابلة للتنفيذ.

وإذ يعتد بالمادة 9 إعمالا لنظرية استمرار المرفق العمومي، فإن احتجاج المحامون لا يعدو كونه تعبير عن مصلحة فئوية بما يختلف بتاتا عن انشغالهم بتنفيذ الأحكام القضائية، وذلك لأن المشرع في مجلس النواب حاول التوفيق بين المصالح الفردية ومصالح العامة في تحديد أجل 90 يوماً لأداء المبالغ موضوع حكم قضائي نهائي قابل للتنفيذ في حدود الاعتمادات المتوفرة خلال السنة المالية المعنية، لكن دون أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية.

ولأن إخضاع أموال الدولة والإدارات العمومية والجماعات الترابية للحجز تنفيذاً لأحكام قضائية قابلة للتنفيذ يعد تهديدا للاستمرار المرفق العمومي فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار المادة 9 إنكار للعدالة وتعطيل لوظيفة القضاء وللأمر بالتنفيذ الذي يصدر بأمر من أعلى سلطة في البلاد.

كذلك، إن القول بمنح درجة تفضيلية للدولة، ينحاز إلى العرف المتفق عليه في الفقه و القضاء كترجمة لمبدأ استمرارية المرفق العمومي، بما لا يجعل فيه أي مساس بالثقة في نظام العدالة، وذلك لأن مهمة المرافق العامة هي تقديم الخدمات للأفراد وإشباع حاجات عامة وجوهرية في حياتهم، ومصادرة أملاك الدولة قد يترتب على انقطاع هذه الخدمات والتي من شانها إحداث اضطرابات في عمل المرفق العمومي.

لكل ذلك، فمن الضروري العمل على ضمان استمرار المرفق العمومي وتقديمه للخدمات المنوطة به، وهو ما ينسجم مع حرص القضاء على تأكيد هذا المبدأ واعتباره من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري.

ومع أن المشرع يتدخل في كثير من الأحيان لإرساء هذا المبدأ في العديد من مجالات النشاط الإداري، فإن تقريره لا يتطلب نص تشريعي لأن طبيعة نشاط المرافق العامة تستدعي الاستمرار والانتظام، ويترتب على تطبيق هذا المبدأ عدة نتائج منها: تحريم الإضراب، وتنظيم استقالة الموظفين العموميين ونظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة، وعدم جواز الحجز على أموال المرفق العمومي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. واش من نيتك تتكلم.

    إذا كان كما تدعي الحكومة و أنت سيدي الآن، لماذا لا تلجم الحكومة رغبتها في إقتناء عقار عبر مسطرة نزع الملكية أو إنجاز مشروع دون أن تخصص لهذه المشاريع ميزانية كافية لاداء الوجبات لاصحابها. إذا لم يكن لديها الكافي من المال فلتغض النضر عن المشروع قبل الدخول في المقاضاة و الإمتناع عن الأداء بدرعية عدم تعطيل المرفق العمومي. هذا يجعلنا نشك أن الدولة لها نية التماطل المبيتة على عدم الأداء.

    إذن بالنسبة لكم سيدي الفاضل تعطيل شركة وافلاسها مما ينجم عليه من:

    1- عدم القدرة على دفع الضريبة بسبب عدم إستخلاص المستحق من الدولة ما يخول لمصلحة الضرائب (عاجل غير آجل و بقوة القانون) بحزج كل ممتلكات الشركة و أرصدتها البنكية و أرصدة اصحابها فور عدم القدرة على ألاداء لا لسبب إلا لأن الدولة ليس بإستطاعتها أداء ماعليها و ليس بإمكان الشركة تنفيد حكم قضائي نهائي بدريعة عدم تعطيل المرفق العمومي.

    2- تشريد لأسر جراء هذا الحيف ليس تعطيلاً لمصالح الشعب؟

    و اللائحة طويلة لما سيترتب عن هذا الإجراء من عواقب وخيمة على العباد في بلدنا الحبيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى