المواطن المغربي بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية

ع اللطيف بركة : هبة بريس

إنخرط المغرب بعد دستور 2011 بعد الحراك الديمقراطي في التأسيس وفتح المجال أمام كل مكونات المجتمع من أجل المساهمة في صياغة القرار العمومي، وهو ما يفتح السؤال الى أي حد ساهم المغاربة في تفعليل الديمقراطية التشاركية؟ وأين يجد المواطن المغربي مساهمته في الديمقراطية التمثيلية بعد اختيار ممثليه في البرلمان وفي المؤسسات الترابية المنتخبة ؟؟.

المشاركة الديمقراطية المباشرة وغير المباشرة

يعتبر جوهر الديمقراطية هو مشاركة الأفراد في اتخاذ القرارات التي تعنيهم بشكل مباشر او غير مباشر عبر ( تمثيلية و تشاركية) .

التمثيلية هو أن يختار الافراد من يمثلوهم عبر الانتخابات البرلمانية والجماعية والمهنية.

أما الديمقراطية التشاركية، عندما يتم استدعاء الأفراد للقيام باستشارات كبرى تهم مشاريع محلية تعنيهم بشكل مباشر و ذلك لإشراكهم في اتخاذ القرارات مع التحمل الجماعي للمسؤوليات المترتبة عن ذلك.

من خلال الجمع بين الديمقراطيتين التمثيلية و التشاركية، يمكن القول أن الأفراد يساهمون على المستوى المحلي في المشاركة في تدبير الشأن العام. فالمواطنون يختارون ممثليهم لتمثيلهم و السهر على تدبير شؤونهم العامة، وفي الوقت نفسه يشاركون في صنع القرار من خلال المشاركة في النقاشات المحلية المتعلقة بالبرامج التي تهدف إلى تحسين ظروف حياتهم.

و يرى البعض أن الديمقراطية تكون ناقصة عندما تكون تمثيلية فقط، معنى ذلك، لكي تصبح الديمقراطية كاملة يلزم إضافة مشاركة السكان في تدبير الشأن العام عبر استشارات كبرى قبل البدء في انجاز المشاريع، و كذا القيام باجتماعات عمومية معهم، و غير ذلك من الآليات. وبذلك يمكن القول أن الديمقراطية التشاركية مكملة للديمقراطية التمثيلية.

وانطلاقا مما تقدم، نقدم مجموعة من التساؤلات لها ارتباط بدرجة مشاركة السكان في تدبير الشأن المحلي في إطار الديمقراطية التشاركية : إذا كانت مشاركة المجتمع المدني (جمعيات، سكان…) في تدبير الشأن المحلي هي أساس الديمقراطية التشاركية، كيف تتم هذه المشاركة ؟ هل يكفي وضع عرائض وتوجيهها للبرلمان؟ او يكفي القيام باستشارات كبرى مع السكان قبل صياغة القرارات للقول بأن الديمقراطية التشاركية تحققت ؟ نفس التساؤل يهم الإجتماعات الدورية مع السكان و مع ممثليهم المدنيين. لنفترض أن هناك فعلا استشارات و اجتماعات تنظم مع السكان بصفة منتظمة و دورية، هل مطالب الساكنة المعنية بمشروع ما تأخذ بعين الاعتبار؟ وكيف ينظر ممثلو السكان الذين اختيروا عن طريق الاقتراع إلى مطالب السكان من خلال الاستشارات و الاجتماعات معهم؟ ألا يتخوف هؤلاء على مواقعهم من خلال تنامي المطالب المنادية بضرورة توسيع مشاركة السكان في تدبير الشأن العام المحلي؟

وفيما يخص النوع الثاني من المشاركة – مشاركة السكان في مساعدة السلطات −، نقدم نموذج البرامج التنموية بالدول السائرة في طريق النمو، كمثال “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، إذ يساهم المجتمع المدني، من خلال الجمعيات التي تمثل السكان، في تفعيل الخطوط العريضة للبرامج على المستوى الميداني دون أن يشارك، أو على الأقل أن يستشار، في مسلسل صياغتها.

ويدفعنا هذا إلى التساؤل عن دور الفاعل الخاص (سكان، جمعيات، مقاولات…) في صياغة السياسات العمومية بالبلدان السائرة في طريق النمو، و كذا التناقض بين الخطاب و التطبيق في تفعيل المبادئ الأساسية للديمقراطية التشاركية ومن خلال النموذجين السالفين الذكر، يتضح أن مشاركة المجتمع المدني في تدبير الشأن العام المحلي قد تكون أتناء صياغة القرار أو في التنفيذ أو هما معا، و في الحالة الأخيرة يتحقق، حسب اعتقادنا، الهدف الأساسي للديمقراطية التشاركية، بمعنى المشاركة في الصياغة والتنفيذ معا.

ويمكن القول، أن المجتمع المدني بالدول المتقدمة (فرنسا كمثال) يشارك في تدبير الشأن العام المحلي، إلا أن تلك المشاركة تبقى محدودة، و هذا راجع إلى تخوف المنتخبين من تراجع دورهم في الحكم المحلي.

أما بالنسبة للدول السائرة في طريق النمو، فمشاركة المجتمع المدني تتحقق في مرحلة التنفيذ، وفي الوقت نفسه يعتبر هذا الفاعل (المجتمع المدني) مقصي أثناء صياغة البرامج. يدل ذلك، على أن التخوف من المجتمع المدني لازال قائما بهذه الدول رغم أن التجارب أتبثت أن الثقة بين الدولة و هذا الأخير تعد مسألة حاسمة في تحقيق التنمية المنتظرة.

ومن جهة أخرى، يعتبر القاسم المشترك بين الدول المتقدمة و نضيرتها النامية من خلال مشاركة المجتمع المدني في تدبير الشأن العام المحلي هو “الخطوط الحمراء” القائمة بين الديمقراطية التمثيلية و الديمقراطية التشاركية، إذ التخوف نابع من التأثير الذي قد تلعبه هذه الأخيرة على مستقبل الأولى.

والواقع أن النقاش حول الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية نقاش فلسفي قديم، حيث سبق للفيلسوف جون لو ك أن ألمح إلى محدودية الديمقراطية التمثيلية عندما اعتبر أن لا أحد يمكنه أن يضفي الشرعية الديمقراطية على سلطة سياسية غير المواطنين أنفسهم.وأنه لا يكفي بالنسبة للمواطنين التعبير عن اختياراتهم، عبر التصويت لفائدة “ممثلين”، بل ينبغي أن تكون لديهم القدرة على مراقبة نشاط هؤلاء الممثلين.و يعتبر جون جان روسو المدافع القوي عن “الديمقراطية التشاركية”.ففي نظره لكي تكون الإرادة عامة، لا ينبغي تمثيل الشعب.فهو يؤاخذ على الانجليز على الخصوص وعلى نموذجهم التمثيلي التخلي عن حرية المشاركة السياسية بواسطة التصويت الانتخابي. يقول روسو “يعتقد الشعب الانجليزي أنه حر، فهو مخطئ كثيرا، فهو ليس حرا إلا في فترة انتخاب أعضاء البرلمان، فما أن ينتخبوا، حتى يصير عبدا، ولا شيء.ففي الفترات القصيرة لحريته، الاستعمال الذي يقوم به لحريته يجعله يستحق فقدانها.” وينتقد روسو بشكل عام كل تنظيم لا يأخذ بعين الاعتبار الاختلافات القائمة بين الأفراد، ويعتبر ذلك استهدافا للإرادة العامة.ومع ذلك فنموذج الديمقراطية المباشرة الذي يطالب بها روسو تم استبعاده تاريخيا في الديمقراطيات الحديثة، لصالح سيادة الديمقراطية التمثيلية التي يعتبر بنجمان كونسطان من أبرز منظريها .بل يمكن القول إن تصور بنجمان كونسطان للديمقراطية التمثيلية، انتصر لدرجة انه يصعب اليوم تخيل ديمقراطية لا تكون تمثيلية.

لكن هذا لا يمنع كون مفهوم الديمقراطية التشاركية بدأ يفرض نفسه شيئا فشيئا في الخطاب السياسي منذ عدة سنوات، لدرجة أن المفهوم أصبح أشبه ب”موضة”، وهو يشير إلى نموذج سياسي “بديل”.يستهدف زيادة انخراط ومشاركة المواطنين في النقاش العمومي وفي اتخاذ القرار السياسي. وتستهدف الديمقراطية التشاركية “دمقرطة “الديمقراطية، وذلك بتعزيز دور المواطن الذي ينبغي أن لا يقف عند حدود الحق في التصويت و الترشح والولوج إلى المجالس المنتخبة محليا ووطنيا ، بل أن يمتد ليشمل الحق في الإخبار وفي الاستشارة، وفي التتبع و التقييم.أي أن تتحول حقوق المواطن من حقوق موسمية تبدأ مع كل استحقاق انتخابي وتنتهي بانتهائه، إلى حقوق دائمة ومستمرة ومباشرة، تمارس بشكل يومي وعن قرب ، لدرجة أن هناك من يسمي الديمقراطية بهذا المعنى التشاركي، بالديمقراطية “المستمرة” أو “المباشرة” تمييزا لها عن الديمقراطية التمثيلية التي هي ديمقراطية غير مباشرة، تمارس عبر واسطة المنتخبين الذين قد يتخلون عن دور الاقتراب من نبض المواطن، فيعيدون إنتاج مركزية الإدارة أو الدولة. والواقع أن المؤسسة الحزبية ببلادنا، مطالبة بإعادة هيكلة ذاتها و أدوارها و برامجها وأنشطتها، بل وبنياتها التحتية(المقرات والتجهيزات وكل الوسائل المادية المتاحة لديها) من أجل الاضطلاع بدورها الطبيعي في تأطير وتأهيل المواطنين باعتبارهم شركاء حقيقيين في بناء المشاريع السياسية وفي تنفيذها وتقييمها، والإقلاع بالتالي عن تلك العادات القبيحة، التي تحولها إلى دكاكين تفتح في موسم الانتخابات، ثم تغلق بمجرد ما تظهر النتائج ،وهذا يقتضي من الأحزاب السياسية الاشتغال على آليات التواصل التشاركي، والارتقاء بثقافة الإنصات، التفاعل، التشارك واقتسام المسؤولية والمعرفة مع المواطنين، مع الانفتاح على اختلاف المجتمع وتنوعه.

المعارضة والاغلبية وسؤال الديمقراطية التشاركية.

يصل المنتخبون الى المؤسسة التشريعية عبر انتخابات أي ديمقراطية تمثيلية، وبعد تتشكل الحكومة من الاغلبية المتفقة على برنامج معين، بينما تصطف المعارضة، وهنا يحدث إشكال أمام المواطن المغربي، بعدما يشاهد عبر تتبعه للقنوات التلفزية او الاذاعية أن من يمثلوه في الاغلبية قد شرعنوا قانونا لا يقبله او قد يهدد قدرته الشرائية، يتم الرهان على المعارضة للتصدي للقرار او مشروع قانون، وهنا تحدث إشكالات أمام النواب البرلمانيين حيث غالبا ما يرفض او لا يثفق نائب برلماني او نواب من الاغلبية على التصويت على قانون سيضر بصورتهم أمام من صوتوا لهم وهو ما يفضي في غالب الاحيان الى تصويت مجموعة فقط مع مراعاة تحقيق ذلك التفوق في العدد في كل مرحلة تصويت على قانون او مرسوم.

الاشكال الثاني، هو أن الاغلبية لا تأخد عادة بعين الاعتبار ملاحظات المعارضة داخل المجلس، وهنا يلتقي عدم التكامل بين الديمقراطية التشاركية والتمثيلية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى