هل هو ” ربيع عربي ” في نسخة منقحة ؟

لا البرلمانات ولا الأحزاب ولا النقابات بقادرة على إسقاط الحكومات لكن للشارع كلمته

تشهد العديد من العواصم العربية ؛ هذه الأيام ؛ انتفاضات جماهيرية هادرة ، جعلت من مطالبها الرئيسة جلاء الحكومات ومغادرة كراسيها ، بعد محاكمة رؤوسها ومصادرة ثرواتهم . تفجر غضب هذه الحشود البشرية في كل من السودان والجزائر والعراق ولبنان … لسانها واحد يلهج بتحرير بلدانها من الجرذان القاضمة لثرواتهم فحولتها إلى بلدان الجياع والتطاحن على لقمة العيش .
من كان يدور في خلده ؛ قبل بضع سنوات ؛ أن يأتي زمن تؤول فيه الكلمة الفصل إلى الشارع ليقرر في مستقبل حكومة ما ، أو بالأحرى أن يطيح برؤوسها ؟ كانت هذه السلطة ؛ فيما مضى ؛ مخولة للبرلمان في إعلانه عن حجب الثقة من الحكومة ، لكن اليوم ؛ وفي ظل أنظمة سياسية فاسدة ؛ لا البرلمانات ولا الأحزاب ولا النقابات ولا الكوارث بقادرة على إسقاط الحكومات ، لكن أصبحت للشارع كلمته الفيصل .

فارق كبير بين ربيع وربيع ..

18 دجنبر 2010 ؛ تاريخ ما زال راسخا في الذاكرة العربية ، لتزامنه مع أنطلاق أول شرارة للربيع العربي الذي أجهز على كثير من الأنظمة السياسية الحاكمة ، وأجبرها على تنحية رموزها عن السلطة ، بيد أن معظم الثورات التي أعقبته سقط بأيدي مخربة جعلت نصب أعين أصحابها النهب والسرقة ، فضلا عن احتكارها من قبل تنظيمات إسلامية متطرفة ؛ أفضت فيما بعد إلى تناحرها على السلطة ؛ ما زالت آثارها حتى اليوم تعتمل في النسيج الشعبي العربي ، من تقتيل وتهجير وتيتيم وتمزيق ..
لكن الشارع العربي يعود اليوم أكثر تنظيما وتصميما من ذي قبل ، فقد استفاد من المزالق والمصائد التي وقع فيها الربيع الأول ؛ وأصبحت هناك لغة إصرار وتنظيم محكم للتظاهرات الشعبية التي غمرت معظم الشوارع العربية بوسائل سلمية لم تخرج عن إطار رفع شعارات وترديد مطالب مع تحصين صفوفها .
يقول جيمس .م.لاروسي James M.Laresy الصحفي الأمريكي والمستشار الدولي صاحب كتب : The turbulent world of Middle East soccer ; Chine and the Middle East :Venturing into the Maelstrom ; Comparative political transtions between southeast Asia and the Middle East and North Africa ، يقول في إحدى تعليقاته على ما تشهده الساحة العربية من غليان سياسي ” … فقد أمكن للحكام أخذ دروس بإلقاء آذانهم إلى الشارع والاستماع إلى موجات الغضب والإحباط التي تغلي على السطح بسبب الافتقار إلى الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية وانتشار الفساد على نطاق واسع …
وكانت العبر المستقاة تعني معالجة هذه المخاوف قبل فوات الأوان وقبل أن تنتشر في الشوارع ـ في تصويت حاشد ـ لحجب الثقة عن النظام السياسي والاقتصادي وقادته …”

هل من “الحكمة السياسية” إغلاق الأفواه بالبقشيش ؟

هناك موجات جماهيرية عاتية تكتسح بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، ولا يمكن ؛ في سُنّة الحركات الجماهيرية هذه وفي عصر المعلوميات المستجدة ؛ أن يظل بلد جار بمعزل عن تأثيراتها أو محصنا بأجهزة أمنية ومخابراتية متغلغلة إلى أبعد الحدود في نسيجه الاجتماعي . فالمقاربة الأمنية بهذا المعنى تحولت إلى مفهوم الحصار الجائر أو الديكتاتورية الناعمة ؛ حينما يلجأ فيها نظامها السياسي إلى تكميم أفواه كل الأطراف الوصية ؛ بدءا بالميديا والنقابات والأحزاب وانتهاء ببعض مكونات المجتمع المدني … تكميم أفواهها بالدرهم العميل ، وإن لم ترضخ له قذف بها وراء القضبان . هذه المقاربة السياسة ؛ مهما عمرت ؛ فستحمل مع مرور الزمن بذور التصدعات والانفجارات الكبرى في وجه السلطات الحاكمة ، أو باغتتها في عقر دارها ، كما يجري حاليا في عديد من البلدان بآسيا وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى ساخنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى