في دلالات الاعتبار

 

محمد بلفقيه

ينفجر الفايسبوك بالأعلام المغربية، تغلب الحمرة زرقته الاصلية، صنعها المزاج الفايسبوكي، المتعاطف مع قضايا الأمة، الحريص على أن يعجب بصورة طفل فقير في أعلى جبال الأطلس، مع امرأة مثقلة بالهموم والسلع المهربة في ممر طاراخال، مع لص تناقلت المواقع الإلكترونية شريط عملية بلهاء للسطوه على مصرف، هذا الفضاء الذي يعج بشباب ينشرون صورة كتاب بجانب فنجان قهوة على طاولة مقهى متقمصين دور المثقف، ولعاشقات ينشرن صور خاتم الخطوبة، ووجبة خفيفة في مطعم، وأدعيه لأم حية وأب ميت.
هذا الشباب الفايسبوكي الهوى والمنهج، الذي لم تلهيه تفاصيل الحياة الصغيرة عن قضايا وطنه الكبيرة، كلهم اتفقوا على رفع العلم، من كان يصدق أن هزيم الرعد، وأمير الغرام، والطائر الحر، وأيضا أميرة زوجي وبين قوسين (زوجي خذ بيدي إلى الجنة)، وفاتي فلوغ، التي كتب في شعارها “تمضي الحيات وتبقى الذكريات” باسطة من فرط بساطتها تاء الحياة، حتى سارة بنت الدروة ( مرات حميد الحقيقية)،وضعت صورة للعلم وعلقت “هذا فوق كل اعتبار”.
أدركت بحكم البداهة أن يكون العلم فوق، لكني وقفت طويلا في دلالات كلمة الاعتبار التي تقصدها سارة.
ألا يجب أن يدخل في الاعتبار أن الرايات تعلو بعلو أوطانها، وأن الأوطان تعلو بعلو مواطنيها، وأن علو المواطن يكمن في العيش الكريم بحرية؟
ألا يدخل في الاعتبار أنه يتوجب على الوطن الذي يرفع علمه أن يضمن الصحة والسكن والتعليم والشغل لمواطنيه؟
ألا يجب أن يدخل في الاعتبار أيضا أن الأوطان تعلو وتعلو معه راياته حينما يكون قادرا على تجاوز أحقاد وأخطاء الماضي، وأن يعتبر أيضا أن تمسك طرف بموقفه يؤدي إلى مزيد من تعنت الطرف الآخر، ألم تكن استفادة الدولة من زيارة عاهلها لكل من اليوسفي وبن سعيد حينما ألمت بهما وعكة صحية أكبر من استفادتها من اعتقالهما وإصدار الأحكام في حقيها؟
ألا يجب أن نضع في الاعتبار أن جرح أهل الريف وقضيتهم أضحت تتلخص في حرية أبنائهم القابعين في السجون، وأن نضع في الاعتبار أيضا، أنهم وإن أخطأوا فإن الدولة هي السباقة إلى الخطأ بإهمالها الريف وأهله دهرا، وأن الدولة أدركت خطأها في حق أهل المنطقة حينما دشنت المشاريع وعزلت كبار المسؤولين؟
ألا يجب أن نضع في الاعتبار أنه سواء أخذنا بالرواية القائلة أن حرق العلم تم في تظاهرة أخرى أو من طرف شرذمة دست لأمر دبر بليل، فإن الروايتين تتبرآن من حادثة حرق العلم، وتبقي على الكثير من شعر معاوية للمصالحة، حتى وإن جاءت البيانات بعبارات مشحونة أملاها الكبرياء النضالي.
إن الأخطاء تولد الأخطاء، والقسوة تولد الكفر بالوطن قبل العلم، ولكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه.
أما آن أوان الاستماع إلى صوت الحكمة، من أجل هذا الوطن، ومن أجل حياة كريمة بهذا الوطن، من أجل نساء طاراخال، وأطفال كهوف الأطلس، من أجل تبقى رايته خفاقة فوق كل اعتبار، ولكي تهنأ فاتي فلوغ بحياة كريمة في الوطن يتحمل خطأها الإملائي في كتابة الحياة، في وطن يضمن لسارة زواجا سعيدا مع حميد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى