التآمر والتخوين السياسي في خطاب بنعبدالله : بؤس سياسي ام تضليل ؟؟

“…هناك أوساط داخلية، تخلط الأوراق، في تحالف موضوعي، وليس بالضرورة مفبرك وموقع، مع أوساط اخرى خارجية، هي ذات الأوساط التي تتحدث عن ضرورة إخراج الحزب من الحكومة، أوساط يزعجها أن يكون حزب التقدم والاشتراكية، رغم وزنه المتواضع على المستوى الانتخابي أو العددي، يزعجها بسبب كونه حزب متماسك وقوي بمواقفه، وتظافر هذا الجناح الداخلي مع ذاك الجناح الخارجي، تمكن من إعطاء الانطباع بأن التقدم والاشتراكية يعيش على إيقاع مشاكل داخلية، وبالطبع خير طريق من أجل الوصول إلى ذلك هو الإساءة إلى الأمين العام…”.ذ
هكذا كان تصريح الرفيق محمد نبيل بن عبد الله الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية لصحيفة “LeSiteinfo بالعربية”، متهما بعض الرفاق بالتآمر والخيانة ان صح التعبير مع اطراف خارجية يزعجها أن يكون حزب التقدم والاشتراكية في الحكومة رغم وزنه المتواضع على المستوى الانتخابي أو العددي، يزعجها انه حزب متماسك وقوي بمواقفه كما يعتقد السيد محمد نبيل بن عبد الله .

وبعيدا عن مناقشة مصداقية حديث الرفيق الامين العام من عدمها وحتى لا يفهم الرفيق انها محاولة للإساءة اليه كما ورد في اخر حديثه، اود ان اتناول المضمون العام لهذه التصاريح المتمثل في خطاب التآمر والخيانة في مواجهة المعارضين سواء الداخليين او الخارجيين…

في الحقيقة لم يخل تاريخ التنافس الحزبي المغربي مند تأسيس كتلة العمل الوطني سنة 1934، الذي ارتبط بطموح التحرر من قيود الغزو الفرنسي و الاسباني، وكرد فعل وطني لمواجهة سياسة هؤلاء الغزاة خصوصا بعد تحالف القوتين الامبرياليتين لواد حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1925 من إنتاج ثقافة الاختلاف، سواء تعلق الأمر بالقضايا السياسية أم الفكرية والأيديولوجية او الدينية وحتى على مستوى نوع الحكم والسلطة…وعلى غرار سائر المجتمعات التي عرفتها البشرية، كان هذا الاختلاف يجد ترجمة له في أصناف من اتهامات الخصم بنعوت يرمى من ورائها إلى تحطيمه، ومن هذه الاتهامات ما يتصل بالتآمر والتخوين و العمالة والفساد…وهي تهم تمثل الذروة في كل الصراعات التي عرفتها التجربة السياسية والحزبية المغربية…وترتب عليها نتائج خطيرة مست المواطن كما الوطن وأضاعت عنهم فرص كبيرة للتقدم الديمقراطي و التنموي…

إذا كان خطاب التآمرية/التخوينية- في بعض مراحل تطوره السياسي المغربي امر مقبول نظرا للسياق العام آنذاك، إلاّ أنه اتخذ بعدًا خاصاً و خطيرا بعد سنة 1956،ومعه الفترة الراهنة وخصوصا مند 2011 وما ارتبط بها من حراك شعبي ضد الفساد والاستبداد (حركة 20 فيراير) ووصول التيار المحافظ للسلطة، حيث طالت الظاهرة جميع مناحي الحياة الحزبية والسياسية(بنكيران يتهم شباط / بنكيران يتهم اخنوش / بنكيران يتهم الهمة /اخنوش يتهم بنكيران/ نبيل بن عبد الله يتهم الهمة / لشكر يتهم بن عبد الله…)،وحتى علاقة اجهزة الدولة بالمواطنين اضحت بدورها ضحية هذا الخطاب (اتهام نشطاء حراك الريف بالعمالة و الخيانة و التآمر / اتهام الصحفي حميد المهداوي…)،خطاب اضحى من الظواهر التي تتفنن الدولة و اجهزتها في ممارسته، كما كل الفاعلين السياسيين فيما بينهم …ظاهرة اضحت سلوكا عاما في الخطاب السياسي المغربي عند كل الهيئات كما الافراد، بحيث باتت الاتهامات أسهل الطرق لإنزال الهزيمة بالخصم والانتهاء منه مادياً أو معنوياً. وكلما تعمقت الانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واتسعت، ارتفعت معها وتيرة فعل هذا الظاهرة، وجعلها “الحكم” الناظم في حل الخلافات السياسية و التنظيمية والاجتماعية والاقتصادية و الحقوقية…وإذا كان الجميع اليوم وعبر كل وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الرسمي وغير الرسمي منشغل بارتفاع وتيرة العنف وسط الشارع كما في المؤسسات ( اخرها الهجوم الخطير على ولاية أمن الرباط، وتعرض خمسة أمنيين للطعن)، فإنّ هذا العنف هو الابن الشرعي لسيادة هذا الظاهرة التخوينية/التأمرية وترجمته العملية في الممارسة السياسية وفي اخلاق المجتمع وعلاقة الدولة ومؤسساتها بالمواطن حيث الاخير يحس بالحكرة والظلم…وهي الظاهرة التي تتغذى من جملة عوامل بنيوية تتصل بتكوّن المجتمع المغربي، اولها نوع الخطاب السياسي (خطاب نبيل بن عبد الله تجاه معارضيه نموذجا)،ثم سيادة العصبية والقبلية وتحكم فئة قليلة في كل موارد الدولة، فئة تعيش البذخ و الرفاهية والشعب يعيش الفقر والتهميش والحكرة…تتقاطع جميع هذه العوامل عند غياب ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة و ثقافة الديمقراطية والاعتراف بالآخر والعيش معا مختلفين، إضافة إلى رفض حقوق الشعب ومنع الأصوات المعارضة.

وتزداد وتيرة استخدام هذ “الظاهرة” بعد فشل مشاريع التحديث و الدمقراطة والتنمية، وكلما فشل احد المسؤولين، فارتفعت وتيرة التخوين والتآمرية حتى باتت العدة النظرية التي يرميها الفاعلين السياسيين في وجه كل منتقد لهم أو مطالب بمحاسبتهم على النتائج المترتبة على سياستهم في إدارة البلاد. هكذا على امتداد العقود الماضية، ويوميا، يتشدد هؤلاء الفاعلين/المسؤولين على وتيرة رفع سيف التخوين في وجه القوى التي ترى أنها تشكل تهديدًا، ولو بسيطاً، لمناصبها وسلطتها وتحكمها واستبدادها وفسادها، وهي ثقافة تبدو اليوم النمط الذهني المسيطر والمشترك بين جميع التيارات السياسية والفكرية السائدة في المجتمع المغربي، رسمية أكانت أم غير رسمية ،بحيث لا يكاد خلاف سياسي يخلو، مهما كانت نوعيته، من استخدام خطاب التخوين . فمثل هذا الخطاب مشجباً علقت عليه الازمات الداخلية للتنظيمات الحزبية و المدنية بصفة عامة…وهكذا اضحت ثقافة المؤامرة بمثابة النسق الثابت في كل الخلافات والصراعات السياسية ببلدنا ماضياً وحاضرًا، بل هي تمثل دينامية العقل السياسي وفعاليته في هذه الصراعات…وهنا لا يمكن بالتأكيد إغفال دور المؤامرات الخارجية في صنع الأحداث الداخلية للتنظيمات الحزبية التقدمية الحداثية أو التأثير فيها، وهو أمر يشهد عليه التاريخ، لكنّ هذه الإحالة في العقل السياسي المغربي اليوم توظف في تغييب المسؤولية الذاتية وعدم تشخيص الأسباب الحقيقية للعجز التي تسمح للمؤامرة بالمرور والنجاح(حالتي التقدم والاشتراكية و الاتحاد الاشتراكي نموذجا).

ويمثل الارتفاع المهول و الخطير لخطاب التخوين في نقاشات الفاعلين السياسيين والحزبيين في الصف الديمقراطي الحداثي التقدمي بالمغرب (ادريس لشكر واتباعه من جهة ونبيل بن عبد الله واتباعه من جهة اخرى)مؤخرا وجها من وجوه التدجين الذي اصاب هؤلاء الفاعلين بعد تحالفهم مع المحافظين وتنكرهم لقيمهم ومبادئهم اليسارية العلمية، ومثلهم كمثل الغراب الدي اراد تقليد مشية الحجلة ، حيث يروى انه كان هناك غراب شاهد حجلة تمشي، فأعجبته مشيتها، فحاول أن يقلدها، تدرب وتدرب وحاول كثيراً أن يتقن مشيتها ولم يستطع، فشل فشلاً ذريعاً ثم أنه عندما يئس أراد العودة لمشيته القديمة، فأكتشف أنه نسيها أيضاً لقد فقد هويته بالكامل، فلا عاد غرابا ولا صار حجلة، هكذا كل من ترك أصله مبهورا ببريق ليس له، كن أنت نفسك ولا تكن غيرك ،،
وهكذا هو حال بعض الفاعلين السياسيين و الحزبيين في الصف الديمقراطي الحداثي التقدمي في المغرب اللدين تحالفوا مع الاصولية الدينية التي ترتكز على فكر يرى عماده الرئيسي في الكتب المقدسة التي تشكل مصدر الحقائق وتحدد سلوك الإنسان على الأرض، وتحيط كل أفكارها وسلوكياتها بطابع التقديس، بما يضفي عليها هالة من الرهبة الدينية. يقوم المقدس هنا برسم الحدود الواجب التزامها، بما يجعل كل خروج عنه مصدر تمرد على الله والدين والتعاليم الإلهية، بما يبرر اتهام الخارج عنه بالردة و الخيانة والتكفير. تشكل الهويات الفكرية لهذه الأصوليات القاعدة التي تحكم وتوجه هذه الحركات في الممارسة العملية، وهي مفاهيم ترتكز على الاصطفائية وامتلاك الحقيقة المطلقة واحتكارها ورفض الآخر، وادعاء كل أصولية أنها “الفرقة الناجية”، فيما سيكون مصير الفرق الأخرى النار. ينسحب الأمر نفسه اليوم على أصوليين غير دينيين لجهة تصنيف انفسهم وحدهم العارفين و الفاهمين لواقع الصراع السياسي ببلدنا واعتبار نظرتهم تحمل التحليل الصحيح الذي يستوجب التزامه من دون الأخذ في الاعتبار الرأي الآخر (اسلوب نبيل بن عبد الله في مواجهة معارضيه داخل حزب التقدم و الاشتراكية نموذجا). يكتب الكاتب السعودي تركي الحمد، في كتابه :”السياسة بين الحلال والحرام” :”إذا كانت جماعات الإسلام الحزبي تستخدم على وجه القطع، ثنائية الكفر والإيمان، الحلال والحرام، في تحديد علاقتها بالآخر، الذي قد يكون جماعة إسلاموية أخرى، وفي الحكم على الأحداث والأشياء، فإنّ التيارات غير الدينية، بل والتي يضع بعضها نفسه أحيانا على طرف نقيض مع الخطاب الديني جملة وتفصيلاً، إنما تفعل نفس الشيء حين تلجأ إلى القطيعة في الإدراك، والحكم على أحداث وأشياء هي بطبيعتها من المتغيرات غير القابلة للحكم القطعي” (ص79-80).

وهكذا ادى تغيب التنافس الديمقراطي و احترام الراي الاخر و النقاش العلمي العقلاني داخل تنظيمات الصف الديمقراطي الحداثي التقدمي في بلدنا إلى مسلكين يصبان في هدف واحد، يتناول الأول العلاقات الحزبية الداخلية حيث ينظر إلى الاختلاف في الرأي أو معارضة القرارات الحزبية للزعيم بمثابة تمرد تقف وراءه مؤامرة تستهدف وحدة الحزب (حالة الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية مع بعض رفاقه)، فيما يتصل المسلك الآخر بنظرة الأحزاب إلى بعضها البعض، وهي نظرة تضمر كل واحدة منها وجود مؤامرة تهدف تقليص الموقع أو الإطاحة به(حالة التقدم والاشتراكية مع الاتحاد الاشتراكي) .

قيادات سياسية ضمن الصف الديمقراطي التقدمي الحداثي (الاتحاد الاشتراكي / التقدم والاشتراكية نموذجا)تمارس سياسة تشبه إلى حد بعيد ما تقوم به قيادات الاحزاب الدينية الأصولية، فرموا معارضيهم بصنوف متنوعة من التآمر والتخوين، وسلطوا أبشع أنواع التهميش والاقصاء والقهر على المخالف لفكرهم وسياستهم و تدبيرهم التنظيمي، واستخدموا أساليب كان أقلها ضرد المخالفين و اتهامهم بالغوغاء و الخيانة و البلطجة (حالة الاتحاد الاشتراكي مع الكاتب المحلي للحزب بإنزكان السيد رشيد بوزيت نموذجا)،فنفت وهمشت وأهدرت طاقات و كفاءات. وهكذا حملت الأحزاب السياسية في المغرب منطق الاتهام المتعدد الجوانب إلى المخالف من الأعضاء لما تقول به القيادات النافذة، واستخدمت سلاح المؤامرة والخيانة للمشكك أو الرافض.

التخوين السياسي مصطلح يعبر عن عقلية إقصائية تحكمية استبدادية، وعن أزمة سلوكية وفكرية سياسية، بل أخلاقية تعاني منها اليوم كل التنظيمات الحزبية المغربية، مما افقدها الشرعية وجعل بعض الاطراف تحاول استغلال دلك لتجاوز سيادة الشعب، الأمر الذي مكـّن الانتهازيين المقنعين بشعارات “المصلحة العامة “من احتلال واجهة العمل السياسي ومناصب المسؤولية…ومثل هؤلاء لن يترددوا في التعاون،بقصد أو بدون قصد، مع أعداء الشعب والوطن من أجل تأمين وضعهم باعتبارهم “زعماء “ورجال دولة.

فهل يتعقل الرفيق الامين العام لحزب التقدم و الاشتراكية و ينزل من برجه الى الارض و يستمع لمئات الرفاق والرفيقات اللذين نالهم الظلم التنظيمي؟؟؟ بعيدا عن سياسة تهريب النقاش عبر استراتيجية توجيه الاتهامات المجانية -للرفاق والرفيقات المعارضين لتدبيره السيئ للحزب و هياكله- بالتآمر و الخيانة و غيرها من اسطواناته التي يرددها مند 1998، و اتبت التاريخ و الواقع انها كلها كانت غير دي جدوى .

بواسطة : محمد امنون / مستشار جماعي باسم حزب التقدم و الاشتراكية

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. هذا الإنسان مكروه في جل الأوساط هو من خذل الناس حين تآمر مع بنكران الحلايقي المهرج وهو اللذي تنازل على مبادئ الحزب عندما طلب شكارة السكن لما فيها من … وجاءه الجواب فطرد من الحكومة البئيسة و كان من المغضوب عليهم والآن يبكي وينوح مثل الناقة حين يتركها الجمل في الصحراء .
    باز أسيدي مافيك نفس.

  2. نبيل بن عبدالله عندو فيلا تمنها يسكن 30 عائلة
    حزب جد متواضع يعض بالنواجد للمشاركة في الحكومة رغم ان نواب الحزب لا يشكلون حتى فريق لكرة القدم
    التلميد المطيع لسيده بن زيدان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى