ٍ”التّْشْرْميلْ” مؤشر قوي عن فشل التعليم العمومي والخاص

بداية من الناحية التحليلية النفسية فإن “التّْشْرميلْ” لا يعتبر فقط مجرد ظاهرة إجرامية بل يعد أمراً أخطر وأبعد من ذلك بكثير. وكمحلل نفسي أتساءل هنا لماذا “المُشَرْمِل” يقوم بالضبط بتشويه وجه المواطن بجروح بارزة؟ هل هناك رموز وراء هذا التشويه؟ وهذه محاولتي لفك شفرة هذا العمل المشين الذي يترك آثاراً لا تمحى في وجه المجتمع ككل.
عادة المجرم يلجئُ إلى استعمال السلاح الأبيض ليُخيف ضحيته وإذا لم يتوصل إلى تحقيق غرضه يقوم بضربها وإصابتها في البطن أو الذراع ويحترم الوجه.
الوجه هو المساحة التي تعبر عن مكنونات الإنسان سواء ما يحدث في جسده أوبالنسبة لمعنوياته النفسية ويعبر المجتمع عن هذا بسهولة مثل (وْجْهو مْنْوّْرْ أو وْجْهو ضْعافْ أو صْفْرْ أو وْجْهو مْبشورْ أوْ وْجْهو مْهْمومْ ). بمعنى آخر الوجه هو الذي يُعرف بكل شخص مثل بطاقة التعريف التي تحمل صورة وجوهنا فقط. كما نتواصل بوجوهنا حيث نقرأ عدة رسائل بدون استعمال لغة اللسان.

لماذا تشويه الوجه بالضبط بالسلاح الأبيض؟

نعرف أن الذين يقومون بتشويه الوجه هم عادة من أفراد العصابات الإجرامية بصفة عامة. فنجد عصابة ما، تشوه وجه فرد من عصابة أخرى لغرضين، الأول ليراه كل أعضاء عصابة الضحية والثاني أن يبقى التشويه علامة بارزة للتذكير. وبطبيعة الحال هذا العمل له قوة أكبر بكثير من التهديد اللفظي.
الآن نفهم أن ما يقوم به المُشَرْمِلون من توشيه لوجوه المواطنين له رموز ودلالات عديدة ولا يتعلق الأمر فقط بمجرد عمليات السرقة تحت تهديد السلاح لأننا نعرف جيدا أن أي شخص سقط في فخ سارق بيده سلاح أبيض يستسلم له في الحين ويعطيه كل ما لديه، فلماذا يَقدم المجرم بعد ذلك بتشويه وجه الضحية سواءً كانت امرأة أو رجلاً و “يْشْرّْطْلو الوجه بشكل فظيع”؟

1- فشل الشكايات والمظاهرات والخرجات والمقاطعات

منذ سنوات طويلة والمجتمع المغربي يشكي ويبكي ويطالب بأساليب سليمة لمعاناته وظروفه القاسية ومرارة عيشه وفقره وحرمانه من حقوقه في جميع المجالات. ولكن رغم كل هذا يرى أن صوت آلامه لا تصل أذن من وعده بالعيش الكريم. ولهذا نرى الطبقة التي سُحقت كرامتها بالكامل وخصوصا الشباب، بالقيام بأعمال تخريبية وإجرامية خطيرة والتي تدخل في خانة الاضطراب النفسي والتي نشخصها في الطب النفسي بِ “الشخصية المعادية للمجتمع”. وأعتبر ظاهرة التشرميل عبارة عن انتفاضة ضد مجتمع “ساكتْ وحامدْ الله على الدّْلْ وْ التّْبْهْديلْ”. بعبارة أخرى يقوم مجتمع المشرملين بثورة ضد الاستعمار المغربي.

2- وجه الضحية هو بمثابة شاشة المجتمع

يعلم المجرم أن المجتمع بكامله سوف يرى التشويه على وجه الضحية و يعمه الرعب من هذا العمل الفظيع لأن هذا الوجه البشري كان بإمكانه أن يكون وجه أي مواطن آخر. فـالمجرم هنا لا يصفي حسابات مع هذه الضحية بالضبط بل يصفي حساباته كلها مع المجتمع المستعمِر بأكمله على حساب وجه فلان أو فلانة والدليل على هذا أنه يمارس إجرامه بوجه مكشوف في وضح النهار تحت أنظار المواطنين وعدسات الكاميرات وكأنه يشوه شاشة وجه المجتمع.

2- رسائل تْشْرميلْ الوجه

كثيرة جدا تلك الرسائل وأهمها عدم تحمل الظلم السائد في المجتمع وغياب الحقوق الإنسانية الطبيعية وسحق كرامة المواطن وانعدام المساواة بين طبقات المجتمع والفوارق الشاسعة في الحظوظ في جميع المجالات (الدراسة والمدارس والسكن والعلاج..) وكذلك التهميش.

3- بتر المُشَرْمِلْ

يرى المُشَرْمِلْ أنه مرفوض من المجتمع المُستعمِر ولا يُعتبر مواطنا مثل الآخرين وكأنه عضو مصاب بمرض خبيث وتم بتره من جسد المجتمع (التهميش) حيث يتساءل وما ذنبه؟ هل خُلق من البداية مْشْرْمْل؟ هل إذا وُلِد في عائلة لها إمكانيات مادية وثقافية لتربيته وعلاجه ودراسته في مدرسة خاصة هل سيكون مْشْرْمْلْ؟ هل الْمُشَرْمِلينْ ينتمون إلى عائلات غنية ودرسوا بمدارس خاصة وحصلوا على دبلومات و شواهد عليا ويشتغلون ويعيشون بكرامة؟ بالطبع من المستحيل ان نجد مُشَرْمِلين بتلك المواصفات ولذلك يجب أن نرى بوضوح أن المْشْرْمِلينْ هم نتاج فشل المجتمع وانهيار منظومة التعليم العمومي وحتى التعليم الخاص وهم ليسوا بأي حال من الأحوال مجرمين جينيا بالوراثة. و لذلك فإن المعالجات الامنية و القانونية لا تكفي لوضع حد كامل لهذه الظواهر التشرميلية المتفاقمة في جسد الوطن.

 

الدكتور جواد مبروكي، طبيب نفساني وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

 

، 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ليس فشل التعليم فقط بل كل شىء في المغرب فاشل هل تعرفون لماذا؟ لأن التنمية التي تخلق فرص الشغل رهينة بمحاسبة سارقي المال العام

  2. التشرميل دليل على بلاد السيبة و استقالة (الدولة) عن القيام بدورها و عن غياب أية سياسة هادفة وعن تكريس الجهل و الفقر من أجل حفاظ نفس النخب على (مصالحها) و توريث نفس الوضع لأبناءها و سد الطريق أمام الآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى