عن تأثير السمعة على الاستعمال الأمثل لشبكات التواصل الاجتماعي..حالة ”رجل السياسة’

إن المتتبع لشبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك و تويتر سيلاحظ لا محالة التهافت المتزايد للساسة المغاربة, رجالا و نساء, لتسجيل الحضور على هذه المنصات الجديدة للتواصل. و يمكن تفسير ذلك بالتبني المكثف لهذه الشبكات من طرف مستعملي الانترنيت, إذ تشير الإحصائيات الأخيرة للوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات أن ما يقارب 20 مليون مغربي يلجون إلى الانترنيت من اجل الانخراط, التتبع والمشاركة في مضامين هذه الشبكات. كما أن هذه الشبكات أضحت, حسب العديد من الدراسات, مصدرا أساسيا لهؤلاء المنخرطين من اجل الحصول على المعلومة. ومن البديهي أن الهدف من تواجد رجال السياسة على شبكات التواصل الاجتماعي هو تحقيق مكاسب من قبيل كسب تعاطف وود المنخرطين و حشدهم لدعمهم خاصة خلال فترة الانتخابات.

لكن ما يجهله أو يتجاهله هؤلاء هو الارتباط الوثيق بين العالمين الافتراضي و الواقعي, كما أن المشكلة ليست متعلقة بالتواصل بل بالمصداقية بالدرجة الأولى. فحسب العديد من الدراسات, تلعب سمعة رجل السياسة في الواقع دورا حاسما في إمكانية اكتسابه لغنائم من استعماله لهذه الشبكات. وقد ثبت أن هذه الأخيرة تشكل سلاحا مزدوجا. فهي تبقى مجرد أداة فعالة لنشر ما هو ايجابي و سلبي على حد سواء, و ربما تعطي فرصا إضافية للتعريف بكل ما هو مثير من إشاعات و أخبار زائفة أو ذات طبيعة شخصية. نذكر هنا على سبيل المثال حالة بعض السياسيين المغاربة الذين شكل تواجدهم على هذه الشبكات فرصة لمستعمليها من اجل التفاعل مع المضامين التي ينشرونها بالنقد و السخرية و الكشف عن معطيات و أسرار قد تزيد من الإضرار بسمعة ناشريها. ولعل فقدان إمكانية التحكم في المضامين المنشورة على الحسابات والصفحات الافتراضية هو ما يقلص من هامش تحرك هؤلاء و يجعلهم رهينة تعاليق و ردود باقي المستعملين. وهذا هو ما يفسر ربما الاستعمال المحدود لرجال السياسة لخاصيات التفاعل المتاحة على هذه المنصات الرقمية.

إن ما يسمى ”السمعة الرقمية”, والتي تؤثر بلا شك على مكاسب رجل السياسة من شبكات التواصل الاجتماعي, ليست إلا امتدادا و انعكاسا لسمعته في الواقع, خاصة إذا كان المعني بالأمر يحضا بشهرة واسعة. هذه الأخيرة تجعله محط تتبع أعضاء الشبكة الذين يتقاسمون تعاليقهم مع أصدقاءهم و داخل المجموعات و الصفحات التي ينتمون إليها, مما يتيح لها انتشارا واسعا و سريعا. لكن أهم خاصية تتميز بها شبكات التواصل الاجتماعي في ما يتعلق بسمعة رجل السياسة هي سهولة الوصول إليه وكذا إمكانية الفعل و التأثير داخل المساحات الخاصة به في العالم الافتراضي. الشيء الذي لا يكون دائما متاحا على ارض الواقع. كما أن تعاليق و أحكام متتبعيه تكون لها في الغالب مصداقية أكثر لذا أصدقاءهم والذين يتفاعلون إيجابيا معها فيساهمون بذلك في نشر و تزكية صورة سلبية عنه.

إن ما نريد قوله في هذا المستوى هو أن محاولة البعض من رجال السياسة توظيف شبكات التواصل الاجتماعي لتلميع صورتهم لذا مستعملي الانترنيت ينطبق عليها المثل القائل, لا يصلح العطار ما أفسده الدهر. فنحن لسنا إزاء وسائط عمودية للاتصال يكون فيها الناشر هو المنتج الوحيد للمعلومة أو الخبر, مما يتيح له إمكانية التأثير في الرأي العام, بل على العكس تماما أصبح المتلقي هو الحاسم في مصداقية هذه المعلومة أو الخبر عن طريق ردوده و تعاليقه. ومثال ذلك ما تنشره بعض المواقع الإخبارية الالكترونية عن بعض السياسيين, بإيعاز منهم أحيانا, و الذي يثير تعاليق قراء يقومون بتكذيب و تصحيح هذه الأخبار فينقلب بذلك السحر على الساحر.

من المعلوم أن السمعة تشكل رأسمالا حقيقيا لأي رجل سياسة, كما يمكن اعتبارها أيضا ما يملكه كضمانة لتحقيق وعوده. وكونها مفهوما تاريخيا يجعل فعالية الخطاب والفعل السياسيين على أي من الوسائط, سواء كانت الكترونية أو لا, ترتبط أيما ارتباط بكيف يتمثل المستهدفون مسبقا صاحبه و بمدى مصداقية الأقوال و الأفعال على حد سواء. فرجل السياسة حينما يلج إلى شبكة فيسبوك مثلا لا يأتي من فراغ , كما أن ما يهم متتبعيه هو مواقفه و أفعاله على ارض الواقع, و موضوع السياسة في أخر المطاف هو المعيشة اليومية للمواطنين. لكن هذا لا يعني عدم إمكانية تدبير أو حتى بناء سمعة معينة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي. فهذه الوسائط تتيح أولا لرجل السياسة إمكانية الشهرة و الخروج من الظل خاصة بالنسبة لمن لهم طموحات على الصعيد الوطني. كما أنها تعطي فرص و فضاءات لتصحيح الأخبار الزائفة و مواجهة الإشاعات التي يروج لها بعض الخصوم السياسيين عن طريق تقديم توضيحات. إضافة إلى أن التواجد الفعال على هذه المنصات الرقمية يعطي الانطباع أن المعني بالأمر قريب و منصت ومتفاعل مع انشغالات و متطلبات متتبعيه. زيادة على أن نشر و تقاسم مجموعة من المواقف و الأفكار مع المنخرطين من شأنه أن يساهم في تشكل أراء عامة حول مدى القدرة على تدبير الشؤون العامة.

إن هذا المعطى هو الذي يدفعنا إلى القول في الأخير إن العلاقة بين العالم الافتراضي, خاصة منصات التواصل الاجتماعي, و العالم الواقعي في حالة رجال السياسة علاقة معقدة. فرغم وضوح الهدف من التواجد و الاستثمار في هذه الشبكات الافتراضية (إما الحفاظ على المواقع و المكتسبات أو تعبيد الطريق للوصول إلى هذه المواقع و الغنائم), فان السبيل إلى ذلك يتجاوز قدرات و إمكانيات العديد من هؤلاء في بلادنا. فإذا رجعنا إلى التجارب الرائدة في الدول الأخرى فيما يتعلق بالاستعمال الأمثل لهذه الشبكات, نجد أن رجل السياسة يكون دائما محاطا بفريق من الخبراء و المستشارين سواء في الجانب التقني أو ما يرتبط بالجانب الشخصي. كل هؤلاء يتم تجنيدهم من اجل تدبير سمعته الرقمية و تسويق صورة ايجابية لذا مستعملي الانترنيت. و كون هؤلاء يشكلون بدون شك خزانا لناخبي الغد, يفرض على هذا الفريق من المتخصصين العمل من اجل ترسيخ انه هو الرجل المناسب في المكان المناسب.

وختاما, يمكن القول أن الاستعمال الأمثل لشبكات التواصل الاجتماعي من طرف رجال السياسة يقتضي الحرص على بناء سمعة رقمية جيدة. و هذا لا يتأتى بطبيعة الحال بدون امتلاك ماض و حاضر جيدين في العلاقة المباشرة مع المواطنين و كذا الموارد و الوسائل اللازمة لتسويق و الدفاع عن هذه الصورة لذا مرتادي هذه المنصات الرقمية.

 احديدو اسماعيل / باحث في تسويقال السياسي الرقمي 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى