الحكومة وضرورة تصديها لمافيات التعليم الخصوصي

 

عبد اللطيف مجدوب 

استنزاف طاقات الأسر المغربية

عند بداية كل موسم دراسي جديد تعلن حالة طوارئ ، داخل الأسر المغربية ، جراء اللوائح النارية التي يتلقاها أبناؤها من المدارس ، أو “العلب البشرية” التي يتمدرسون داخلها ؛ لوائح مثقلة بعُدة مدرسية تنحصر نفقاتها بين 8000,00 دهـ إلى 9000,00 دهـ ، بين الكتب والكراسات والدفاتر والأوراق والملفات والمحافظ ، واللوازم اليدوية التي تغطي أدوات ولصاقات ومعجونات وأقلام ومعدات ؛ يحار العقل في وصفها وتعدادها وأسواق اقتنائها .. وفي جملتها لا تحمل تسعيرات رسمية ولا إشارة بتبنيها من طرف وزارة التربية الوطنية ، بقدر ما هي مملاة من جهات أجنبية ؛ تربطها بهذه المؤسسة أو تلك “شراكة الاحتيال” على جيوب الأسر المغربية مقابل إتاوات وبقشيش .

نموذج لعُدّة مدرسية مفروضة

مؤسسات التعليم الخصوصي في المغرب تصدرت المشهد التعليمي في استقطاب التلاميذ غداة تناقل الرأي العام الوطني إفلاس التعليم العمومي والمصير الكارثي الذي أصبح عليه التلاميذ المنتسبون إليه ، بفعل أمراض مزمنة تعتمل داخله كسلسلة الإضرابات المتوالية وحمى الشواهد الطبية بسبب وبدونه وغياب المراقبة التربوية .
في غمرة هذا الواقع التعليمي المتأزم ، وحرصا من جانب الأسر على تأمين بيئة مدرسية “سليمة” لأبنائها، انتعش قطاع التعليم الخصوصي ، لكن سرعان ما تغول ؛ في سياق ملاحظته للطلب الذي أصبح يفوق العرض ؛ فتضاعفت وتعاظمت رسوماته ونفقاته ، وواجباته التي لا تخضع لأية مقاييس أو اعتبارات سوى امتصاص جيوب الأسر . ولتقريب صور هذا النزيف من القارئ نورد النموذج المصغر التالي :

أسعار خيالية مثبتة بقلم الرصاص !

هناك ظاهرة يصطدم بها الآباء عند اقتنائهم للوازم المدرسية لا سيما الكتب والكراريس ، والتي لا تحمل أية تسعيرة مطبوعة ، ولدى استفسارهم لهذا “التلاعب” يتحجج أرباب المكتبات بأنها مستوردة من فرنسا/الخارج ، فيضطرون إلى تثبيت أسعار تتلاءم مع رسومات اقتائهم لها مع رسومات الشحن والنقل ، وهكذا فإذا كان الكتاب بسعره الأصلي 200,00 دهـ يتحول إلى المكتبة (المغربية) ب 300,00 دهـ أو أكثر ، ناهيك عن الكراسات والمعدات المدرسية المجلوبة من الخارج التي تكلف اقتناء الأداة الواحدة منها زيادة تفوق 50% من ثمنها الأصلي !

مافيات التعليم الخصوصي .. بأي معنى ؟!

يعلم المغاربة جيدا ؛ سيما المتتبعين للشأن التربوي المغربي أو المقربين من محيطه ؛ أن معظم المشرفين على مشاريع قطاع التعليم الخصوصي وبنسبة تفوق %80، من مالكي البنايات المدرسية أو مدرائه ، يشغلون مناصب مركزية بوزارة التربية الوطنية أو على علاقة شراكة بهم ؛ إلى درجة التحكم في إدارته وتأطيره بمزاجياتهم الخاصة وكل ما يخدم أغراضهم التجارية ، لذا كنا نجد ؛ في الحواضر الكبرى ؛ مؤسسات تابعة للتعليم الخصوصي ، تملك أساطيل من عربات النقل المدرسي ، ولها مناهج وكتب مدرسية ، في معظمها غير مصادق عليها وتتنافى مطلقا مع مقررات الوزارة الوصية ، هذا فضلا عن علاقات مشبوهة تربطها بجهات وشركات أجنبية (دور النشر والمعدات التعليمية ) لتسويق منتوجاتها على مستوى الكتب والأدوات واللوازم المدرسية ؛ تتحين فرصها عند كل دخول مدرسي لإغراق “لوائح الكتب واللوازم” بمعدات وكتب وكراسات ، تصل النسخة الواحدة منها إلى 250 دهـ ، ناهيك عن “أدوات حرفية” يستدعي استعمالها خبرة كبيرة ، فكيف توصف لطفل/تلميذ تابع للتعليم الأولي أو التعليم ما قبل المدرسي ، والحال أنها تودع لدى الإدارة ولا تستعمل مطلقا من الطفل/التلميذ ، كما لا يستردها في آخر السنة . فماذا يعني هذا ؟!

دور جمعيات آباء وأولياء التلاميذ

هذا الجهاز التربوي الهام معطل لا وجود له على أرض الواقع إلا بنسبة جد ضعيفة وخال من أي أداء فعال ، ويكاد دوره يختزل في حضور المناسبات الاحتفالية ، سيما عند اختتام السنة الدراسية ، وهناك من مؤسسات التعليم الخصوصي ما يحظر ؛ في إداراتها ؛ وجود جمعية بهذا المعنى ، تحاشيا لكل جهة أو جهاز يجعل نصب عينيه كشف عورات وألاعيب هذا الفصيل من التعليم .

مردودية التعليم الخصوصي

تبعا لنتائج دراسات وأبحاث ميدانية ، أجريت حديثا على هذا القطاع ، تبين أن مهمة هذا التعليم “ترويضية” أكثر مما هي تربوية تعليمية تعلمية ، تسعى ، بالدرجة الأولى ، إلى استئناس التلميذ “بتجريبات” Tests الاختبارات والمراقبة المستمرة بغرض “النجاح” فيها ، وبالتالي إدراج كل المتعلمين في نهاية السنة ضمن لوائح “المنتقلين” ، وهناك من المدارس ما تقتصر برامجها ـ في التعليم الأساسي ـ على جملة محدودة من المواد كاللغات والرياضيات ، فينشأ التلميذ عاجزا عن مسايرة التعليم والتعلم في الإعدادي والثانوي العمومي ..

امتدادات خطورة التعليم الخصوصي إلى الجامعي …

مع مجيء البيجيدي إلى الحكومة ، تناسلت ؛ وبصورة غير مسبوقة ؛ ظاهرة المؤسسات التابعة لقطاع التعليم الخصوصي وامتد أثرها ؛ في العقد الأخير ؛ إلى التعليم الجامعي ” التعليم الجامعي الخصوصي ” والمنتشرة في كل من مدن الدار البيضاء وفاس والرباط ، وربما قريبا في مراكش وطنجة … وتعرف رسومات الانتماء إليها مبالغ خيالية ، تجمع بين التأمين الإلزامي والبرامج وحلقات العروض لتتجاوز أحيانا 80,000 دهـ ثمانين ألف درهم سنويا ، يزعم المشرفون عليها ؛ ضمن توجهاتهم العامة لتكوين الطلبة ؛ أن مؤسساتهم تحظى بالقبول في سوق الشغل ، وتعطاها الأسبقية في توظيف الخريجين ، مما يفتح الباب مشرعا أمام مصداقية الحكومة نفسها ، ويجعلها على المحك حينما تفتح آفاق الشغل أمام خريجي هذه المؤسسات الخصوصية ، لكنها توصدها أمام خريجي التعليم العمومي .

ضرورة تدخل الحكومة

حماية للقدرة الشرائية لدى الأسر المغربية ، وتصديا لكل أشكال الجشع الذي يطبع تواصل الإدارة المدرسية الخصوصية مع آباء وأولياء التلاميذ ، أصبح من الضروري بمكان على الحكومة ؛ وليس قصرا على الوزارة المكلفة بعينها ؛ تحديد سياسة شفافة واضحة المعالم تجاه كل المؤسسات المنضوية تحت سلك التعليم الخصوصي ؛ في شكل مذكرات تنظيمية وإجرائية ، تخص المحافظ البيداغوجية الواجب توفرها لدى التلاميذ ، بما فيها الكتب والكراسات واللوازم والمعدات المدرسية ، مع تحديد رسومات التسجيل والتأمين والنقل المدرسي ، مع إمكانية تحديد واجبات الإطعام الداخلي .
هذا وتعين لجان على المستوى الأكاديميات الجهوية والمديريات التعليمية للسهر على أجرأة هذه السياسة ومراقبة المحافظ االبيداغوجية للتلاميذ ، مع إعداد تقارير بشأنها ، ليتسنى ضبط الدخول المدرسي وضرورة استجابته لسياسة الوزارة ، مع رصد الحالات التي تتنافى مع هذه السياسة أو التي تسن لنفسها إجراءات خاصة بها .

* كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى