مع كل عيد..جشع ولهف وحالة طوارئ

محمد منفلوطي_هبة بريس

سباق محموم، هرج ومرج وصراخ، تدافع في الطرقات، وحرب شرسة أمام أبواب المتاجر والمحلات، من أجل اقتناء المستلزمات بكميات كبيرة قد يكون المرء في غنى عنها، كأن الأمر يتعلق بالإقامة بمنطقة منكوبة لا زاد فيها ولا طعام، أو كأن البلاد مقبلة على تخطي السنين العجاف ضمن حالة طوارئ لا تبقي ولا تذر.

عُــــــــذرا يا سادة، فمناسبة العيد ليست مواجهة مع شبح الجوع الفتاك كما تحمله مخيلة البعض، بل هو سنة مؤكدة يراد من وراءها أخذ الدروس والعبر في الأخلاق والتضامن والتآلف والتآزر، وتكريس لسنة نبينا ابراهيم الذي قدم ابنه اسماعيل كقربان لله عن صدق، قبل أن يفتديه الله بذبح عظيم كصورة من صور شكر الله -عزّ وجلّ- على تمام العبادة والهدى، ناهيك عن ادخال السرور على الأطفال والفقراء والأقارب والأرحام، إذ أنه يجمع المسلمين على البرّ والتقوى والرحمة والتسامح والتذكير بحقّ المحتاجين عليهم، وليس فرصة للتفاخر والتباهي بصور الأكباش على مواقع التواصل الاجتماعي دون الاكثرات بمشاعر الأسر التي لم تتمكن من اقتناء الأضحية لإدخال الفرحة على قلوب صغارها.

عـــــذرا ياسادة، الكل يسأل ويسائل الجميع عن سبب تحول معظم مدننا وأسواقنا وشوارعنا إلى ما يشبه أسواقا عشوائية، بفعل انتشار مظاهر البداوة ورمي النفايات والقذارة، والتطاول على الممتلكات، ومنهم من يسأل عن غياب دور الجهات الوصية في الحد من شجع أصحاب المحلات شغلهم الشاغل الربح أولا، يتحكمون في الأسعار دون حسيب ولا رقيب، لتبقى الأسر المعوزة التي شاء القدر لها أن تنخرط في دهاليز هذا الموقف وتتذوق مرارته من أبرز ضحاياه.

عذرا ياسادة، فمناسبة العيد، تحمل في طياتها نسمة معطرة من الغلاء والزيادة المهولة في المصاريف بفضل جشع مالكي الدكاكين والمتاجر الكبرى، الذين عزوا الأمر إلى الاقبال المهول للمواطنين، حيث لم يجدوا أمامهم سوى جيوب هؤلاء البسطاء لاستنزافها في ضرب صارخ لقيم الإنسانية في ظل الغلاء المتزايد و المستمر لأسعار المواد الاستهلاكية والمواد الأساسية وتوالي المناسبات، التي تتطلب ميزانيات استثنائية، بدءا بشهر رمضان وعيد الفطر، ومرورا بالعطلة الصيفية، وانتهاء بالموسم الدراسي المقبل، خصوصًا لدى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، والتي تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، التي تلجأ غالبيها العظمى إلى الاقتراض من أجل سد العجز في الميزانية المتهالكة أصلا، وهي الوضعية التي تساهم في زيادة أرباح شركات القروض، تماشيا مع مقولة (مصائب قوم عند قوم فوائد)…

عذرا يا سادة، فالمغرب ليس بلد مجاعة، مادامت مطارح النفايات كل صباح ملأى ببقايا الطعام أمام بيوت المواطنين، ومادامت قطع الخبز الجاف تقدم كعلف رئيسي للمواشي فلا حديث هنا عن تضخيم الأمور وربطها بوقائع عادية سببتها الدعايات الزائفة وحب الذات واللعب على ورق الفقر وقلة ذات اليد.

ياسادة، ففي الأسواق الازدحام من بدايته الى نهايته مع تفرعاته، الكل يحافظ على العادات والتقاليد والطقوس بشرائه الملابس الجديدة ومستلزمات العيد، ومن الناس من ينشغل باستلام مبالغ الزكاة والصدقة ويعتبرها مخرجاً مؤقتاً من حالة الفقر التي يتخبط فيها أملا في تحسين وضعه الأسري، فيعمل على شراء الحاجات الضرورية دون غيرها، ومن الناس من يحاول اقناع صغاره بشراء الحاجيات المدرسية كبديل عن مستلزمات العيد “أوليدي نشري ليك شُكّارة أحسن باش تدخل للمدرسة”.

في الأسواق، التجار بدورهم تفننوا في عرض منتوجاتهم وكثفوا من حملاتهم الإعلانية في محاولة منهم لاستقطاب الزبناء بترحيباتهم المعسولة لإخراج الأموال من جيوب المواطنين “المنهوكة” أصلا.

عبد العزيز وهو مواطن مغربي، استجاب بدوره لرغبة أطفاله ونزل معهم إلى عالم التسوق وسط شدة الزحام انطلق تائها بين شراء المتطلبات الأساسية من سكر وزيت وبصل وفحم وبين شحد السكاكين، وبين لباس العيد والاستعداد ليوم الوعيد يوم الدخول المدرسي الذي يأتي ككل سنة محملا بنكهة معطرة من الغلاء والزيادة المهولة في مصاريف التسجيل والتأمين والواجب الشهري بفضل جشع مالكي بعض المؤسسات الخاصة…عذرا ياسادة فمع كل عيد جشع ولهف وحالة طوارئ

تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Google News تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اجمل مقال قرأته في موقعكم، مقال لا يشم فيه رائحة زيد دفع باش نوسخ الضوسي ويطلع ثمن البروسي، مقال يصف بشكل دقيق وعميق الحالة اللتي يعيشها الناس في هذا العيد وفي كل عيد شكرا صاحب المقال كفيت ووفيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
close button
إغلاق