أن تخالف العربي في الرأي فأنت تُقصيه!

ظاهرة قديمة حديثة

وحتى في مكالماتنا ولو من وراء حول طاولاتنا المستديرة وخلال ندواتنا ولقاءاتنا المبرمجة أو العابرة ،البحار والقارات،،،دائماً وأنت تتحدث بحضور عربي وافد أو مقيم ستستشعر من كلامه وزيغ نظراته أنه يُقدم
عليك بمقدار ما تتبنى خطابه وتؤسس عليه في الحجاج أو النقاش العام، وأحياناً يشيح عنك بوجهه إذا أنت حاولت جداله أو انتقاد طروحاته… وكم من ”مطارحات فكرية ”ونقاشات ومساجلات تتحول حصيلتها إلى لغو وهدر للوقت ، يعقبها شعور بالندم على مصارحتك للصديق وتفنيد آرائه حتى انقلب خصماً وعدوا..

تربيتنا وارتكازها على الأبوسية

هناك جذور عميقة بالغة في القدم ، شكلت نوايا الفكر العربي وخصوصياته؛ لعبت فيه الأصولية القبلية الصحراوية دورا بارزا ثم جاءت من بعدها الأصولية الإسلامية ”الضيقة” أو بالأحرى الفهم الإسلامي الضيق والمتزمت لتكرس هذا المنحى في الهوية/الخصوصية الفكرية العربية التي منحت “للكبير”والأب والشيخ والإمام والأستاذ… السلطة المعرفية لتقصيها عن الآخرين، فإذا تحدث الكبير في السن؛ جدّا كان أو أبا فعلى الصغير والإبن الإصغاء والطاعة، وإذا تحدث الأب.. فمن واجب الإبن الامتثال واعتبار أفكار والده وأوامره غير قابلة للنقاش ، أما أحاديث الشيخ فهي “حكمة” لا تضاهى ، كما أن معلومات ”الإمام”حجة ملزمة للآخرين ، وكذا الأمر بالنسبة للتلميذ والطالب أمام الأستاذ والمعلم ، فمعلوماتهما تتخذ مرجعية في اليقين غير القابل للمراجعة أو مجرد مناقشة وإبداء الرأي.
وهكذا ترى أن هذه التراتبية في السلطة التربوية والمعرفية تشبه إلى حد بعيد التراتبية البيروقراطية والعسكرية ، كل من المرؤوس والجندي عليه الامتثال ”لتعليمات”رئيسه أو ضابطه العسكري إلى درجة الطاعة العمياء ، أما إذا كان هناك استثناء بما يشبه محاولة إبداء رأي فهو إعلان عن عصيان وتمرد مكشوفين .

نتائج هذه العقلية المتحجرة

تترتب عنها نتائج وخيمة ، ما زال الإنسان العربي يعاني منها حتى الآن ، من تداعياتها عدم القبول بالآخر وازدراء النقد وتصلب في الرأي ، وحصد الخلاف أمام أبسط الأمور… وأحياناً تنزع الثقة، وقديما قيل ”اتفقوا على ألا يتفقوا ”وهي مأثورة ما زالت سارية في ثقافتنا تجاه الآخر ، حتى إن المحاكم تزدان بقضايا جنحية ومدنية ، فتيلها كان بالأساس اختلافات تافهة ، كما أن شراكاتنا ومؤسساتنا الاقتصادية متعددة الرساميل غالبا ما تعتورها اختلالات ناشئة بالدرجة الأولى عن نزاعات ظرفية وضعف الثقة بين الشركاء.

عقلية متحجرة وأخرى دينامية

على النقيض من كل هذا ، نجد التربية الغربية وفي صلب عمودها تقوم على الاعتراف بالآخر واحترام رأيه والعمل على إشراكه كمكون في كل عمل جمعوي أو تعاوني… سيان بين أن يكون كبيراً أو صغيراً أبا أو إبنا، رجلًا أو امرأة غنيا أو فقيرا.. لذا وجدنا أن العمل الجمعي لديهم يتوج بالنجاح ، كما أن عجلة التنمية في كل آلياتها تعرف الانتقال من طفرة إلى طفرة أفضل منهابخلاف العقلية المتحجرة التي تكون سبباً وراء كل عطل أو اختلال يصيب جهاز التنمية برمته ، مع ما له من صلات وثيقة بسوء التدبير والحكامة.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى