رجال القانون و الإعلام ينسجون خيوط الالتقاء بين القضاء و الإعلام

هبة بريس – عبدالحي بلكاوي

“القضاء والإعلام … أي سبيل لعلاقة متفاعلة ” هو عنوان لندوة أكاديمية، اعتبرت هي الأولى من نوعها بجهة الغرب، و التي جرت فصولها داخل أروقة المحكمة الابتدائية بمدينة سيدي قاسم، وساهم في تأطيرها عدد من الخبراء و المختصين في مجال القانون و القضاء و الصحافة و الإعلام.

الندوة المشار لها استهلت بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلتها قراءة الفاتحة ترحما على المرحوم عبد الهادي الهادي الموظف بالقوات المساعدة الملحق بالمحكمة الابتدائية بسيدي قاسم والذي وافته المنية صباح يوم الندوة ، ليتناول بعدها الكلمة الأستاذ “إدريس الحميداوي” رئيس المحكمة الابتدائية بسيدي قاسم، و كذا الأستاذ “سهيل شكري” وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسيدي قاسم، اللذان قدما الشكر للمحاضرين والحضور ، ونوها بموضوع الندوة لكونه يهم العلاقة بين منظومتين أساسيتين في المجتمع .

أول محاور الندوة كانت من نصيب الأستاذ “حسن فرحان” ممثلا عن رئاسة النيابة العامة، حيث افتتح سلسلة العروض بموضوع “الخبر الصحفي بين الحق في الحصول على المعلومة ونشرها ، وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات” وهو المحور الذي قام من خلاله بجرد مختلف النصوص القانونية الدولية والوطنية المؤطرة للحق في الحصول على المعلومة، و الاستثناءات الواردة عليه والمرتبطة بحماية حقوق الأفراد والجماعات .

من جهته تناول الأستاذ “عبد الله البقالي” رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية محور “سؤال تخليق الممارسة الصحافية” حيث استهل مداخلته بتثمينه لمثل هذه المبادرات التي تسمح باللقاء بين القضاء والإعلام بعيدا عن قفص الاتهام، مقدما معلومات قيمة بشأن مفهوم العمل الصحفي بين المدرستين الوظيفية والحقوقية ، موضحا أن التنامي الكبير لوسائل الاتصال الحديثة وازاه تراجع وسائل الإعلام التقليدية وصعوبة ضبط المجال الإعلامي بشكل فتح الباب لعدة ممارسات سلبية كالتحريض على الكراهية والعنف والعنصرية.

و اعتبر ذ/البقالي دائما أن الجهود المبذولة في تقنين شروط الممارسة الصحفية و تشجيع التنظيم الذاتي للمهن الإعلامية، تبقى غير كافية ما لم تعزز بإجراءات أخرى متعلقة بتوصيف دقيق لجرائم الإعلام و عقوباتها، و الرفع من الدعم العمومي لوسائل الإعلام، و التكوين المستمر للصحفيين و تنظيم مجال الإشهار و تكوين قضاة متخصصين في مجال الصحافة والإعلام.

وعلى صلة بالموضوع طرح الأستاذ “محمد لغروس” مدير جريدة العمق المغربي، سؤال : تأثير الصحافة على القضاء ؟ وهو السؤال الذي اجابه عنه من خلال تحليله تفكيكه لعناصره، موضحا أن الطرفان تجمعهما علاقة تأثير و تأثر تتحدد انطلاقا من طبيعة النظام السياسي، وحالة السلطتين القضائية والإعلامية من حيث الاستقلالية و النزاهة ، و درجة إلمام كل طرف بمهنة الطرف الآخر، موضحا أن الإشكالات الأساسية في علاقة القضاء بالإعلام، تتجلى في متابعة الصحفيين خارج إطار قانون الصحافة و النشر، إضافة إلى عدم مواكبة القانون و القضاء للتطورات التي لحقت بالحقل الإعلامي.

الاستاذ “عبد الهادي الطالبي” القاضي بالمحكمة الابتدائية بمكناس، قدم كذلك مساهمة قيمة بعنوان “حماية الشرف
و الحياة الخاصة بين النص القانوني و الممارسة الصحفية” أوضح من خلاله أن الطرفان يبحثان عن الحقيقة ، لكن لكل طرف خصوصياته، متناولا بالتحليل الإشكالات التي تثيرها جرائم الإعلام، محاولا تدقيق المفاهيم و المصطلحات القانونية المرتبطة بها من قبيل الشرف الاعتبار و السب / القذف، حيث خلص في تحليله إلى أن المقاربة الزجرية ليست حلا كافيا في غياب مدخل التخليق.

من جهته نبه الأستاذ “محمد أبرباش” رئيس ودادية موظفي العدل نبه في مداخلته إلى أن الحديث عن علاقة الإعلام بالقضاء يجب أن يستحضر شمولية المفهومان، بشكل ينظر إلى الإعلام كحق و ليس كمهنة و ينظر إلى القضاء كمنظومة متنوعة تشمل إلى جانب القضاة مجموعة من الفاعلين الآخرين، وعلى رأسهم كتابة الضبط التي تلعب دورا كبيرا في ترسيخ قواعد التواصل و المهنية بين القضاء ومحيطه الخارجي وعلى رأسه المحيط الإعلامي. كما تطرق ذ/ أبرباش إلى التوصية رقم 136 من الميثاق الوطني الإصلاح منظومة العدالة، و التي تنص على ” تحديد آلية للتواصل بين المحاكم ووسائل الإعلام, بما يساهم في تفعيل مبدأ الحق في المعلومة و إرساء إعلام قضائي متخصص “.

وفي محور سادس اختار الأستاذ “عبد الرحيم الشهيب ” عضو مجلس هيئة المحامين بالقنيطرة، لمداخلته عنوان “حدود الرقابة بين الإعلام و القضاء في بناء دولة القانون ” والتي أبرز من خلالها أن أهمية موضوع الندوة مستمدة من خطورة المهام التي يمارسها الطرفان, فدور الإعلام يتجاوز نقل الخبر إلى تشكيل ثقافة المجتمع و التأثير في بنياته وعلاقاته، في مقابل دور القضاء الذي يسهر على تطبيق القانون وحماية الحقوق والحريات، موضحا أن العلاقة بين الطرفين عرفت تطورا ملحوظا في سياق انفتاح القضاء على محيطه، غير أن الدفع بهذه العلاقة نحو الأمام تتطلب الجرأة في مناقشة أحداث حساسة كأحداث الريف.

واختار منظمو الندوة أن تكون آخر محاورها، مقرونة بدور الاعلام الجهوي في التنمية المحلية، وهي المداخلة التي تناولها الأستاذ و الإعلامي “نور الدين لشهب” مبرزا الدور الذي تلعبه الصحافة الجهوية في التنمية من خلال رصد الأخبار الجهوية التي لا تجد لها موقعا في الإعلام الوطني، والتعريف بالإمكانات الاقتصادية للجهات أمام المستثمرين، ويزداد هذا الدور تأثيرا إذا تم في احترام تام للمقتضيات القانونية، وأضاف في نفس السياق أن النموذج المطلوب هو الصحفي المسؤول وليس الصحفي الحر.

هذا وشهدت الندوة الاولى من نوعها، والتي حضرها عدد من المسؤولين القضائيين، على رأسهم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، بالإضافة إلى عدد من رؤساء المحاكم و وكلاء الملك ونوابهم – شهدت- نقاشا غنيا بين المحاضرين والحضور، انصب في مجمله على محاولات إيجاد السبل الكفيلة لتواصل أفضل بين القضاء والإعلام، لتختتم الندوة بتسليم دروع تكريمية لكل من الأستاذة “إيمان المالكي” الناطقة الرسمية باسم محكمة النقض، و الاستاذة “سعاد المومني” رئيسة قسم التكوين بالقناة الثانية، و ذلك اعترافا بمجهوداتهما المبذولة في سبيل خدمة قضايا الصحافة و الإعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى