العلبة السوداء للملك محمد السادس .. الحلقة الأولى: فؤاد عالي الهمة

لبنى أبروك – هبة بريس

لاشك أن المؤسسة الملكية، تتخذ عددا من القرارات الكبرى وتناقش ملفات هامة ومعقدة، بناءا على تشاور وتواصل مع أشخاص بعينهم يمثلون “حكومة الظل” أو “كاتمي أسرار الدولة”.

“العلبة السوداء للملك” ، أو “حكومة ظله” التي تضم أشخاصا انتقاهم عاهل البلاد بعناية وحرص شديدين، واستأمنهم على أسرار الدولة ومصير المواطنين، ووضع كامل ثقته بهم لمرافقته و الوقوف ورائه لتحقيق التنمية والسلم والاستقرار للبلاد والعباد.

يقول الصحفي ادريس ولد القابلة “مستشارو الملك يعملون في الديوان الملكي، وهو من أهم الأجهزة التي تعمل على صناعة القرارات السياسية الكبرى, باعتبار أن المؤسسة الملكية تحتل مكانة مركزية في النظام السياسي المعتمد بالمغرب”، ويضيف أن “الملك الحسن الثاني لم يكن يستحسن ظهور مستشاريه في الحياة السياسية وفي الإعلام إلا عندما يرى الضرورة لذلك، ويتميز عمل المستشار الملكي بالسرية اعتبارا لحساسية القضايا المعروضة على الديوان الملكي، ودوره يكمن في رسم القرارات التي تحدد السياسة العامة للدولة.”

وسنتحدث في هذه السلسلة الأسبوعية، عن أهم مستشاري الملك وأفراد ديوانه الأكثر تأثيرا، و الذين نجحوا في فرض وجودهم ونحت اسمائهم في بناء الدولة الحديثة.. فمن هم?

الحلقة الاولى: فؤاد عالي الهمة

لم يكن فؤاد عالي الهمة، ابن منطقة الرحامنة الذي ازداد في السادس دجنبر من سنة 1962، يتخيل يوما أن اسمه قد يصبح ثان اسم في هرم السلطة التنفيذية بالمغرب.

الهمة، ابن رجل التعليم البسيط، الذي نشأ بمنطقة الرحامنة، شاءت الاقدار أن ينضم الى زملاء ولي العهد في المدرسة المولوية، هذه الزمالة التي تحولت الى صداقة قوية ومكنت “الرحماني” من تسلق هرم السلطة بسلالة .

مسار الهمة الدراسي كان حافلا، فبعدما دروسه الإعدادية بالمعهد المولوي وحصل على شهادة البكالوريا سنة 1981، تابع دراسته العليا بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والاجتماعية بالرباط، حيث أحرز على الإجازة في القانون والقانون المقارن سنة 1986 وشهادتين للدروس العليا في العلوم السياسية سنة 1988، والعلوم الإدارية سنة 1989.

كما حضر فؤاد عالي الهمة كذلك بحثا لنيل الإجازة في موضوع مالية الجماعات المحلية وأمضى فترة تدريب
بوزارة الداخلية من سنة 1986 إلى 1995.

مسار الهمة الدراسي، وصداقته القوية بولي العهد، مكناه من نيل ثقة الملك الراحل الحسن الثاني الذي عينه في أكتوبر 1998 رئيسا لديوان ولي العهد، ثم كاتبا للدولة بوزارة الداخلية سنة 1990، وأعيد تعيينه بنفس المنصب سنة 2000، قبل أن يعينه الملك وزيرا منتدبا بالداخلية بحكومة ادريس جطو.

ذكاء الهمة الذي يلقبه مقربوه ب”مهندس الخريطة السياسية” وحكمته، جعلا منه الشخص الأنسب لمواجهة “الاسلاميين” وتحجيم دور ومكانة حزب العدالة والتنمية بالمغرب، حيث قام بتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، ونجح في اكتساح انتخابات 2009 الجماعية بأكبر فريق برلماني.

تأسيس الهمة لحزوب جديد وتقويته في ظرف زمني وجيز، لم يكن يرق عددا من السياسيين وعلى رأسهم قادة حزب “المصباح” الذين نعتوا الهمة ب”البصري الجديد” واتهموه باستغلال علاقته بالملك وسلطته نفوذه داخل القصر لمحاربتهم.

وفي هذا الصدد، يقول الهمة في حوار سابق مع الصحافي أحمد رضا بنشمسي: “ما فهمتش علاش الناس كيفكرو بهاد الشكل ، ألا يكفي أن يشتغل المرء بشكل جدي ويقدم أفكارا جديدة ؟ ونكولو كاع! ماشي عيب يلا الواحد انخرط بكل صدق فمشروع مجتمعي ديال الملك! ”

وأكد الهمة في نفس الحوار، على أنه لا يجد نفسه في قيم حزب العدالة والتنمية ، التي لا يجد فيها أيضا الأصالة المغربية التي يدافع عنها، مسترسلا بالقول:” لدي طموحات شخصية ، طموحي الوحيد هو المساهمة رفقة أشخاص آخرين في بناء مغرب جديد”.

نجاح الهمة في أولى مهامه “الصعبة”، زاد من قوته داخل الدولة، ليعينه عاهل البلاد في دجنبر 2011 مستشارا له بالديوان الملكي، بناءا لما راكمه الهمّة من “خبرة وتجربة في المهام التي أسندت إليه”. وفق بلاغ للديوان

منصب الهمة الجديد، تزامن والربيع العربي الذي شهد بروز الحركات الاسلامية بعدد من الدول العربية، غير أن دوره في تحجيم شعبية الاسلاميين بالمغرب ومحاصرتهم، زاد بعد نجاح العدالة والتنمية في الانتخابات وتدخل الهمة في تشكيل الحكومة.

مساهمة الهمة في الحكومة الاولى والثانية، أكده رئيس الحكومة السابق، عبد الاله بنكيران، قائلا في حديث له مع جريدة “الشرق الاوسط”:” المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة قام بدور كبير في التشاور في الطبعتين الأولى والثانية للحكومة و أسهم في الوصول للصيغة النهائية لهذه الحكومة.”

علاقة الهمة وبنكيران استمرت الى ما بعد اعفاء الأخير، حيث واظب المستشار الملكي على زيارة الزعيم الروحي ل”البيجيدي” ببيته بحي الليمون بالرباط، والسؤال عن أحواله الصحية والمادية.

غير أن هذه العلاقة بدأ يشوبها التوتر، بسبب “استغلال” بنكيران لأحد زيارات الهمة، وادعاء تمحورها حول حراك الريف ومعتقلي الحسيمة. وفق ما نقلته جريدة مقربة من العدالة والتنمية.

ادعاءات الجريدة المذكورة، لم ترق المستشار الملكي، الذي خرج بتصريح كذب من خلال جميع ما سبق، وشدد على أن “زيارته لعبد الإله بنكيران تمّت في إطار شخصي محض، من باب الأَدَب و”الصّْوَاب”، بمنَاسبَة “لْعْوَاشْر” من شهر رمضان المبارك”، وأوضح قائلا: “كل ما في الأمر أنني أردت الاطمئنان على أحواله، خاصة أنه كان متعبا بعض الشيء، ولأنه أيضا كثيرا ما يسأل عني، ويلومني لعدم زيارته أو الاتصال به”.

وتابع الهمة في تصريحه قائلا:“إذا كان بنكيران يريد استمرار الأوهام بالسكوت عن الحقيقة، والسماح بانتشار البهتان، فأنا أرفض أن يكون ذلك باسمي..فأنا هو المبعوث المفترض؛ وأنا أنفي نفيا قاطعا ما راج من أخبار، وأؤكد أننا لم نتطرق لأي موضوع يخص هذه الأحداث”.

عتب الهمة على بنكيران، سرعان ما تلاشى، وعادت المياه “شيئا ما” الى مجاريها، واستأنف المستشار الملكي زيارته لبيت رئيس الحكومة السابق، وزف له خلال آخر زيارة “بشرى” استفادته من معاش استثنائي بقيمة 7 ملايين شهريا.

“تسامح الهمة مع من أخطأ في حقه ليس بالشيء الجديد عند ابن الرحامنة”، يقول أحد مقربيه، “حيث يعرف عليه أنه شخص يسامح من أخطأ في حقه لكنه غير متسامح مع من يخطئ في حق النظام أو الوطن” على حد قوله.

وفي هذا الصدد، أشار ذات المتحدث، الى واقعة اقدام فتاة من اقليم الناظور على انتحال صفة ابنته، والنصب على عدد من الأشخاص باسمه.

المستشار الملكي، يضيف المتحدث ذاته، وبعدما علم باعتقال الفتاة من أحد أحياء الناظور، جراء بحث مصالح الأمن، بسبب انتحالها لشخصية وهوية ابنته “كوثر” من أجل الحصول على مبالغ مالية من مواطنين بدعوى تقديم خدمات إنسانية لمرضى، طالب باطلاق سراحها وتنازل عن متابعتها لظروفها الاجتماعية الصعبة.

الى ذلك، يؤكد عدد من المهتمين بالشأن الوطني على أن شخصية الهمة الكتومة والغامضة، وعلاقته القوية بعاهل البلاد ونفوذه داخل البلاط الملكي مكنوه من أن يصبح ثان شخصية في هرم السلطة التنفيدية بالمغرب وأحد أهم أجزاء العلبة السوداء للملك.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى