الإحتفال بالذكرى 50 لأول فوج للبكالوريا بثانوية سجلماسة التأهيلية بالرشيدية

سعيد وعشى + زايد جرو – الرشيدية

نظم أول فوج للبكالوريا لسنة 1969 من القرن الماضي زيارة تفقدية لمؤسستهم الأم “سجلماسة التأهيلية ” يوم السبت 27 ابريل الجاري بالرشيدية “قصر السوق” التسمية التاريخية للمدينة، اللقاء يهدف حسب المنظمين من التلاميذ الغيورين القدماء الذين لم يجحدوا نِعم بلدتهم إلى تجديد أواصر الاخوة والصداقة التي كانت تجمع أجيالا مرت من ذات المكان والاعتزاز والفخر بالماضي الحضاري لقصر السوق، والحرص على الاهتمام بدرر وكنوز الرأسمال المادي واللامادي للمؤسسة واستعادة ذكريات ذهبية تعود لفترة زمنية من العمر مضت ولم تمضِ، هي فترة نقَشت معالمها براءة الطفولة ونسجت خيوطها حماسة الشباب وطموحها الوهّاج ورسمت طريقها المحبة الخالصة والصداقة المتينة .

ومن خلال اللقاء تبين ان الجامع المانع بين الحاضرين والغائبين هو الفضاء التربوي الفسيح سجلماسة الثانوية التأهيلية التي وُشمت بذاكرة أهل الجنوب الشرقي، والتي كان يحج اليها المتعلمون من كل مدن وقرى قصر السوق العتيق، منذ كان الصراع التاريخي بين النحن والآخر، من أجل إثبات الهوية الوطنية في الثلاثينيات من القرن الماضي، حين كانت القوى الظلامية المستعمرة، تسعى جاهدة لطمس الهوية الوطنية وفرنسة كل الشعوب المغلوبة، بتسييس التربية لتكوين مفرنسين تابعين لها لتثبيت الوعي القومي الفرنسي في القلاع النائية البعيدة والعميقة. وقد ولجها المتعلمون رغبة أو عنوة آنذاك، فتوسعت بعد الاستقلال لتشمل الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، وتم توسيع حجراتها التي لم تكن تتجاوز الستة آنذاك.

الحاضرون في اللقاء استحضروا كل الحكايات الضاربة في الوجدان وكل الامكنة على لِسنهم تضج بالكلام والصمت وتغازل عمق كل طلبة العلم من المدن والقصور المجاورة والذين يلتحقون بالقسم الداخلي بجلابيبهم الصوفية ذات الصنع المحلي، وقلّ منهم من كان منهم بالهندام الجميل والبنطلون الطويل، زادهم في الأكل المصاحب التمور المعجونة بالأرجل، والمتاع البسيط، وبالتنافس الكبير في التحصيل وبالتجمعات والحلقات وتلاقح الأفكار فرفعوا نسب النجاح تحت مراقبة صارمة من الحراسة الداخلية والخارجية، والتي لا تتساهل ولا تتوانى في هدر زمن التعلم، أو الخروج خارج الأسوار إلا نهاية الأسبوع في الخرجة الكبيرة بالنسبة للداخليين.

وحسب قدماء التلاميذ فإن اول فوج للبكالوريا كان سنة 1969 بعدد 18 تلميذا “دون إناث ” مجتمعون في قسم ادبي واحد ووحيد، نجح منهم (13) ليلتحقوا بمؤسسات وطنية مختلفة، اما الشعب العلمية فكانت تتابع دراستها بثانوية طارق بن زياد بازور وكان معظم المدرسين من الفرنسيين، بينما يشرف بعض المغاربة على تدريس مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، وعلقت بذاكرة قدماء تلاميذ سجلماسة، أسماء وازنة من الأساتذة الفرنسيين ولا يمكن نسيانهم بالقطع مثل ، كلود، وديلفين، مونيي، وفيدال… وأسماء كبيرة من الأطر المغربية، منهم من قضى نحبه، ومنهم من أطال الله في عمره حتى اللحظة،ونتحفظ كثيرا من ذكر أسماء الاطر المغربية حتى لا ننسي البعض وننعت بالجحود والتجاهل والتقصير والحيف، فالزمن الجميل بالمؤسسة بقي عالقا محفورا وجريحا بذاكرة الحاضرين، فُرادى وجماعات ولا يمكن طمس أو بخس أو نسخ آو مسخ إرثهم الثقافي الأصيل المتأصل، بل لا يمكن تصويره أو ترجمته بدقة لأنه حالة شعورية خاصة بكل فرد والمس به هو خدش للأنا الفردية والجماعية.

التلاميذ الذاكرة الحاضرون للمؤسسة لم ينكروا ولم يتنكروا لفضل أساتذتهم واعترفوا لهم بأنهم شكلوا أعمدة من رجال التعليم الذين رفعوا من قيمة العلم وطالبيه تفانيا وحقا وواجبا، وبتنظيم إداري قوي محكم وبالتضحيات الجسام بالصبح والعشي، وظلت الذكرى عالقة ولم ينته لا التاريخ ولا الوجع ولا الانقباض ولا الانشراح، ولسان حالهم يقول : ” آه يا زمن الوصل والوصال “، فمن هنا كانت البداية ولا ندري مصير النهاية .. والكل اشترك في زمن الحكي بمقاطع سردية تتفاوت وتتباين بين البدء والختم وفي الطول والقصر لكنها تشترك جميعها في عبارة ” عشنا جميعا في جلباب واحد وكنا هنا بين احضان قصر السوق العامر ” الوفد زار بعض حجرات الدرس ونوهوا بالعمل الجماعي في حصة اللغة العربية للبكالوريا ادب، العمل المشترك والتشاركي المجدي الذي يعطي الثمار بالتثقيف بالنظير، كما تابعوا انشطة نادي الانجليزية واستمعوا لشروحات اعضاء النادي وكل شيء في المكان ذكرهم بشيء لن يُمحى من الذاكرة .

شكر مدير الاكاديمية ذوي المبادرة الحسنة وأثنى عليها الثناء الحسن، وقدم المدير الاقليمي كلمة كلها شكرا وخجلا امام عيار اساتذة واطر مؤسسي المؤسسة الأعمدة كما شكر مدير المؤسسة كل المساهمين، وتناول الجميع وجبة غذائية عادية بالقسم الداخلي بالمؤسسة احياء لذاكرة المكان الذي كان يأوي الطلبة الآتين من القصور البعيدة .

تواصل الجيل السابق مع الجيل الجديد من المتمدرسين والمدرسين والأطر الادارية و الأمن المدرسي والعاملين بالقسم الداخلي، وكل رحب بالمبادرة التي أحيت الأمل من جديد بين الحاضرين في زمن يبيع للجميع العيش بالتقسيط والميزان، وتبقى المؤسسة خالدة برجالها ونسائها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فضربوا موعدا للعودة في مثل هذا التاريخ أو قريب منه لجمع عدد اكبر من الذين مروا ذات يوم من هنا من أجل تدوين وخط تاريخ لها بحبر وكوثر التوادد لجعل المؤسسة من التراث المادي الخالد بجهة درعة تافيلالت، لأنها كونت ومازالت تكون الأجيال، وظلت صامدة بجهد الجميع، وتحية عالية لكل الذين مروا بها طلبة أو مربين أو إداريين وتحية للصامدين فيها حاليا بجهدهم وعطائهم التربوي .

اختتم اللقاء ورحل من رحل، وبقي المكان للمكان وكل حمل معه السؤال والسؤال ، ونقول لهم بدورنا كمتتبعين للشأن الثقافي للمدينة وللتراث المادي واللامادي للجهة شكرا لكم لأنكم صنعتم الحدث برسائلكم النبيلة فأنتم العين والنبع وأنتم العيد في العيد، وأطال الله في عمركم جميعا أيها الأسياد، وتبقى ” الدار الكبيرة ” سجلماسة ” داركم فقد اتيتم اهلا ونزلتم سهلا بها، وجعل الله تراب نعالكم كحولا لأعيننا ويبقى المكان على الدوام من الزمن الجميل، خالدا وحصنا حصينا جامعا مانعا، وحّد الذاكرة الجماعية المشتركة بالجنوب الشرقي رغم تقلب الأحوال في الأزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى