15 سنة على إصدار مدونة الأسرة: أي احترام لمبدأي المساواة، وعدم التمييز ؟

هبة بريس – الرباط

نظمت فدرالية رابطة حقوق النساء مؤخرا بمراكش ندوة حول موضوع “15 سنة بعد إصدار مدونة الأسرة: أي احترام لمبدأي المساواة، وعدم التمييز”، حيث انطلقت أشغال الندوة بكلمة للأستاذة سناء زعيمي رئيسة المكتب الجهوي للفدرالية أكدت فيها على أهمية تنظيم هذه الندوة التي تأتي بعد مرور ثمانية سنوات من صدور دستور 2011، وأربعة وعشرون سنة على اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين (1995)، وخمسة عشرة سنة عن إصلاح مدونة الأسرة .

وأشارت الى أن الحركة النسائية وبعد مرور هذه المدة ما تزال تتساءل حول مدى تناغم مدونة الأسرة مع الوثيقة الدستورية، التي جاءت لتكريس الحقوق والحريات بوصفها ثوابت وطنية راسخة، تأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت بالمملكة، مع السعي إلى تسريع وتيرة التحولات الإيجابية التي يشهدها المغرب في مجال الفوارق الاجتماعية والمجالية والفوارق المرتبطة بالنوع.

وقدمت الدكتورة فريدة بناني، أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش، وخبيرة لدى عدد من المنظمات الدولية والإقليمية، مداخلة تمحورت حول موضوع: “ملاءمة قانون الأسرة والاتفاقيات الدولية: أي مقاربة ومرجعية”، أكدت فيها أن موضوع المداخلة من وحي الحدث وهو اعادة فتح ورش مدونة الأسرة بعد 15 سنة من صدورها، كما أنها وقفت على تنوع المصطلحات المستعملة من طرف المنظمات النسائية، ومنها”التحيين، الاصلاح، المراجعة، التعديل، التقويم، التغيير الشامل”، بهدف تحقيق المساواة والملاءمة مع الدستور، ومع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وأكدت على أهمية تدقيق المصطلحات قبل انطلاق أي عملية ترافع، لأن تحقيق الأهداف المتوخاة رهينة بتحديد المنطلقات.

وأضافت الدكتورة فريدة بناني إن “الملاءمة تعتبر شقا من مشمولات السياسات الحقوقية، وهو الشق القانوني المرتبط بتكييف التشريع الوطني مع الترسانة القانونية العالمية المعنية بثقافة حقوق الإنسان”. وزادت قائلة إن “الدولة هي التي انضمت إلى الاتفاقيات الدولية، ولذلك يجب الوفاء بمضمونها الذي يوجد ضمن الاجتهادات الفقهية، ومن هذا المنطلق فإن الدولة مسؤولة من الناحية القانونية عن الوفاء بشكل تام بمقتضيات هذه الاتفاقيات، ولا يمكنها أن تتذرع أو تبرر تقصيرها في تطبيقها وتنفيذها بحجة تناقضها مع القانون الوطني”، لأن الأمر يتطلب، “التسلح بإرادة أخلاقية مسؤولة إذا كنا نبحث عن التغيير الجذري، والإيمان الراسخ بالتمييز بين الإسلام كدين للدولة وكهوية ورفع القداسة عن ذلك، لأن مجال المقارعة هو الفقه الإسلامي، الذي لم تعد اجتهادات السابقين ملائمة لزمن اليوم، مما يعني أن تعديلات سنة 2004 يجب أن تذهب إلى عمق هذه القضية”.

وقدم الدكتور عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) مداخلة حول موضوع “زواج المسلمة بغير مسلم بين الفقه والقانون” قال فيها “إن هناك اتفاق جمعي ورأي فقهي حاسم في مسألة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم، علما أنه لا يوجد نص قطعي للإستناد إليه في تحريم هذا الزواج، إنما المُعْتمَد هو إجماع الفقهاء على هذا الرأي.

وأضاف أن الفقهاء استندوا في تحريمهم لزواج المسلمة من غير المسلم على الآية الكريمة «ولا تُنْكِحوا المُشْرِكين حتى يُؤْمِنوا ولَعَبْدٌ مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم..»، مفندا إدعاءاتهم بالقول إن نفس الآية تنهى المؤمنين عن الزواج بغير المسلمات « و لاتُنْكِحُوا الُمشْرِكات حتى يُؤْمِن و لَأَمَة مؤمنة خير من مشركة.. »، و من ثم كان ينبغي تحريم زواج المسلم كذلك من غير المسلمة إذا أردنا الإستدلال على الآيتين الكريمتين.

و أوضح رفيقي أن الفقهاء يتشبثون بهذا الإستدلال الفقهي رغم ضعفه لسبب واحد ووحيد وهو منطق الإستعلاء الديني، أي أن المسلم أفضل من غيره، كما أنه يخرق مبدأ المساواة، بحيث يعتبر أن الرجل المسلم بإمكانه أن يتزوج من غير المسلمة، في حين أن هذه الأخيرة لا حق لها في الزواج من غير المسلم، مستندا من جديد على مبدأ القِوامة الذي يعتبر بأن الرجل له سلطان وولاية على زوجته، كما يعتبر بأن المشرك لا ينبغي أن يكون له ولاية على زوجته المسلمة.

و أشار أبو حفص إلى أن 5 ملايين مغربي يعيشون في بلاد المهجر من بينهم 85 في المائة يوجدون في أوروبا، و46 في المائة منهم نساء،ومن ثم فالزواج المختلط أصبح يفرض نفسه بقوة، مما يستلزم إيجاد صيغ قانونية لتسهيله، بدل أن تلجأ بعض النساء لأن تطلبن من أجانب إشهار إسلامهم ولو بشكل كاذب حتى يتم الزواج.

وأكد رفيقي على ضرورة “التمييز بين الأصول العامة التي يجب أن تكون مرجعا موجها، والأصول الجزئية التي لا يجب أن تتعارض مع القواعد المرجعية لتحقيق المنفعة والمصلحة”، مشيرا إلى أن “العلاقة التي يجب أن تحكم النص والواقع هي أن يخضع الأول الذي يتسم بالمرونة، للثاني الذي يتميز بالتغيير والتحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والبيئي”. وقال إن “مجتهد اليوم يفترض فيه أن يكون متمكنا من فقه الدين وفقه الواقع، وملما بالعلوم الإنسانية كعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرهما، لأننا ما زلنا نعاني من معضلة عقلية فقهية تعطي الأولوية للنص على الواقع، مما يشوه صورة الإسلام، الذي عرف بمذاهب متعددة اجتهدت، واحترم كل تصور الآخر”، مذكرا بأن “لكل مجتهد نصيب من الأجر”.

وأضاف أن “العديد من القضايا تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، من خلال تفكير سليم لأنها تشكل معضلة لمن يعاني منها، كقضايا الإرث وزواج القاصرات والأطفال خارج العلاقة الزوجية وزواج المسلمة من غير المسلم، التي تحتاج إلى إعادة النظر، بما لا يخرج عن الهوية العامة للدولة التي يحددها الدستور، وما يتوافق مع هذه المتغيرات التي يفرضها الواقع والإكراهات التي نعيشها يوما بعد يوم”.

وقدم الدكتور أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب، مداخلة تمحورت حول موضوع: “تزويج القاصرات نطاق وحدود الحماية في ضوء العمل القضائي” انطلق فيها من رقم عالمي مقلق يشير إلى أنه في “كل يوم تتزوج أكثر من 41 ألف بنت قبل بلوغ الثامنة عشرة من العمر”. وقال إن التقرير الجديد الصادر عن البنك الدولي خلص إلى أن الفقر، وعدم المساواة بين الجنسين، وضعف إمكانية الحصول على التعليم، وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية التي تراعي مصالح الشباب، ونقص فرص العمل اللائقة، تساهم في تنامي ظاهرة زواج القاصرات والإنجاب في سن مُبكِّرة.

وأوضح الدكتور أنس سعدون أن “زواج القاصرات في المغرب مقيد بإجراءات تقوم أساسا على إخضاعه للرقابة القضائية، التي يمارسها قاضي الأسرة المكلف بالزواج، الذي يقوم بإجراء بحث يستمع فيه إلى القاصر وأبويها للتأكد من وجود مصلحة لها في هذا الزواج، وللقاضي على سبيل الخيار إجراء خبرة طبية أو بحث اجتماعي للتأكد من قدرة القاصر على الزواج، وبناء على ذلك يصدر قراره الذي لا يقبل أي طعن”.

وتابع القاضي سعدون مستدركا “لكن المادة 20 تبرز هشاشة الضمانات القانونية المفروضة على زواج القاصرات، لأن النص لا يتحدث مطلقا عن الخاطب وهو الطرف الراغب في الارتباط بالشخص القاصر، علما بأنه طرف رئيسي في هذه العلاقة ينبغي أن يكون مشمولا بالاجراءات التي تتم في اطار مسطرة تزويج القاصر. مؤكدا أن الثغرات التي كشف عنها التطبيق العملي لمدونة الأسرة جعلت القضاء يطور اجتهادات مبدئية لاقرار حماية أكبر للفتيات القاصرات، من قبيل فرض الاختصاص المكاني، لمواجهة ظاهرة التحايل على القانون، وتمديد نطاق البحث ليشمل الخاطب أيضا، عن طريق تكليفه بالادلاء ببعض الوثائق التي تؤكد احترام مصلحة الفتاة، من قبيل السجل العدلي، وما يفيد أنه يتوفر على سكن مستقل، وعلى عمل، فضلا عن مراقبة ظروفه الاجتماعية، وفارق السن.

معتبرا أن تشدد القضاء في تطبيق هذه المقتضيات قد يؤدي الى احجام الأسر عن اللجوء الى المسطرة القضائية، والاكتفاء بتزويج الفتيات القاصرات بالفاتحة.

في نفس السياق أشار الدكتور أنس سعدون لأهمية الدورية التي أصدرها رئيس النيابة العامة والذي طالب من خلالها قضاة النيابة العامة بالتدخل الايجابي في مساطر زواج القاصرات عن طريق اثارة ملتمسات اجراء خبرة طبية، واثارة الدفع بعدم الاختصاص وعدم التردد في التماس رفض الطلب كلما كانت مصلحة القاصر غير مؤكدة في هذا الزواج، مشيرا الى أن هذا التدخل الايجابي لمؤسسة النيابة العامة يصطدم بمحدودية دورها في النص القانوني والذي لا يخولها حق الطعن في مقرر الاذن بتزويج القاصر.

وتجدر الاشارة الى أن أشغال الندوة تميزت بحضور قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين وباحثين وفعاليات واسعة من المجتمع المدني، وقد تركزت المناقشات حول سؤال المرجعية في الاصلاح المرتقب لمدونة الأسرة، ونطاق هذا الاصلاح حيث ركزت غالبية التدخلات على ضرورة التغيير الجذري الذي يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي عرفها مغرب دستور 2011، خاصة في الشق المتعلق بالموقف المتقدم من اعمال الاتفاقيات الدولية وسموها على التشريع الداخلي.

وقد توج هذا النشاط العلمي بتكريم شخصيتين، هما أيقونة الجامعة المغربية الدكتورة فريدة بناني والمناضلة الحقوقية والنسائية مليكة بن حريمة، اعترافا بما قدمتاه من خدمات ونضالات من أجل تحرير المرأة، والدفاع عن حقوقها.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. المدونة رفعت من نسبة الطلاق بدرجة أسطورية ونسبة العنوسة تبعا لإحصائيات وزارة العدل وفي الوقت الذي يتعين على العلمانيين إعادة النظر في طروحاتهم الخاصة بالمدونة امتنعوا لأنه لاتهمهم مصلحة الاسرة المسلمة بقدر ماتهمهم خدمة العلمانية

  2. غياب صندوق النفقة لحماية الأسرة :

    من بين النقط التي جاءت بها المدونة تسريع مسطرة النفقة في حالة الطلاق وهي نقطة ايجابية ومهمة توفر لزوجة والأبناء حقهم في العيش الكريم, لكن المشكلة التي تمخضت عن هدا القانون انه لم يفعل له صندوق نفقة ولا نعلم السبب في عدم تفعيله رغم مرور عدة سنوات على إقرار المدونة ورغم الحاجة الملحة له لان بإمكانه حل عدة مشاكل اجتماعية خاصة أن هناك دول عربية مثل مصر تونس فلسطين وغيرها تعمل بنظام صندوق النفقة ويمكن للمغرب الاستفادة من تجاربهم .

    إن نسبة الطلاق تعتبر مرتفعة جدا في الوسط الاجتماعي الذي يعاني من الفقر والهشاشة وربما اغلب حالات الطلاق يكون سببها مادي وبالتالي طفت على السطح ممارسات كثيرة, القانون في باب النفقة واضح على الزوج إعطاء المال لزوجته وأبناءه في حالة الطلاق والمحكمة تعطيه اجل حوالي 30 يوم أو يسجن وهده أحكام صدرت بعدة قضايا , مثلا في مدة سنتين من الفراق وحتى لو الزوج كان ينفق مما قدره الله وهناك فراق وأرادت الزوجة رفع قضية نفقة وكان هناك طفل واحد فان الزوج عليه دفع تقريبا 30 ألف درهم أي ما يعادل 3000 أورو.

    هدا شيء يمكن أن يكون منطقي وعادل جدا, لكنه بالنسبة لشخص غير مستقر في عمله أو لا يعمل أو حتى موظف بسيط فالمبلغ يعتبر ضربا من الخيال وحتى الأسرة المستقرة من أبناء وزوجة يعيشون في هناء ومحبة لا ينفق عليهم هدا المبلغ مرة واحدة لأنه مرتفع جدا بالنسبة للناس البسطاء والفقراء والدي تتكون منهم شريحة مهمة من المجتمع المغربي , وقد أثارتني قضية مرت بأمواج الإذاعة الوطنية مؤخرا لرجل شاب يعاني من مرض السكري فقد إحدى رجليه بنفس المرض لا يجد ما يأكله ولا يجد حتى ثمن إبرة الأنسولين ويعيش على صدقات المحسنين محكوم عليه بالنفقة بمبلغ مرتفع جدا يصل إلى آلاف الدراهم أو السجن, والحالات المشابهة كثيرة جدا في هدا الباب, وهدا ينتج لنا مشاكل اجتماعية أخرى وتشتت اكبر للأسرة المغربية لهدا أصبح من الضروري إنشاء” صندوق النفقة” لينهي مشكلة العديد من الأسر وخاصة المعوزة منها ويضمن حق المرأة وأبناءها, لان دخول الزوج إلى السجن لعدم قدرته على دفع النفقة, لن يفيد احد لا الأسرة ولا المجتمع وبالتالي هدا يولد مزيد من الحقد والعنف الأسري أو حتى الإجرام في بعض الحالات والتشرد الذي ترجع سلبياته بالدرجة الأولى على نفسية الأطفال, وقد وصلت نسبة امتناع الطليق عن دفع النفقة 57.9% على حسب ”مركز اناروز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى