التبرعات الإحسانية .. فوضى وانفلات وأموال مجهولة المصير

ع اللطيف بركة : هبة بريس

بالرغم من صدور قانون ينظم عملية جمع التبرعات الخيرية والاحسانية بالمغرب، غير أن تطبيقه لازال معلقا، مع أستمرار أشخاص أو لجان وهمية في الكثير من اقاليمنا و أسواقنا ومساجدنا وشوارعنا بدعوى انها تتبنى حملة تبرعات خيرية.وتقوم هذه الفئة بجمع الأموال لصالح بناء مساجد، وأخرى تجمع التبرعات لمساعدة اشخاص دوي عوز ، او من أجل دور أيتام ليطرح السؤال : من المسؤول عن هذه الفوضى في جمع التبرعات؟.. ومن يضمن أن ما يتم جمعه من تبرعات يذهب لمستحقيه او من اجل الغاية التي تم جمع المال والمعونات لأجلها؟.. كما ان بعض تلك الاموال مجهولة المصدر خصوصا عبر نظام التحويلات المالية ، كما أن وجود تلك اللجان وبهذه الطريقة العشوائية امر «غير طبيعي»، وغير مقبول ويسهل استغلالها من ذوي الانفس الضعيفة، بحيث يصبح المواطن المغربي ضحية لفئة تستغل مشاعره الانسانية، خصوصا خلال شهر رمضان وتحصل على المال منه رغم انه غير متأكد من وصول تبرعاته لمستحقيها.

ويلاحظ هنا، أن بعض هذه اللجان أو أعضائها يحمل الوصولات المزورة، وكتبا رسمية اخرى غير صحيحة، على انها صادرة عن جهات رسمية بهدف إقناع المتبرع بشرعية هذه اللجنة أو عملها في جمع التبرعات، بالاضافة الى منشورات مضللة تبين المشاريع الخيرية التي انجزتها تلك اللجان، التي تمارس عملها بحرية في ظل غياب الرقابة الكاملة عنها وعن الحملات التضليلية العشوائية التي تنتهجها وهؤلاء يتجاهلون القانون الصادر قبل سنتين المنظم لجمع التبرعات، مستغلين عدم تحرك الجهات المسؤولة لتطبيقه وزجر المخالفين.

فالملاحقة الأمنية مطلوبة لان هناك قانون وجب تطبيقه لمن ينهج هذا الاسلوب ، ومنع انتشار الظاهرة في الأماكن العامة بنفس الكيفية الحالية، لأن وجودها بهذا الشكل غير طبيعي ويسهل استغلالها من ذوي النفوس الضعيفة.وليس معنى ذلك اننا نطالب بإيقاف العمل الخيري في المدارس العثيقة والمؤسسات الخيرية على وجه الخصوص، ولكن الهدف هو تنظيم تلك التبرعات من ناحية والقضاء على أي استغلال لطيبة المغاربة التي كشفت الأيام انها تحتاج لبعض المواجهة، خاصة وان تلك الحملات تعتمد أكثر على منهجية الحماسة، وتفعيل قدرة من يحمل أو تحمل الظرف لجمع التبرعات والدعاء لكل محسن بل ولمن يعتذر أو تعتذر عن التبرع لعدم القناعة بمصير تلك التبرعات، خاصة وان تصريفها غير واضح ولا يمكن التثبت من آلية توزيعها المعلنة للمتبرع، مما يعني امكانية استغلالها بشيء لا يرضي أصحاب العمل الخيري والمتبرعين.

احتيال بأساليب متنوعةولا شك ان الاحتيال اخذ ابعادا اوسع وتطورت خطط الحصول على الاموال بطرق غير مشروعة، حيث تعيش مفاصل عديدة في مجتمعنا احداثا غريبة ودخيلة على قيمنا وتقاليدنا، بحيث تتنوع الاساليب وتتعدد مواقع العمل من ضمنها مواقع التواصل الاجتماعي حيت نلاحض أشخاص يطلبون الاحسان من أجل اخرين ويضعون صورا لهم، بل ان الوضع وصل الى الاذاعات الخاصة التي بات بعضها يخصص برامج إحسانية، دون الخوض فيما نشاهده أمام المساجد والمستشفيات بل وبيوت العزاء المخصصة للأثرياء ذلك عندما يستند ممارسو الاحتيال الى المقابر خصوصا بالعلم المسبق بأن ذوي المتوفى اثرياء، وقس على ذلك.وقد كثر الحديث في الفترة الاخيرة عن انتشار مئات الجمعيات واللجان الوهمية الاشبه بـ «العصابات» وحتى اشخاص فرادى ينتشرون في الاسواق ودور العبادة وعلى ابواب البيوت يطلبون التبرع من الناس لبناء مساجد ودور تحفيظ قرآن ولجان زكاة وفقراء وما شابه ذلك دون سند قانوني، مما يحتم علينا الاشارة لهذا الموضوع الخطير واهمية ضبطه لسد الطريق امام كل من تسول له نفسه استغلال عطف الناس وانسانيتهم لصالحه الشخصي.

– من يراقب التبرعات؟

صادقت الحكومة المغربية، في نونبر 2018 ، على قانون جديد ينظم عمليات التبرعات من طرف المواطنين أو الجمعيات، وتوزيع المساعدات على الناس لأغراض خيرية، ويضع شروطا لهذه التبرعات المالية والعينية، كما يحدد عقوبات زجرية لمن خالفها، أو أقدم على جمع التبرعات بدون سند قانوني.

ويأتي القانون التنظيمي الجديد بعد سنة ونصف من حادثة مفجعة ذهبت ضحيتها 15 سيدة بسبب الزحام الشديد لنيل مساعدات غذائية من طرف جمعية خيرية بإقليم الصويرة، وهو ما دفع الملك محمد السادس إلى توجيه تعليماته إلى الحكومة من أجل سن قانون يعيد تنظيم عملية الإحسان العمومي.

ويأتي القانون المنظم للتبرعات في المغرب عقب خطاب الملكي في البرلمان في شهر أكتوبر من السنة المنصرمة ، عندما تطرق إلى موضوع التكافل الاجتماعي باعتباره من مميزات الشعب المغربي، داعيا إلى ترسيخ هذا التكافل والتضامن من خلال قوانين تعمل على تنظيمه ليستفيد منه الفقراء والمحتاجون.

القانون الجديد الذي صدقت عليه الحكومة يؤكد على ضرورة أن تخضع التبرعات جميعها إلى ترخيص قانوني قبلي من طرف العمال ، مع وضع استثناءات تهم التبرعات التي تتم بطرق تقليدية وعرفية، بينما يتم منع التبرعات لأغراض تجارية أو دعائية أو انتخابية أو من أجل الترويج لمنتجات أو سلع أو خدمات، مع تجريم استعمال الإحسان لأداء غرامات أو تعويضات صادرة بشأنها أحكام قضائية أو أداء ديون.

وشدد مشروع القانون على ضرورة إيداع الأموال المتحصل عليها من جمع التبرعات في حساب بنكي خاص بكل عملية ولمدة زمنية محددة، كما يتعين على الجهات المنظمة لجمع التبرعات أن تقدم تقريرا مفصلا للإدارة حول سير العملية، مع الإشارة إلى مجموع الأموال التي تم جمعها، بما فيها القيمة المالية التقديرية للتبرعات العينية، وكذا جميع الوثائق والمعلومات التي تثبت تخصيص مجموع الأموال المتبرع بها.

ومنح القانون الجديد الصلاحية والسلطة لممثلي السلطة الاقليمية والمحلية في قبول أو رفض أية عملية تبرع وموعدها وطريقة جمعها، أو تأجيل القيام بها أو توقيفها في أي وقت يراه ضروريا، إذا ما ارتأى أن هذه التبرعات قد تمس بالنظام العام، أو تتزامن مع فترة الانتخابات، أو في حال الإخلال بالشروط والقواعد المتعلقة بالتوزيع.

وفي السياق نفسه ، يرى مهتمون بالشأن الحقوقي من الناحية التشريعية، ان القانون الخاص بجمع التبرعات جاء لتبسيط الإجراءات، بما يمكن من تشجيع فعاليات المجتمع المدني على جمع التبرعات والقيام بالأعمال الخيرية”.

وبخصوص فعالية هذا القانون في تعزيز العمل الخيري في المغرب، يرى هؤلاء ، أنه “من الصعب الإجابة، لأن الهاجس الأمني ومبدأ ضبط ميزان القوى الشعبية دائما نجده حاضراً في مثل هذه القضايا، نظرا للدور الكبير الذي تلعبه الأعمال الخيرية في استمالة الناس” معتبىين أن “العديد من الأحزاب تستعمل هذا الحق لخدمة صورتها وأهدافها السياسية، فيما تعرف بعض التنظيمات المدنية، التي تتمتع بصفة المنفعة العامة وحق جمع التبرعات، العديد من الاختلالات في التدبير، مثل الاختلاس، خاصة الجمعيات المكلفة بتدبير المؤسسات الإنسانية، مثل دار العجزة ومأوى الأيتام والمشردين”.

ومع اقتراب شهر رمضان، ستزداد ظاهرة طلب الاحسان العمومي، نظرا لما يحمله الشهر الفضيل من سمو التضامن والتكافل بين مكونات المجتمع، مما يستدعي كذلك من السلطات الظهور في المناسبة من أجل التنظيم والتحسيس بأهمية الاحسان وطرقه القانونية، مع تعقب المخالفين والمحتالين بإسم الاحسان العمومي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما تديرو خير ما اتخليو اللي ايدير الخير ،
    التشكيك في العمل الخيري هدفه تنفير الناس من المساهمة في الاعمال الخيرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى