قراءة في قانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات “

أيوب نشاط

طالب باحث بسلك الماستر القانون العام المعمق بكلية الحقوق بسطات/جامعة الحسن الاول

يعتبر الحق في الحصول على المعلومات، من اهم حقوق الانسان المدنية والسياسية التي نادت بها كل المواثيق الدولية، وذلك بما عبرت عنه مقتضيات المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 10 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، بالرجوع الى الوثيقة الدستورية المغربية لفاتح يوليوز 2011، نجدها قد كرست هذا الحق في الباب الثاني من الوثيقة ( الحريات والحقوق الاساسية ) في فصله السابع والعشرين، الذي نص على ما يلي : ” للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الادارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الاساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة .

فدسترة هذا الحق في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، جاء من اجل اعطاء نهضة قوية للمسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، وذلك من خلال تمكين الرأي العام الوطني من احدى الاليات المهمة في الممارسة الديمقراطية، الا وهي الحصول على المعلومات والتي بدونها يبقى المواطن خارج عن اية مشاركة في الحياة العامة . كما ينبغي الاشارة بأن دسترة هذا الحق لم تأتي من فراغ او ارادة طوعية للمشرع، وانما جاءت بضغط مجموعة من هيئات المجتمع المدني والاحزاب السياسية والاعلام وعدد من الناشطين في مجال حقوق الانسان، فالحق في الحصول على المعلومات كانت في صلب اهتمامات العديد من الجمعيات المغربية التي تشتغل في ميدان الشفافية ومحاربة الفساد والرشوة وتخليق الحياة العامة. معتبرة بأن هذا الحق يشكل احد الاعمدة الاساسية لأي نظام وطني للنزاهة من جهة ومن جهة اخرى ان هذا الحق مرتبط بالمجتمع الديمقراطي، الذي يتمتع فيه المواطن بحرية التعبير وبوسائل اعلام قوية وبإلزامية نشر المعلومات الادارية .

دخل قانون الحق في الحصول على المعلومات يوم الثلاثاء 12 مارس 2019، حيز التنقيد بعد سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية رقم 6655. وهو بذلك يعتبر اول قانون عرفه بلادنا ينظم كيفية حصول المواطنين المغاربة على المعطيات والوثائق الموجودة في حوزة الادارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. طبقا للفصل 27 من دستور 2011، وبذلك اصبحت الادارات العمومية والمنتخبة ملزمة بتقديم المعلومات الى المواطنين. فبالرجوع الى مضامين مسودة القانون نجده انه يحتوي على ثلاثين (30) مادة موزعة على سبع (7) ابواب، وفي كل باب حاول من خلاله المشرع شرح وتوضيح كل ما يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات ( تعريف المعلومة- المعلومات التي يحق للمواطن الحصول عليها-المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها-لجنة الحق في الحصول على المعلومات-عقوبات الامتناع عن تقديم المعلومات…) وهذا ما سأحاول ملامسته بالتفصيل.

بالعودة الى مضامين قانون 31.13، نجد ان المشرع قد عرف المعلومات وذلك في المادة الثانية منه واعتبرها المعطيات والاحصائيات حيث حدد شكلها في ( ارقام او حرف او رسوم او صور او تسجيل سمعي او اي شيء اخر. ) والمضمنة في وثائق ومستندات وتقارير ودارسات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد البيانات وغيرها من الوثائق ذات الطابع العام. التي تنتجها او تتوصل بها الهيئات المعنية في اطار مهام المرفق العام. كيفما كانت الدعامة الموجودة فيها، ورقية او الكترونية او غيرها. وفي نفس المادة نجد المشرع حدد المؤسسات والهيئات المعنية بهذا الحق ( الادارات العمومية، المحاكم، مجلس النواب، مجلس المستشارين، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من اشخاص القانون العام، كل هيئة اخرى عامة او خاصة مكلفة بمهام المرفق العام. )

طبقا لمواد هذا القانون ( قانون 31.13 ) وبالخصوص المادة الخامسة منه، فالحصول على المعلومات يكون بشكل مجاني، غير ان طالب الحصول على المعلومات يتحمل على نفقته، تكاليف التي يستلزمها عند الاقتضاء ( نسخ او معالجة المعلومات المطلوبة وتكلفة ارسالها اليه )، كما منح المشرع الاجانب المقيمين بالمغرب بصفة قانونية حق الحصول على المعلومات وذلك استنادا للمادة الرابعة من القانون نفسه، تطبيقا لأحكام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها المملكة المغربية او انضمت اليها.

اما استثناءات من الحق في الحصول على المعلومات، وكما جاء في المادة السابعة فإنه تستثنى من الحق في الحصول على المعلومات، كل المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وبأمن الدولة الداخلي والخارجي، وتلك المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد او التي تكتسي طابع معطيات شخصية، والمعلومات التي شأن الكشف عنها المس بالحريات والحقوق الاساسية المنصوص عليها في الدستور. ويستثنى ايضا من هذا الحق المعلومات المشمولة بطابع السرية بمقتضى النصوص التشريعية الخاصة الجاري بها العمل من قبيل سرية مداولات المجلس الوزاري ومجلس الحكومة، سرية الأبحاث والتحريات الادارية، سرية المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها، ما لم تأذن بذلك السلطات القضائية المختصة، مبادئ المنافسة الحرة والمشروعة والنزيهة وكذا المبادرة الخاصة، حماية مصادر المعلومات. وهنا ينبغي الإشارة اذا تبين ان جزءا من المعلومات المطلوبة يندرج ضمن نطاق الاستثناءات المنصوص عليها في المادة السابعة، يحذف هذا الجزء ويسلم الباقي من المعلومات الى طالبها، هذا ما تطرقت اليه المادة الثامنة من القانون ( قانون 31.13 )

اما بخصوص كيفية الحصول على المعلومات، فقد حدد المشرع طرق واجراءات ممارسة هذا الحق وذلك من خلال المادة 14 من القانون ذاته، انه يتم الحصول على المعلومات بناء على طلب يقدمه المعني بالأمر وفق نموذج تعده لجنة اعمال الحق في الحصول على المعلومات، يتضمن الاسم الشخصي والعائلي لصاحب الطلب وعنوانه الشخصي، وعند الاقتضاء، عنوانه الالكتروني، والمعلومات التي يرغب في الحصول عليها، مع ذكر مبررات تقديم الطلب، وبعد ذلك يوجه الطلب الى رئيس المؤسسة او الهيئة المعنية ( المؤسسات والهيئات التي حددتها المادة الثانية من القانون ) عن طريق الايداع المباشر مقابل وصل او عن طريق البريد العادي او الالكتروني مقابل اشعار بالتوصل. ويجب على الشخص المكلف ( المؤسسة او الهيئة المعنية ) الرد على طلب الحصول على المعلومات داخل اجل لا يتعدى (30) يوما ابتداء من تاريخ تسليم الطلب، ويمكن تمديد هذا الآجال لمدة مماثلة اذا لم يتمكن الشخص المكلف من الاستجابة كليا او جزئيا لطلب المعني بالأمر خلال الاجل المذكور، او كان الطلب يتعلق بعدد كبير من المعلومات، واذا تعذر توفير المعلومات خلال الاجل السالف الذكر. او كان تقديمها يحتاج الى استشارة الغير قبل تسليمها، كما يتعين على الشخص المكلف اشعار المعني بالأمر مسبقا بهذا التمديد كتابة او عبر البريد الالكتروني. كل هذا تطرق اليه المشرع من خلال المادة 16 من القانون. اما في الحالات المستعجلة، فيجب على الشخص المكلف الرد على طلب الحصول على المعلومات في اقرب الآجال الممكنة والتي يكون فيها الحصول على المعلومات ضروريا لحماية حياة الاشخاص وسلامتهم، طبقا للمادة 17 من القانون نفسه. هذا بالإضافة الى ان المؤسسات المعنية الزمها المشرع بتعليل ردها كتابيا في حالة رفض تقديم المطلوبة بشكل كلي او جزئي، ويحق لطالب المعلومة عند عدم الرد على طلبه او عدم الاستجابة تقديم شكاية الى رئيس المؤسسة او الهيئة المعنية في ظرف (30) يوما من تاريخ انقضاء الاجل القانوني المخصص للرد على طلبه، او من تاريخ التوصل بالرد، وهنا يتعين على رئيس الهيئة المذكورة دراسة الشكاية واخبار المعني بالأمر بالقرار الذي تم اتخاذه بشأنها خلال خمسة عشر (15) يوما ابتداء من تاريخ التوصل بها، كل هذا تطرق اليه المشرع في المادة 19 من القانون.

من اجل حماية وضمان حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومات، فقد نص المشرع في الباب الخامس من القانون وبالخصوص المادة 22 منه، على لجنة تحدث لدى رئيس الحكومة، وهي لجنة لأعمال الحق في الحصول على المعلومات، والسير على تفعيله، حيث تناط بهذه اللجنة مجموعة من المهام : السير على ضمان حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومات، تقديم الاستشارة والخبرة للهيئات المعنية حول اليات تطبيق احكام هذا القانون وكذا النشر الاستباقي للمعلومات التي بحوزتها، التحسيس بأهمية توفير المعلومات وتسهيل الحصول عليها لاسيما عن طريق تنظيم دورات تكوينية لفائدة اطر الهيئات المعنية…، ويرأس هذه اللجنة رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، المحدثة بموجب المادة 27 القانون رقم 09.08. وتتألف من ممثلين اثنين عن الادارات العمومية يعينهما رئيس الحكومة وعضو يعينه رئيس مجلس النواب وعضو يعينه رئيس مجلس المستشارين وممثل عن مؤسسة “ارشيف المغرب” وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الانسان وممثل عن الوسيط. كما يمكن لرئيس اللجنة ان يدعوا على سبيل الاستشارة، كل شخص او هيئة او ممثل ادارة لحضور اجتماعات اللجنة او الاستعانة بخبرته. تجتمع اللجنة كلما اقتضت الضرورة ذلك، بدعوة من رئيسها بمبادرة منه او بطلب من نصف اعضائها، ولا تعتبر اجتماعات اللجنة صحيحة الا بحضور ثلثي اعضائها الحاضرين. كما ان اللجنة تستعين في اداء مهامها بالجهاز الاداري المنصوص عليه في المادتين 40 و41 من القانون رقم 09.08 .

نظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها هذا القانون في الممارسة الديمقراطية بمشاركة المواطن في الحياة العامة. فإن المشرع نص في المادة 12 من قانون الحق في الحصول على المعلومات على ضرورة تعيين شخصا او اشخاص مكلفين، تعهد اليهم بمهمة تلقي طلبات الحصول على المعلومات ودراستها وتقديم المعلومة المطلوبة، وكذا المساعدة اللازمة، عند الاقتضاء، لطالب المعلومات في اعداد طلبه، فهؤلاء الاشخاص المكلفون بتقديم المعلومات قد يتعرضون للمتابعة التأديبية طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل في حالة امتناعهم عن تقديم المعلومات المطلوبة طبقا لأحكام هذا القانون، ويعتبر مرتكبا لجريمة افشاء السر المهني طبقا للفصل 446 من القانون الجنائي، كل من خالف احكام المادة 7 من هذا القانون، وذلك ما لم يوصف الفعل بوصف اشد. وفي نفس المسار نصت المادة 29 من القانون، على ان كل تحريف لمضمون المعلومات المحصل عليها نتج عنه ضرر للهيئة المعنية، او ادى استعمالها او اعادة استعمالها الى الاساءة او الاضرار بالمصلحة العامة، يعرض الحاصل على المعلومة او مستعملها، حسب الحالة للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 360 من القانون الجنائي .

خلاصة لما سبق، يشكل قانون الحق في الحصول على المعلومات رقم 31.13، محطة اساسية ومهمة في ترسيخ دولة الحق والقانون، وعاملا اساسيا لتحقيق الشفافية والمحاسبة للمؤسسات العمومية والهيئات المنتخبة، وتنزيلا فعليا لمقتضيات الدستور ومتطلباته القانونية وتعبيرا صريحا عن ارادة سياسية تستجيب للحاجيات الادارة والمجتمع، كما انه سيعيد بناء جسر الثقة بين الادارة والمرتفقين وضمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى