المسكوت عنه في فرنسة العلوم

في أواخر سنة 2010 انطلقت شرارة ثورة الياسمين في تونس جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه بسبب انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بعد احتجاجات يومية شاركت فيها جميع أطياف الشعب التونسي. وسرعان ما اتسع نطاق ثورة تونس، وانتقلت عدوى الثورة إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا والأردن والمغرب بفضل شاشات الفضائيات الخليجية والأجنبية الناطقة بالعربية التي يعتقد ان تفاعلاتها في تغطية الأحداث، هو الذي فجر، وقاد هذه الثورات.
في المغرب خرج الشعب للتظاهر السلمي في الشارع مطالبا بإصلاحات سياسية واجتماعية على غرار الدول المجاورة، لكن النظام المغربي تعامل بذكاء ومرونة مع هذه الاحتجاجات بتعديل الدستور واجراء انتخابات مبكرة أدت الى وصول الإسلاميين للحكومة- اسوة بدول الجوار -التي فاز فيها الإسلاميون بالانتخابات مستفيدين من الحراك الشعبي ومن التوجيه الإعلامي الذي انطلق في دول المشرق مع ظهور الفضائيات ثم مواقع التواصل الاجتماعي بعد ذلك، هذا التوجيه يطرح الإسلاميين كبديل عن السلطوية القائمة وقادر على مشاكل ‘الامة’ السياسية والاقتصادية و الاجتماعية.
هذا التأثير الشرقي كانت وستكون له عواقب وخيمة على الوضع الداخلي للمملكة المغربية وعلى استقرارها وتفرد نموذجها المجتمعي والديني، مما دافع صناع القرار في المغرب -رغم خمود الحراك الشعبي نسبيا-الى استشراف المستقبل من خلال التفكير في اليات تمكن من وضع حد لهذا التأثير وفصل الشعب المغربي عن شرق أوسط ساخن ودائم التقلب.
أولى القرارات المتخذة في هذا الصدد كانت الانفتاح على القارة السمراء وإعادة احياء البعد الافريقي في الهوية الوطنية وفي نفس الوقت تخفيض مستوى التمثيل في القمم العربية بل وعدم استضافتها. هذا الاجراء مكن المغرب من استعادة ريادته الاقتصادية والدينية على المستوى الافريقي وكسب نقاط مهمة في قضية الوحدة الترابية عكس العمق العربي الذي لا يستفيد منه المغرب شيئا ماعدا بعض الهبات المشروطة من الدول الخليجية.
من جهة أخرى، أطلق نور الدين عيوش –المقرب من دوائر القرار-مبادرة تهدف الى اعتماد الدارجة كلغة تدريس في المدرسة العمومية المغربية باعتبارها انتاجا مغربيا خالصا يجمع بين اللغتين الرسميتين العربية والامازيغية مما سيساعد على تكريس اللحمة الوطنية وفي نفس الوقت سيمكن من ابعاد تدريجي للشباب المغربي عما يقع في الشرق الأوسط من أزمات متواصلة. لقي هذا الطرح رفضا واستهجانا واسعين من طرف بعض أطياف الشعب المغربي مما دافع بمهندسي القرار الى التراجع عنه في انتظار نضوج الفكرة لذا الرأي العام وادخال بعض التحسينات عليها ومن تم تطبيقها تدريجيا رغم أنف المعارضين (مقرر البغرير نموذجا).
الفشل النسبي لمقترح اعتماد الدارجة دفع مدبري هذا التوجه الى البحث عن اطار قانوني لتصريف مقترحاتهم و إعطائها بعدا تشريعيا فتم الإعلان عن مشروع قانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، والمندرج في إطار” الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030″ ، وذلك من أجل تحويل الرؤية باعتبارها منتوج مؤسسة استشارية متمثلة في المجلس الأعلى للتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي الى قانون سيجعل منها اطارا مرجعيا ملزما للسلطات التشريعية عند بلورة القوانين وللسلطة التنفيذية عند وضع السياسات العمومية.
في هذا القانون، تم التنصيص على ضرورة اعتماد التناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية والتقنية، هذا الاجراء –ان اعتمد من قبل البرلمان-يعد تراجعا جزئيا عن سياسة التعريب التي تم اعتمادها في السابق لأسباب سياسية. هذه الأسباب نفسها هي التي أدت الى التفكير في فرنسة العلوم، حيث ستمكن من ابعاد الشباب عن تقلبات الشرق الأوسط. باركت هذا الاقتراح فئات واسعة من الشعب المغربي لأنه سيمكن من الادماج السريع للشباب في سوق الشغل وتطوير البحث العلمي بالإضافة الى زيادة الانفتاح على العمق الافريقي، في المقابل عارضته الأحزاب المحافظة والجماعات الدعوية لأنه سيحرمها من قاعدتها الشعبية.
في الختام، أؤكد على أن فرنسة العلوم هي مرحلة من مخطط استراتيجي يهدف الى الحفاظ على النموذج المتفرد للهوية الدينية والسياسية للدولة المغربية بعيدا عن تقلبات الشرق الأوسط وتعقيداته وتناقضاته، بغض النظر عما سيكون لهذا الاجراء من تأثيرات اقتصادية واجتماعية إيجابية كانت ام سلبية على الواقع المعيشي للشباب على المدى المتوسط والبعيد.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. ” بغض النظر عما سيكون لهذا الاجراء من تأثيرات اقتصادية واجتماعية إيجابية كانت ام سلبية على الواقع المعيشي للشباب على المدى المتوسط والبعيد.”
    وكان الشعب المغربي مجرد سرب من الذباب.معادلة “السيد و العبد” لا تزال معشعشة في عقولكم.احذروا فالشعب المغربي كالنحل إذا أودي فردة فعله مدمرة.

  2. غلى المغرب ان يقطع مع الشرق ويتجه شمالا وغربا وجنوبا لانه لا ياتي من الشرق الا الفكر الظلامي والدواعش والشيح والريح و التخلف الفكري ان للمغرب شخصية وهوية خالصة و مستقلة عن الشرق فاسلام المغرب متسامح ومتنور وغير منغلق ولهدا يجب القطع مع التيارات الوهابية والشيعية بتقوية لغتنا الامازيغية وتعميمها مع تدريس العلوم باللغتين الفرنسية والانجليزية واللغة العربية لغة الدين والادب مثلها مثل اختها اللغة الامازيغية وبهدا نقضي على التعصب واستغلال الدين لاغراض شخصية كما يفعل تجار الدين.

  3. تدريس لغة أو لغات أجنبية للشباب المغربي سيجعلهم ينفتحون على حظارات العالم و آفاق جديدة و لن ينحصر تفكيرهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى