“التشبت بالكرسي”… الكفر المباح” للمسؤولين المغاربة

ع اللطيف بركة : هبة بريس

بات الجري وراء المسؤوليات لتقلد المناصب والبقاء فيها أطول وقت ممكن إلى ” كفر مباح” يسيطر على السواد الأعظم من المسؤولين المغاربة، حيث إن “شهوة الكرسي” باتت تقليدا مشتركا بالمغرب.

في هرم أي حزب مغربي إلى أدنى مسؤول محلي، شاءت الأقدار أن يترأس حزبا او حتى جمعية ما، لدرجة أن ثقافة التداول على السلطة وتجديد الدماء باتت “كفرا مباحا ”، أو “رجسا من عمل الشيطان” في قاموس أشخاص يرفعون شعار “مسؤولون إلى أجل غير مسمى”.

لا يمكن بداية الحديث عن هذا الوضع القائم الذي تحول إلى ظاهرة حقيقية في بلد أسس لدستور جديد ، إلا إذا تفقدنا حال احزابنا او حتى حكومتنا حينما تشبت بنكيران برئاسته للحكومة في ولاية ثانية وبعدها ترشيحه الى ولاية أخرى على رأس الامانة العامة لحزب المصباح وبعده عدد من زعماء الاحزاب والنقابات كما وقع مؤخرا لانتخاب ” موخاريق ” لعهدة ثالثة في نقابة الاتحاد المغربي للشغل .

– دستور جديد بنخب قديمة

من المعلوم أن دستور الجديد للمغرب جاء بعد حراك شعبي سنة 2011 كانت الغاية منه ان الشعب أصبح لا يقبل وجود وجوه عمرت طويلا في كراسيها ولم يعد ضخ دماء جديدة وارد ، مما أصاب عدد من المؤسسات ب ” الشلل ” وجعل الشباب ينتفض ضد هذا الوضع الغير الطبيعي، فلا يعقل أن يجلس برلماني لاربعة عقود من الزمن في نفس الكرسي، وقبله رئيس حزب عمر لعقود من الزمن وكذلك النقابات، بالرغم من تقدم السن ووطأة المرض لبعض هؤلاء المعمرين . ومهما كانت المبررات التي يحملها هؤلاء لتبرير بقائهم كل هذه المدد “متربعين ” على المسؤوليات ، إلا أن النقطة التي لا يمكن التغاضي عنها هو الدستور الجديد أعلى وثيقة في البلاد الذي صوت عليه المغاربة ، وانتهى بفتح العهدات دون تحديد مددها من أجل تقلد المسؤوليات وفتح المجال أمام الشباب المغربي ، ومن ثمة تمهيد الطريق لبناء مغرب ديمقراطي .

– الشعب في واد والمسؤولين في واد آخر

وإذا كان ” المسؤول الحزبي للدف ضاربا، فشيمة مناضليه كلهم.. الرقص”، ذلك أن كثيرا من مكونات المجتمع يعيبون على عدد من زعماء الاحزاب والنقابات بقاءهم كل هذه المدة. في حين إن الأغلبية من كتاب جهويون او محليون يحذون حذوه ويسيرون على خطاهم، فمثلا “زعيم” الاتحاد المغربي للشغل ” موخاريق” لا يريد مغادرة “دار النقابة ”، بالرغم من الهزات التي عرفتها هذه المركزية النقابية في أكثر من مرة. ولعل أهم هزة هي تلك المتعلقة بفضيحة تشويهه أمام نقباء عرب في مؤتمر نظم بمراكش الخليفة التي احرجت الرجل القوي في أقدم مركزية نقابية بالمغرب.

– زعماء أحزاب معمرون

وفي سياق المشهد الحزبي، لم تعرف أشغال المؤتمرات العادية لعدد من الاحزاب أية مفاجآت تذكر، حيث تم تجديد الثقة في نبيل بنعبد الله لعهدة ثالثة على رأس حزب التقدم والاشتراكية ، وبنكيران على رأس حزب المصباح كان يطمح لولاية ثالثة ، بناء على محاولة وضع تعديلات التي طرأت على القانون الأساسي لكن البيجيديون تصدو لذلك . ولم يجد أمحند العنصر على رأس حزب الحركة الشعبية صعوبات للحفاظ على كرسيه الذي شغله مند التسعينيات من القرن الماضي.

– برلمانيون يحطمون رقم غينيس

ودائما في الاحزاب ، فإن المشهد البرلماني لا يختلف كثيرا بالنسبة لنواب الامة ، حيث أن عدد من الاسماء لم تغادر مقاعدها مند تأسيس غرفة البرلمان.

عبد الواحد الراضي أكبر ” معمر ” برلماني في العالم

ولد عبد الواحد الراضي سنة 1935، بمدينة سلا، حيث تابع دراسته الابتدائية، قبل أن ينتقل للعاصمة الرباط للحصول على البكالوريا، ثم التحق بعد ذلك بجامعة السوربون بفرنسا، التي أنهى بها دراسته الجامعية.

كان شيخ البرلمان المغربي، عبد الواحد الراضي، أحد المؤسسين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1959، كما تقلد مسؤوليات قيادية بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث انتخب كاتبًا عامًا لفيدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا في الفترة ما بين 1958 إلى 1960، وساهم في تأسيس فيدرالية طلبة شمال إفريقيا.

انخرط عبد الواحد الراضي مبكرًا في العمل السياسي، كما شارك في العديد من المنظمات السياسية، وتقلد مسؤوليات عديدة في ذلك، إذ انتخب الراضي عضوًا في المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي عام 1962، ثم عضوا في لجنته الإدارية عام 1996، وأصبح عضوًا بالمكتب السياسي لحزب منذ عام 1989. كما شغل مسؤولية نائب للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2003، وغدا كاتبًا أول في سنة 2008.

– الراضي وكرسيه المخلد في البرلمان

كان فوز عبد الواحد الراضي بمقعده البرلماني، إحدى غرائب نتائج الانتخابات التشريعية لـ2016، محطّما بذلك كل التوقعات، التي كانت تنتظر خاتمة حقبته البرلمانية المديدة لأزيد من نصف قرن.

وفاز الراضي بمقعد الدائرة الانتخابية «القصيبية»، التابعة لإقليم «سيدي سليمان»، باسم حزب الاتحاد الاشتراكي، ويتولى منصب رئيس مجلسها الجماعي منذ 1983م إلى اليوم، دون أن يستطيع منافس الإطاحة به.

ويعد ارتباط عبد الواحد الراضي مع البرلمان، موغلًا في التاريخ، إذ انتخب نائبًا برلمانيًا منذ 1963، وأعيد انتخابه من جديد خلال الولايات التشريعية «1977–1984» و«1984–1993»، و«1993-1997»، و«1997-2002»، و«2002-2007»، و«2007-2011»، و«2011-2016»، وكذلك الآن، بعد أن استطاع أن يُحافظ على مقعد في البرلمان.

وُصف الراضي عندما ولج قبة البرلمان المغربي لأول مرة سنة 1963، بكونه أصغر نائب في تاريخ المغرب، ليتحوَّل اليوم إلى أقدم برلماني في العالم، لم يُهزم أبدًا في أي استحقاقات تشريعية على مدى 53 سنة إلى اليوم، ولا يزال بقاؤه في البرلمان مستمرًا.

ورغم الانتقادات الواسعة، التي تطاله بسبب أقدميته الغابرة في قبة البرلمان، إلا أنه يأبى اعتزال كرسيه السياسي وإفساح المجال للآخرين، كما يفعل سياسو العالم عادة بعد إمضائهم فترة من الزمن، وهو الأمر الذي يجعله مادة دسمة للسخرية من قبل رواد الشبكات الاجتماعية.

ويبدو أن عبد الواحد الراضي ليس الوحيد في عائلة «آل الراضي» المغرم بالكرسي البرلماني، إذ حصل ابن أخيه أيضًا، «ياسين الراضي»، على مقعد بمجلس النواب عن دائرة «الغرب»، باسم حزب الاتحاد الدستوري، خلال الانتخابات الأخيرة للمرة الثانية على التوالي، بعد أن دخل البرلمان لأول مرة سنة 2011 وهو في عمر 21 سنة.

– أزمة العمل السياسي

قد يرى البعض أن عبد الواحد الراضي، يُمثل أزمة العمل السياسي والحزبي في المغرب، إذ بالرغم من انتمائه لحزب اشتراكي، إلا أنّه حرص جاهدًا على جمع أملاك فلاحية، تُقدّر بآلاف الهكتارات، فضلًا عن نضاله عشرات السنين للحفاظ على كُرسيّه.

وأدى غياب الديموقراطية الداخلية لدى معظم الأحزاب السياسية بالمغرب إلى بقاء زعماء معمرين ممثلين لهم، دون إفساح المجال لشخصيات جديدة، ما ساهم في بروز أطر شعبوية، فاقدة للكفاءة والنزاهة، تستميل الناخبين من خلال المال والانتماء والعلاقات.

لعل ذلك أدّى إلى خلق عزوفٍ حاد لدى قطاع عريض من المواطنين، جسدته النسبة المنخفضة في المشاركة بالانتخابات التشريعية الأخيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى