حين يتواطؤ المحيط والتلوث الصناعي والإهمال على ابتلاع أجزاء من آسفي..

..ما من شك في أن من يزور مدينة آسفي ستصيبه الصدمة ويخيب أمله وهو يلاحظ ما آلت إليه زواياها ومساجدها الضاربة في أعماق التاريخ والشاهدة على ماضيها الديني والثقافي والعلمي ( المسجد الأعظم ومدرسته القرآنية ،مسجد وزاوية الشيخ أبي محمد صالح ، المسجد الفوقاني ، مسجد القصبة ،مسجد الشريف الحاج التهامي ، الزاوية القادرية ، الزاوية التجانية ، الزاوية الدرقاوية ، الزاوية الناصرية ، الزاوية الحمدوشية ، الزاوية العيساوية ، زاوية مولاي عبد الله بنحساين، الزاوية المصلوحية، خلوة محمد بن سليمان الجزولي ) وهي لعمري فضاءات دينية علمية وصوفية ظلت شاهدة على تاريخ المدينة العريق وتخرج منها ثلة من العلماء والفقهاء والمفكرين ورجال الدولة والأطر ممن تتلمذوا على يد أعتد الشيوخ والعلماء المشهود لهم بالكفاءة والنبوغ الفكري والديني والعلمي ..خيبة أمل وحسرة تتملك بنات وأبناء آسفي وزوارها على ما أصاب ويصيب كذلك مآثرها التاريخية المنتصبة على واجهتها البحرية أو الموجودة وسط وبمحيط المدينة القديمة والشاهدة على غنى الماضي العمراني والثقافي للمدينة ( قصر البحر، رحات الريح ، دار السلطان ، دار البارود ، الكنيسة البرتغالية..) إضافة إلى المعلمة العمرانية لبنك المغرب ..
ما من شك أن الكل يجمع على ما طال ويطول هذه المواقع الأثرية والمعالم الدينية والثقافية والصوفية والخدماتية من إهمال .معالم أصبحت في مهب الريح لأن جلها إن لم تكن كلها عائمة أرضيتها فوق الماء بسبب التسربات التحت أرضية لمياه المحيط الأطلسي ..كل هذا أمام أعين من تعاقبوا على تدبير شأن المدينة والمسؤولين الحكوميين الذين زاروها ويزوروها ..ألم يسمع وزير الثقافة ولم تقدم له شروحات ومعلومات وملتمسات حول ما يتهدد هذه المعالم وبنايات المدينة القديمة وساكنتها من أخطار بمناسبة زيارته للمدينة خلال مشاركته في الندوة الختامية للدورة الثانية والعشرين لجامعة مولاي على الشريف التي احتضنتها آسفي في ابريل 2018؟
ما من شك أن الجميع شاهد على الواقع المزري لحاضرة المحيط وهي تتهاوي وتنهار أجزاء منها بسبب تلاطم أمواج البحر بجرف الساحل وبفعل ما تقذف به مصبات المياه العادمة والصناعية وما تحمله القنوات التحت أرضية لمعامل التصبير ومصانع المجمع الشريف للفوسفاط من مياه ملوثة وحمضية في غياب محطة لمعالجة المياه العادمة سمعنا عن إنشائها منذ سنة 2013 ، وبفعل الاهتزازات التي تحدثها القطارات المحملة بالمعادن من الميناء إلى الموقع الصناعي للفوسفاط..
وضع مأساوي لا يكاد ينساه الآسفيون حتى يتذكروه بمجرد وقوع حادث انهيار جزء من الجرف أو بناية ، كان آخره وبالطبع ليس أخيره حادث الانهيار الأرضي الذي وقع بحر الأسبوع الثالث من شهر مارس 2019 على مقربة من معامل التصبير ووحدات الصناعات الغذائية ، وهو الحادث الذي كاد يودي بحياة شخص صادف وجوده هناك انهيار أرضي حين هوى به مكان وقوفه على الصخور وكادت تبتلعته أمواج الأطلسي قبل أن يتمكن من إنقاذ نفسه بأعجوبة.. وضع يستدعي التدخل لإيقاف النزيف والذي يهدد بوقوع كارثة أو كوارث قد تأتي على المزيد من المباني والممتلكات و الأرواح البشرية لا قدر الله..بات التدخل والتحرك العاجل وتحمل المسؤولية لإنقاذ المدينة وساكنتها حتميا وضروريا ولا يحتمل المزيد من هدر الوقت بالنظر لحجم الخطورة التي أصبحت تشكلها هذه الانهيارات المتتالية والمفاجئة والتي لن يسلم منها حتى المشروع السياحي الحديث الإنشاء على حافة الجرف الهاري ( كورنيش المدينة) ᴉᴉᴉ الذي صرفت على إنجازه ملايين الدراهم..لقد أصبح التلكؤ في تحمل المسؤولية التاريخية بالنسبة لأصحاب الحل والمسؤولين على تدبير الشأن المحلي وجميع المتدخلين المحتملين جريمة في حق آسفي في ظل الأخطار التي أصبحت تتهدد المدينة وساكنتها وزوارها..
متابعتنا لمشكل هذه الانهيارات تجعلنا ندق ناقوس الخطر مرة أخرى ونهمس بصوت مرتفع في آذان من بأيديهم القرار من أجل التحرك وتحمل المسؤولية ،لأنه منذ سنة 2004 تاريخ إنجاز دراسة حول إنقاذ قصر البحر لم تتحرك أية جهة لإنقاذ الوضع حتى سنة 2015 حيث ومباشرة بعد انتخاب مجلس جهة مراكش آسفي حسب التقسيم الجهوي الجديد للمملكة ، أخذ هذا الأخير على عاتقه ملف إنقاذ جرف أموني ضمن ملف كبير لتأهيل ساحل الجهة ، وهو الملف الذي تبناه وجعله من ضمن أولوياته التنموية وكلف به نائب الرئيس الجهة الدكتور”علي بنعبد الرزاق” وبمتابعة وإشراف من رئيس مجلس جهة مراكش آسفي وعامل إقليم آسفي ، وهو الملف الذي يعد تحديا تنمويا واعدا يدعو إلى تظافر جهود جميع المؤسسات الحكومية والمنتخبة و الإدارية و الصناعية والاقتصادية للمساهمة فيه..
وللاطلاع على مستجدات هذا الملف الشائك وما تقرر في شأنه من طرف الجهات المسؤولة بموازاة مع الانهيارات المتتالية الخطيرة التي تقع هنا وهناك ، كان لبلبريس اتصال بالدكتور “علي بنعبد الرزاق” نائب رئيس جهة مراكش آسفي المكلف بملف تأهيل الساحل لدى مجلس جهة مراكش آسفي الذي عبر في البداية عن أسفه لحادث الانهيار الأخير وللانهيارات المتلاحقة التي تعرفها المنطقة والتي لن تكون الأخيرة بطبيعة الحال ، حيث ذكرنا بأول ما قام به مجلس الجهة فيما يخص هذا الملف من خلال إعادة إخراج ونفض الغبار على دراسة 2004 التي ظلت حبيسة الرفوف والتي سبق وأنجزها مكتب دراسات وأشرف عليها أحد أبناء آسفي المهندس العارف بخبايا معمار وتضاريس الإقليم” محمد الجريفي ” ..دراسة ، يقول الدكتور بنعبد الرزاق ، تتضمن حلا جذريا لمشكل انهيار جرف أموني تم التعامل معها حينها من قبل القائمين على الشأن المحلي بمقاربة خاطئة حيث تم حصر المشكل آنذاك في إنقاذ قصر البحر في الوقت الذي تتحدث الدراسة عن ضرورة رصد مبالغ مالية كبيرة تقدر بالملايير وتتطلب تدخل عدد من الجهات لإنقاذ جرف أموني ككل ولا تحصر التدخل في إنقاذ قصر البحر فقط.. متسائلا كيف لمسؤول حكومي أو جهة حكومية معينة أن توافق عن منحك مبلغ كبير يقدر بالملايير لمجرد إنقاذ معلمة قصر البحر فقط ؟ مما جعل الأمر يقف عند هذا الحد قبل أن يتحرك مجلس جهة مراكش آسفي غداة انتخابه ويأخذ الملف على محمل الجد وبتتبع شخصي من الرئيس ومواكبة من طرف عامل إقليم آسفي، يقول الدكتور بنعبد الرزاق ، أصبح الحديث الآن عن مقاربة تأهيل الساحل وإنقاذ جرف أموني والتفكير في سلامة المدينة ككل ..وبالفعل ، يضيف متحدثنا ، تم عقد العديد من الاجتماعات واللقاءات سواء بمقر جهة مراكش آسفي أو بعمالة إقليم آسفي بمشاركة جميع الأطراف التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالموضوع ، و التزمت المديرية الجهوية للتجهيز بآسفي ،في اجتماع مسؤول ترأسه عامل الإقليم ،بتحيين الدراسة حيث حددت لها مدة في 6 أشهر لتكون جاهزة ، كما التزم جميع المتدخلين بما فيهم المجالس المنتخبة ووزارة الداخلية والمجمع الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للسكك الحديدية وإدارة الموانئ وحتى المسؤولين البرتغاليين كل من موقعه بالمساهمة في المشروع بمجرد إخراج الدراسة..
إلا أنه ولحدود وقوع حادث الانهيار الأخير وبعد حوالي سنة من التزام المديرية الجهوية للتجهيز لم تخرج الدراسة إلى حيز الوجود.. وهو الأمر الذي لم يعجب الدكتور بنعبد الرزاق الذي عاود الاتصال بالمدير الجهوي لوزارة التجهيز بآسفي محملا إياه مسؤولية أي تأخير ليلتزم هذا الأخير من جديد بأن الدراسة ستكون جاهزة أواخر شهر مارس أو ابريل 2019 .. و بمجرد وقوع حادث الانهيار الأخير ، يضيف الدكتور بنعبد الرزاق ، تم الاتصال من مجددا بالمدير الجهوي من أجل الإسراع لكن هذه المرة بتدخل مستعجل من خلال حل يقدمه مكتب الدراسات ضمن المشروع ككل لإيقاف النزيف وبالموازاة مع ذلك الشروع في الحل الجدري للمشكل والمتمثل في إنقاذ جرف أموني ، يوضح متحدثنا، بعيدا عن الحلول الترقيعية لأن مستقبل المدينة وساكنتها أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى مما يستدعي إخلاء البنايات و ترحيل الساكنة المهددة على سبيل الاحتياط ، ثم القيام بإجراء وقائي أولي لإيقاف الانهيارات وثالثا الشروع في إنجاز المشروع الكبير لإنقاذ جرف أموني ككل..وهو ما يشدد عليه الدكتور علي بنعبد الرزاق مطالبا وزارة التجهيز من خلال مديريتها بآسفي الوفاء بوعودها والإسراع بإخراج الدراسة ليتحمل الجميع كل من موقعه المسؤولية التي ليست حكرا على جهة معينة دون أخرى..

 

عــبد اللــــطيف أبــــوربيعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى