القمم العربية والحنين إلى أسواق عكاظ !

عكاظ في التراث العربي

تعتبر هذه السوق إحدى الأسواق الثلاثة الكبرى التي اشتهرت في العهد الجاهلي ، إضافة إلى سوقي مجنة وذي المجاز . كانت العرب “تتسوقه” على مدى عشرين يوما ؛ بداية من أول ذي القعدة ، يعرضون بضائعهم ويلقون قصائدهم ، فكانت قبيلة “عدوان” مركزا لسوق عكاظ بجوار هوازن .
” وردت في تسمية عكاظ جملة من المعاني نجتزئ منها : ” … عكظهُ أي حبسه وتعكّظ القوم أي اجتمعوا وازدحموا وتحسّبوا لينظروا في شؤونهم ، وتعكّظ عليه أمره أي تحبّس والتوى ..وعكّظ خصمه بالحجة أي عركه وقهره ، وعكظه بالمفاخرة بمعنى دعكه وأوجعه …” . وقد سارت الركبان فيما بعد بأنها سوق تعقد للمفاخرة بالأنساب والأحساب ، “والمزايدات” بالدلالة الحالية ؛ كل يحاول أن يبزّ خصمه ويفحمه بشتى الوسائل ولو ببيت شعر واحد . فكان الشعر آنئذ عند العرب بمثابة “بورصة” تنخفض وترتفع قيمها تبعا للشاعر وقصائده ودرجة الإجهاز الشعري على خصومه في الذم والهجو ، أو الرفع من علو كعب قبيلة أو والي أو حاكم في مجال المدح ، على أن أغراضا شعرية كثيرة مما كانت القصيدة العكاظية تتميز بها عدى الغزل والنسيب والرثاء والخمريات . لكن ما علاقة عكاظ بالمؤتمرات العربية ؟

المؤتمرات العربية والتلاسن السياسي

تنبعث من أرشيف جامعة الدول العربية روائح كريهة جراء ما احتوته وثائقها ؛ وبالأخص التقارير بوقائع جلساتها العلنية أو السرية ؛ من ملاسنات وتقريعات في حق هذا الرئيس أو ذاك ، فلو أمكن تمرير وقائعها الصوتية عبر شريط فيديو لاقشعرت منها الأبدان واشمأزت منها النفوس وتندّت لها الجباه .. موجة من الهذيان والزعيق والخطب الرنانة ، والدوس بالأحذية الثقيلة على اللغة العربية . وغالبا ما تختتم أشغالها “ببيان وتوصيات” عبارة عن طموحات شعرية هلامية وتوصيات معلقة … كثيرا ما تحتضنها الدول حديثة العهد بتنظيم قمة من هذا الحجم بالسعي الحثيث إلى تدبير إقامات أصحاب الفخامة والسمو والمعالي ، فتجذب لها آخر صيحة في السيارات الفارهة وأشهر الطباخين المهرة في إعداد الوجبات المضادة للسمنة والسكر والملح .. فضلا عن قطع الطرق المحاذية لإقامات الضيوف للسهر على راحتهم .

الغياب السمة الرئيسة في القمم العربية الحديثة

في السنوات الخمس الأخيرة انعقدت قمم بكل من موريتانيا ولبنان وأخيرا تونس ، هذا فضلا عن قمم ثنائية أو ثلاثية بلقاء رئيسين أو ثلاثة رؤساء ، إلا أن اللافت هو شغور كراسي عديدة من الدول العربية أو تحضر بتمثيلية رمزية كرئيس حكومة أو وزير للخارجية ، أو ممثل عنهم في الحالات الأشد إثارة وهزالا ، وهو غياب قطعا له ما يبرره في توتر العلاقات بين هذا البلد وذاك إلى حد القطيعة وإغلاق السفارتين .. ، لذا حملت أكثر القمم العربية على عاتقها ؛ وضمن جداول أعمالها ؛ مهمة إصلاح ذات البين أو الوساطة في رأب الصدع بين الرئيس أو الملك x والرئيس أو الملك y …

نتانياهو يستشهد بانفتاح العرب !

في كل مناسبة دبلوماسية أو إعلامية يستغلها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو لينوه بمستوى العلاقات الإسرائيلية مع العرب ؛ ربما فاقت في جودتها بكثير العلاقات البينية العربية ، فقد تصل إلى المليارات من الدولارات في حجمها الاقتصادي عدى الصفقات السرية المبرمة بين إسرائيل وهذه البلدان العربية ، ومع ذلك يتحاشى العرب الحديث عن إسرائيل على مستوى تبادل المصالح أو بالأحرى التنازل لها عن مناطق استراتيجية في مجالات الطيران والصيد البحري أو التنقيب .

لكن ؛ إذا حاولنا إلقاء إطلالة على العلاقات العربية العربية فسنلفي معظمها موسومة بقصائد شعرية في الهجو أو المدح ولا يتجاوز غلافها المالي بضع مليارات ، علما أن مقدرات ثرواتها تعد بمئات المليارات ؛ تذهب في اقتناء الأسلحة أو تكديسها بالمصارف الأجنبية ، بينما شعوبهم ترزح تحت وطأة الجوع والهشاشة ؛ لا يتجاوز متوسط دخل الفرد الواحد فيها 2 دولارين في اليوم ، في حين أن مخزون ثرواتها تسمح بحصول مواطنها على دخل يتجاوز بكثير 30 دولار في اليوم !

عبد اللطيف مجدوب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى