متى سيصبح تعليمنا قاطرة للتنمية ؟

الديموقراطية والتعليم والتنمية

كل الدول الديموقراطية التي قطعت أشواطا بعيدة على مسار التنمية ، راهنت على قطاع التعليم كقاطرة رئيسة في هذا المسار ، وسخرت له كل الأجهزة والوسائل اللوجيستيكية والموارد البشرية والمالية .. حتى يضطلع بأدواره الاستراتيجية في تنشئة الفرد وتمكينه من المهارات والقدرات كلبنة حية في كل عملية تنموية تروم النهوض بقطاع ما .
ومن خلال هذا المنظور أضحت خصوصيات المورد البشري مدخلا أوليا للتعريف بالاقتصاد التنموي لبلد ما ، فضلا عن أطره العاملة والتي تعد بمعنى أو آخر مخرجات التعليم لهذا البلد أو ذاك . مكّني من إلقاء نظرة على مواردك البشرية أقل لك من أنت … وأحكم بما إذا كنت جديرا بخوض غمار المنافسة على مستوى سوق الشغل أم لا .

الحزبية والتقاطبية وراء هزالة تعليمنا

تشهد كرونولوجيا Chronology التعليم بالمغرب ؛ ومنذ الستينيات من القرن الماضي على جدل وإخفاقات متوالية في إرساء هندسة تربوية طموحة وهياكل متينة للنهوض بالقطاع ، بل كان المغرب وما زال يحصد إثر كل تجربة تلو أخرى خيبة أمل في أن يرى مدخلاته وخاصة منها المالية لا تتوافق مطلقا مع مخرجاته والتي يمكن معاينتها في موارده البشرية العاملة في كل القطاعات والتي تعاني نقصا حادا في التأهيل والنجاعة ؛ على شاكلة المهندسين والأطباء والتقنيين … والذين ترفضهم السوق الدولية في مجال التشغيل ما لم يخضعوا لتكوينات تكميلية مركزة .
إن البث في القرارات على مستوى اللجان العاملة في دراسة قضايا التعليم ما زالت تحكمها تيارات ورؤى ومواقف ظرفية ؛ تغذيها طموحات آنية وفئوية خالية بالكاد من الروح الوطنية التي تشتغل باستقلالية تامة تروم المصلحة العليا للبلاد . فالمجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي ؛ على سبيل المثال الذي يمتص ميزانية ضخمة بالمليارات من خزينة الدولة بالرغم من مكوناته وجمعه لمختلف التيارات والفاعلين يصغي في تدابيره وقراراته وتوجهاته لأطراف ولوبيات ضاغطة كما لاحظنا السنة الماضية بخصوص لغة التعليم وتأرجحها بين الفصحى والدارجة ، ثم لاحقا قضية لغة تدريس العلوم والتي فجرت جدلا واسعا بين عدة أطراف فاعلة وحزبية شعبوية ضيقة ؛ طغت عليها مزايدات وتجاذبات مفرطة ، وأخيرا الأستاذ المتعاقد …

التعليم والسعي لخوصصته

ما زالت تحاول الحكومة تلو أخرى خوصصة التعليم وإنها عهد “المجانية” ، بيد أن الحماس لتخلي الحكومة عن هذا القطاع وإحالته على جهة مستثمرة بات ضعيفا في ظل النتائج الكارثية التي مني بعا التعليم على مدى عقود ، سيما في العقدين الأخيرين ، أو بداية الألفية الثالثة ، علما أن التعليم الخصوصي هو الآخر لم يسلم من هذه النتائج ، بل كانت وما زالت أطماع نفعية تشرف على تدبير معظم مؤسساته ، يجد الطالب المنتمي إليه صعوبات جمة في مسايرته على مستوى القطب الجامعي .

أزمة الأستاذ المتعاقد

قضية أسالت مداد كثير من الأقلام منددة تارة ومطالبة بمراجعة مرسوم التوظيف تارة أخرى ، وأخرى سياسيوية ضيقة تروم النفخ في مواقف الأساتذة المتعاقدين والإصرار عليها .
بغض النظر عن التزام الأستاذ المتعاقد وخضوعه للشروط النظامية في ممارسة مهنة التدريس ، يمكن إدراج التعاقد ضمن عروض التشغيل التي يقتضي الالتزام بها والخضوع لمقتضيات المشغل والذي هو في هذه الحالة (الوزارة المكلفة بقطاع الوظيفة العمومية وبمعية كل من وزارتي التربية الوطنية والمالية ) . والتعاقد من الجانب التشريعي ينتهي العمل به بحلول آجال معينة ، لكن يتم تجديده في حالات ما إذا توفرت مواصفات محددة على صلة بالعطاء المهني للموظف المتعاقد وأخلاقياته ، كما أن التعاقد تفرضه أحيانا وفرة في الموارد البشرية والتي لا طاقة للدولة بتوظيفها دفعة واحدة ، وبالتالي كانت هناك ضرورة وجود لسلالم انتقائية مدرجة حسب سوق الشغل لتعويض الخصاص والوظائف الشاغرة لأمد محدد .

ألم يحن أوان عقد مصالحة مع ذواتنا ؟

إذا نحن قاربنا موضوع التعليم ونزيف خزينة الدولة جراءه ، وجب الانتباه أولا إلى ضحالة عطاء أطرنا العاملة في جميع القطاعات .. ومن ثم تعثر المسيرة التنموية التي يرومها المغرب وراء مخططاته وطموحاته ، فاللبنة الأساسية أو المورد البشري تعاني حاليا ضعفا وتراجعا مهولين في مهاراتها وقدراتها ؛ تستوجب وقفة وطنية متأنية للتأمل بمشاركة خبراء في مختلف فروع المعرفة إلى جانب فاعلين ميدانيين في الحقل التربوي التعليمي ، ولماذا لا نستأنس بأسماء وازنة لها ثقلها الأكاديمي على المستوى الدولي ، وفي آن الاحتكاك بالتجارب الدولية للنهوض بمستوى تعليمنا والبحث عن مصادر نجاعته ، مع وجوب القطع مع الأصوات الشعبوية والحزبية الضيقة ، ونبذ المزايدات السياسيوية . آنئذ يمكن القول بأن تعليمنا سيرتقي ويصبح قاطرة للتنمية في البلاد .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. إن لم تعد الدولة الاعتبار للمدرس : إعتبار مادي ومعنوي من خلال الضرب بيد من حديد للمنحرفين من التلاميذ من خلال إصدار مذكرات صارمة تدعوا إلى الفصل الفوري لكل متعلم تطاول على مدرسه بالكلام أو الضرب ، وتجند لذلك الإعلام وغيرها من الوسائل الأخرى. أقول إن لم يكن هذا فوالله لن يتقدم التعليم في بلادنا مهما أتينا ببيداغوجيات وطرق ووسائل … الأساس هو المدرس إن لم يكن مرتاحا العملية برمتها ستفشل.الدليل على كلامي هو الواقع الحالي عندما أجهزت الدولة على كرامة وقيمة المدرس وحمت التلميذ المنحرف، الذي حدث إنحراف المجتمع وفشل التعليم.

  2. الجواب على سؤال المقال هو حين يجلس إبن البرلماني أو الوزير أو … مع إبن البقال أو الموظف البسيط أو …. في طاولة واحدة وفي فصل واحد، آنذاك يمكن القول هنالك تكافؤ في فرص الولوج إلى التعليم، وبعده نبحث عن حلول أخرى للارتقاء بالتعليم، غير ذلك فهي مضيعة للوقت والجهد والمال…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى