إضاءات على قضية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد

مخطئ من يختصر معركة الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في أنها معركة خبزية فقط، لا تتجاوز التفكير في الترسيم وما يستتبعه من إجراءات إدارية ومالية… إنها معركة أكبر من ذلك، وإنهم أساتذة وطنييون سبقت عقولهم زمنهم…

وعلينا جميعاً أن نقف معهم ضد السياسة النيوليبرالية التي تبتغي تخلي الدولة عن مسؤولياتها اتجاه الأفراد وتركهم رهن إشارة متغيرات السوق… وأول المتخلى عنهم حسب الأجندة الفوقية هم هاته الفئة من الأساتذة التي خضعت ولا زالت تخضع للتجريب.

إن خيار التعاقد ما هو إلا واجهة لسياسة اقتصادية وإدارية فظيعة يراد لها أن تمارس على هذا الجيل والأجيال التي تليه… لذلك على هذا الجيل أن يرفض أن يكون قطيعا يساق، أو فئران تجارب يقطع لحمها وهي صاغرة.

إن مسؤولية هذا الجيل من الأساتذة كبيرة جدا، تتجلى في الضغط على من يدبرون شؤوننا العامة، الظاهرين منهم والغابرين، بغية التراجع عن أفكارهم التخريبية، وسياستهم التقسيمية… فسياسة السوق الحر يتم تبنيها في الدول المتقدمة التي قطعت مع الفقر وحققت المساواة والعدل والتنمية، لا في بلاد مثل بلادنا التي دائما ما يروح ضحية سياساتها الاقتصادية التجريبية المواطن البسيط والطبقات الفقيرة والمتوسطة دون الطبقات الحاكمة والقريبة منها.

لقد احتقرت الدولة خيرة شبابها لما فرضت التعاقد عليهم، واعتبرته أمرا واقعا… إلى درجة أنها فكرت في تعميمه على كافة القطاعات الأخرى ابتداء من قطاعي الصحة والجماعات المحلية والتعليم العالي… فماذا عساه يكون جواب “الحكرة” غير الاحتجاج؟

الغريب في الأمر، أن أعضاء الحكومة يقفون جاثمين أمام الاحتقان الكبير الذي تتسبب فيه احتجاجات الأساتذة، متعاطفين من الداخل، وحائرين من الخارج، ومدافعين عن اختيار التعاقد أمام الرأي العام رغم عدم قناعته الراسخة به… ولأدل على ذلك أن هذا النظام لم يرد قط في البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة للحكومة ولا في نقاشاتهم الداخلية.

إن أزمة البلاد مؤسساتية بالدرجة الأولى، كيف لا ونحن نقف أمام قرارات فوق حكومية تفرض على الحكومة وعلينا، تنبري الحكومة قسرا في تنزيلها والدفاع عنها، ونضطر نحن إلى معارضتها والاحتجاج ضدها…وهذا النحن يجمع غالبية الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني وكافة فئات المجتمع. فما عساها تكون هذه المؤسسة فوق الحكومية التي تسعى إلى تأليب مؤسسات الدولة والمجتمع بعضها على بعض؟

قد نخمن في ضغوطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتوجيهات الدول المانحة وغير ذلك من التخمينات، ولكن السؤال الجوهري والمهم، هو متى تتمكن بلادنا من استقلالها التام، حتى تقرر بنفسها سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وتقف الدولة على أرجلها دون عكاكيز من أحد؟ وقبل ذلك، من يفرض علينا الأخذ بتوجيهات تلك الجهات الخارجية ولماذا؟

لقد عملت الدولة العميقة طيلة سنوات على إضعاف الأحزاب السياسية والنقابات ومعها كل الوسائط الحية وآليات الضغط التي انبثقت من الشعب، وكسرت أقلام المفكرين والعلماء وقلمت أظافر المعارضين ووسعت من حجم الهوة بين النخبة والشعب، وهذا تحصيل حاصل يجب على الجيل الحالي التعامل معه بعقلانية وضمير، فالمغربي المقهور لن ينتصر في الأخير إلا لمقهور مثله، ولو طالت عقود الخوف والاتكال والأنانية.

لا ذنب للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في رداءة زمنهم هذا ولا في السياق الخاص لالتحاقهم بالعمل في إطار الدولة، ولا بالنسق السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، لذلك، لا يجب أن تحملهم الدولة مسؤولية قراراتها التي تتأسس على الموروث وعلى مخلفات الماضي… بل يجب عليها أن تستثمر فيهم، وتحتويهم، وتجندهم لخدمة الدولة والمجتمع معا، وهذا بطبيعة الحال لا يتطلب إلا خطوات بسيطة، تنطلق أساسا من مساواتهم بمن سبقهوم في التعليم، وذلك بإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية وفقط./.

الكاتب : مصطفى تاج

مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. فرض عليهم!!؟؟؟ اَي تخربيق هذا؟ لقد وقعوا العقد بمحض ارادتهم وبكامل قواهم العقلية. الدول المتقدمة تتعامل بالتعاقد انظر الى كندا. تعاقد من اجل جودة وليس هناك عبثية حينما ترتكب اخطاء يتم فصلك نقطة الى السطر. لا نسمع عبارة ” الخلصة طالعة طالعة”

  2. في هذا الزمن الرديء ..يستغل المسؤولون الحاجة والفقر وهم يعلمون ان المعطل لن يتردد في التوقيع على اي تعاقد مهما كانت شروطه مجحفة . انه وضع التعليم في المشنقة التي بدات تضيق لتمسك باطراف الحبل من يريدون تركيع هذا الشعب الصبور . التعليم اليوم في خطر وابناء الفقراء في خطر امام محاولة افراغ التعليم من محتواه
    .

  3. مقال في الصميم.تحية عالية للكاتب.
    ولمن قال لماذا فرض عليهم (صاحب التعليق الثاني)، أجيب وأقول لانهم كانوا بين وضعيتين لا ثالث لهما، إما أن يقبلوا بهذا التعاقد المهزلة أو أن يصبحوا عالة على أسرهم وذويهم.وأنا أسألك بدوري لو كنت مكانهم ماذا ستختار؟

  4. سؤال واحد أرجو الإجابة عنه. من فرض عليهم التعاقد؟ ومتى و كيف ڤرض عليهم؟ شخصيا أرى أن تسمية التنسيقية يعكس العقلية الانتهازية لهذه المجموعة اللتي تحاول إيهام الرأي العام بأنها تدافع عن المدرسة العمومية.

  5. خريج المدارس التربية هل له اختيار بين الوظيفة العمومية و التعاقد لا إذا فهو مفروض مفروض
    يعني كل الروث أو مت جوعا
    الوظيفة العمومية حق دستوري

  6. راه انتم موظفون عموميون بتعاقد او بلا تعاقد صافي وصلتوا صوتكم حسو شوي بالمسؤولية واش معندكم ضمير راه ضيعتوا التلاميد وخرجتوا عليهم فقرايتهم كونوا تحشموا ضحيو شوي سيروا الاقسام راه الدولة كتخلصكوم و برك من الفشوس. راه بحالكم الي خرجوا على التعليم .

  7. وكاننا في النيكاراكوا او الشيلي. مقال يغلب عليه النظري وتقيؤ الايديولوجيا.هناك مشكلة المتقاعدين ونظام التقاعد الخطير الذي اقتطع من الارزاق والاعمار…الفوضى التي صنعها رجال التعليم بانفسهم والنقابات….من فرض سياسة القطيع الا رجال التعليم . هل نقنع او نكذب على المجتمع.

  8. هذا المقال قديم .قرأته منذ الهبة الأولى لهؤلاء الأساتذة الكرام و الذين يبلون البلاء الحسن في فصولهم الدراسية بشهادة المؤطرين التربويين. واقول لؤولاءك الذين ينتقدون هؤلاء الأساتذة عن جهل بهم وملفهم.ان الأكاديميات حرقت كم مرة العقد الأول. وكمثال على ذلك اكاديمية بني ملال لم تصرف التعويض عن المناطق النائية و الصعبة.رغم تأكيد مدير المديرية بعظمة لسانه في إحدى اللقاءات أن الأشهر المقبلة ستعرف تععيرا في الحوالات.مرت السنتين ونحن على أعتاب نهاية السنة الثالثة والحال هو الحال.مثال آخر العقد الأول يقول ان السنة الثانية سيتم فيها إجراء امتحان الكفاءة. لتمر السنتين دون امتحان.اي عقد واي ثقة بقيت يا من يتحدثا من فراغ

  9. لماذا لا تضحي الحكومة و تتنازل و تستمع إلى المواطنين الذين انتخبوها و ووضعوا ثقتهم فيها و أثقلت كاهلهم بالضرائب و الزيادات و الاقتطاعات و تجميد الأجور و كي تزيد الطين بلة تريد أن تحرم الشعب من مؤسساته العمومية التي يدفع ثمن خدماتها يوميا من خلال الضرائب و أكثر المتضررين من هذا الوضع الموظفين هذه معركة للأجيال القدم تحية طيبة لصاحب المقال

  10. اريد فقط ان افهم امرا… ادا كان هاد الاستاذ بالفعل استاذ يعول عليه من اجل تكوين و تلقين الدروس لابناءنا لمدا يرفض ان يجتاز الامتحان !؟؟؟ لانه يعلم انه غير مؤهل! لانه لا يصلح!ايوا اش بغيتو نعطيوكم ولادنا تكرفسو عليهم بزز…. ما صالحش . اما الا كان صالح لهده المهمة فالمدارس الخصوصية ستجري وراءه من اجل ان يعمل لديها. المسالة واضحة هؤلاء مجموعة من البشر الذين يعلمون علم اليقين انهم سوف يطردون حييييتتت مااااا صالحيييينش

  11. اريد اضافة ربما غابت عن صاحب المقال وهي ان مفهوم الدولة قائم على التعاقد . الوزير ابلغ المحتجين با ن المفهوم لم يعد معمولا به. الغريب هو ان كثيرا من رجال التعليم الذين يعانون من نظام اخطر من التعاقد يساهمون في ماساة الشعب.عجزتم عن مواجهة التقاعد فتطبقون انصر اخاك ظالا او مظلوما…نهاية تراجيدية للتعليم المغربي ونلقي اللوم على الاخر…اهل مكة ادرى بشعابها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى