
مبدأ اللاعدالة التوزيعية في الولوج إلى الوظيفة العمومية
طالما كان الحق في الولوج الى المناصب العمومية التي يتكفل القانون المالي بإحداثها مبني في مختلف النظم على مبدإ دستوري اساسي متمثل في المساواة ومعزز بمبدإ تكافؤ الفرص، فإن اي استثناء على هذا المبدأ المولِّد يجب ان يكون محدودا في نطاقه ومداه الذي يتغيى منه تحقيق مصلحة وطنية عامة. وما دام ان الحقوق الاساسية للمواطنين المضمونة دستوريا تعد من الثوابت التي يتأسس عليها النظام الدستوري وتعد قيدا كذلك حتى على السلطة التأسيسية، فان السلطات العمومية وكذا المؤسسات الخاضعة لوصايتها يجب اثناء اعمالها للقواعد والاجراءات الخاصة بضمان ممارسة هذه الحقوق والحريات ان تحيطها بقد كبير من الضمانات التي تجعل الولوج الى الحق او الحرية يتم على قدم المساواة وان اي قيد كما قلنا يجب ان يكون استثناء من القاعدة العامة تحقيقا للصالح العام.
بيد ان الممارسة والمتتبع لمضامين القواعد التشريعية يثبتان بما لا يدع مجالا للشك، ان الادارة وحتى الاجهزة السياسية للدولة والتي تضع المعايير والقواعد لا تنفك عن المساس بأهم هذه المبادئ المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص، غير ان الامر وان كان كذلك، فان الادارة وواضعوا القواعد ما فتئوا يقدمون تبريرات وتفسيرات تجعل مما يصدرونه من قرارات يلبس لبوس الشرعية.
والدليل في ذلك، وفي شقه المتعلق بالحق في الولوج الى الوظائف العامة، يظهر انه ما من مرة لا تحترم الحكومة والبرلمان معه مبدإ المساواة وشقيقه تكافؤ الفرص. قد يكون من الناحية الشكلية هذين المبدأين يحترمان عن طريق اتباع الاجراءات القانونية والتنظيمية المتصلة بالإعلان عن الوظائف، لكن في الحقيقة والعادة فإن هذه المساواة الشكلية دائما ما تحمل في احشائها وفي سيرورتها لا عدالة توزيعية بين ابناء وبنات هذا الوطن الجريح بالبيروقراطية وبالفئوية وبالمصالح الخاصة وبكل مظاهر الزبونية والتزلف..
نحن نقول هذا ونعلم ان هذه اللاعدالة في توزيع الوظائف بادية حتى بدون ان نحتاج الى برهان وحجة اكثر من البراهين التي تظهرها سياسة الحكومة في التوظيف وتوفير فرص متكافئة بين المواطنات والمواطنين من حملة الشواهد، لدرجة اصبحت التخصصات يتم تسطيرها ليس بناء على حاجة سوق الشغل او حاجة الادارة وانما بناء على نوع من شبكات التحالفات الزبونية والسياسية، وغالبا ما يتم تسطير واعلان مباراة من طرف البيروقراطي الاداري بناء على معيار “الزمالة”، وكأن الدولة وقوانينها ينحصر دورها في تفريخ التخصصات والتأشير على تنوعها لإنتاج العطالة والبطالة، وليس من اجل دمج المواطنين في هياكلها المؤسساتية والادارية، وتترك ما دون ذلك لذاك الشخص الغارق في مكتب الموارد البشرية لا يدري سوى ان له صديقين أو ثلاثة ينتمون الى التخصصات الفلانية حتى يكلف في النهاية باختيار بعض التخصصات وحصر نطاق الولوج الى الوظيفة، هذا اذا اضفنا كون المسؤولين السياسيين كذلك لهم نصيبهم وحظهم لصالح مريديهم بناء على معيار الكوطا.
ومنذ 2012 فاغلب المباريات المعلن عنها في مختلف الادارات العمومية يتم فيها اقصاء جزء كبير من التخصصات بعلة اما كون التخصص جزئي وهم أعلنوا عن تخصص شامل واما انهم يطلبون تخصصا جزئيا والمعنيون يتوفرون على شهادة لتخصص عام وشامل. وهذا حدث أكثر من مرة تقدم فيها مجموع من المواطنات والمواطنون للتباري والترشيح، ليتم رفضهم بالمطلق بعلة التخصص. حدث هذا مع الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان في عهد الشوباني عندما أعلن عن مباراة تطلب فيها الوزارة تخصص القانون الدستوري والمؤسسات السياسية وهو التخصص الذي كان ينتمي اليه بعض الوجوه والمريدين الحزبيين، ليتم اقصاء التخصصات الأخرى المشتقة من القانون العام وكذا تخصص صياغة النصوص القانونية والعمل البرلماني وبعض التخصصات الاخرى، مع العلم ان المواد التي تدرس في هذه التخصصات هي نفسها، والاختلاف في التسمية فقط، ومع العلم ان هؤلاء بعد نجاحهم في المباريات يظلون يمارسون مهاما ادارية محضة. كما حدث هذا الامر مع وزارة المالية أكثر من مرة لتقوم بإقصاء شريحة كبرى من حملة الشواهد بعلة اسم التخصص مع العلم ان هذه التخصصات تختلف في التسمية لكنها تندرج في إطار القانون العام بشقيه الداخلي والخارجي. كما حدث مع الوزارة الخارجية وكذا مؤخرا مع الوزارة المنتدبة المكلفة بشؤون الهجرة بعد اقصائها لتخصصات متعددة. وهذا ما جرت به العادة لدى اغلب الادارات والوزارات، ليبقى معه مبدأ المساواة مجرد من معناه ومبدأ تكافؤ الفرص سوى ورقة تعريفية خالية من اي محتوى معياري تطبيقي وعملي.
اما ان ولجنا الى المباريات التي يعلن عنها في قطاع التعليم العالي، فالأمر يحتاج الى مطرقة خاصة لفهم كيفية انتقاء النخبة التي ستلج كراسي الجامعة لتكون معلمة الاجيال. ونحن نعلم انه منذ سنة 2013 الى الان، اي منذ دخول العدالة والتنمية لقيادة الحكومة بمعية حلفائها، اصبحت -ان لم نقل كانت دائما- الجامعة مطرحا خاصا للأحزاب السياسية تنصب ما تشاء وتضع ما تراه لصالحها من سياسات اقصائية… وبغض النظر عن سياسة الكوطا المخصصة للأحزاب عن طريق توظيف اطرها في الجامعة كأساتذة للتعليم العالي وبغض النظر عن الطرق التي يتم من خلالها ليًّ مبدأ المساواة ومبدأ الكفاءة والاستحقاق، فقد ابت الحكومة الا ان تدخل اطرها البيروقراطية الادارية بموجب قوانين المالية كأساتذة مساعدين ضاربة عرض الحائط مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
فمنذ قانون مالية 2013 الى الان تم احداث ما يزيد عن 3000 منصب استاذ مساعد وهذه المناصب هي مناصب خاصة ومخصصة وفق مفهوم الحكومة لتسوية الوضعية الادارية لموظفيها الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه، وكأن الحكومة ليس لها سوى هذا الاجراء لتسوية الوضعية الادارية لموظفيها في الادارة العمومية، مع العلم ان طموح الموظف باعتباره مواطن لكي يصير استاذا يبقى حقا دستوريا وقانونيا مشروعا، لكن يجب ان يتم وفق مبدأ المساواة، وهو ما يتحقق له خارج نظام الكوطا -كسياسة حكومية للتهرب من تبعات تسوية وضعية الموظفين داخل إداراتهم مراعاة لشواهدهم-، ويصبح للموظف فرصتين للولوج الى هذا المنصب، في حين ان المعطلين ليس لهم سوى الشارع لكي يلجوه، وليس لهم نفس الحظوظ والفرص، مع العلم ان هؤلاء الموظفين تكون لهم فرصة للنجاح اكثر من غيرهم عندما تتحقق المساواة أي في إحدار المناصب المحدثة، وذلك راجع لاستفحال ظاهرة الرشوة اضافة الى ظاهرة الزبونية والمحسوبية والتزلف. أما ان وجدت معطلة أو معطلا ولجوا الى منصب استاذ التعليم العالي مساعد فليس ذاك الا لأن المعني قد تحركت لصالحه كل الجهات المقربة منه عبر توصية اللجنة به وذلك في إطار تبادل المصالح او لأنه قد مد بيده الى ما في جعبته، اما الاستثناء الذي تراعى فيه الكفاءة والاستحقاق فلا يقاس عليه.
هذه الظاهرة اصبحت الان مستفحلة بكثرة لدرجة انه بمجرد الاعلان عن مباراة استاذ مساعد يكون الفائز فيها معروفا بشكل قبلي، وما هذا الاعلان الا اجراء شكلي لمنح الشرعية لهذا المنصب او ذاك… وهذا ما يشكل مسا خطيرا بالحق في المساواة، وهو ما يثبت وجود شبكات من التحالفات القوية التي تسيطر على الادارة في المغرب وهو ما يشكل وجها من اوجه الفساد المتعددة.
وهذا كذلك ما يدل على ان السياسات العمومية في المغرب اصبحت خاضعة لشبكة التحالفات المصلحية هذه، وهو الامر الذي يستدعي انشاء شبكة للتحالفات المضادة لهذه السياسات الاقصائية والماسة بالكرامة والاخلاق الدستورية والقانونية والديمقراطية، وكذا التنديد بهذه الممارسات التي اصبحت تنخر الادارة العمومية.
جابر لبوع باحث في القانون العام
كل الوظائف في المغرب تنال عن طريق الرشوة والمحسوبية…الفقير اداة لملئ الكراسي يوم الامتحان..وهذا في كالل القطاعات …قد نجحت مرتين في الامتحان الكتابي للشرطة اي الامطن الوطني في التسعينات لكن العذر هو لائحة الانتظار..في حين اعرف كثير ممن التحقوا بتلك الوظيفة عن طريق الرشوة وباعترافهم الان هم افراد شرطة وانا والحمد لله لا زلت لن انسى باني قادر وللابد النجاح في مثل ذلك الامتحان مرة اخرى..وكم اندهش حين اجد موظف شرطة لا يحسن حتى كتابة المحاضر.. وكم اتعذب حين ارى اولئك الذين التحقوا بنفس الوظيفة يمتلكون سيارات ومساكن و دخل محترم اكيد انهم سرقوه من واقع كل واحد نجح في الامتحان ولم يدفع رشوة