شخصيات تركت أثرا في ذاكرة المغاربة .. الحلقة الثانية عشر: المهدي المنجرة

لبنى أبروك – هبة بريس

تعاقب على المغرب طيلة السنوات الماضية، شخصيات أمنية وسياسية وحزبية صنعت تاريخا لها، ونجحت في ترك أثر لاسمها في ذاكرة جميع المغاربة الذين عايشوا فترتها أو الذين قرأوا وسمعوا عنها قصصا وروايات جذبت اهتمامهم وفضولهم.

وزراء، سياسيون، حزبيون، أمنيون ورجال دولة سنستعيد أسماءهم عبر هذه السلسلة الاسبوعية، و سنسافر وإياكم إلى الوراء بحثا عن أهم إنجازاتهم وأعمالهم أو الجدل الذي أثارته أسماءهم خلال فترة سلطتهم وهيمنتهم أو بعد إبعادهم أو ابتعادهم.

دراستهم، تكوينهم، مناصهم وأهم الانجازات والأحداث التي طبعت مسارهم، وكذا الشخصيات المعروفة التي رافقت مسيرتهم، والتي كشفت جانبا من حياتهم وكواليسا ووقائعا من سيرتهم، تلك هي الجوانب التي سنتطرق إليه بالمختصر المفيد خلال هذه السلسلة.

الحلقة الثانية عشر: المهدي المنجرة

أحد أبرز المفكرين والعلماء المغاربة، الذين عرف اسمهم دوليا وترجمت أعمالهم واصداراتهم بمختلف اللغات .

هو المفكر والعالم والسياسي المغربي الذي كرس حياته للعلم والمعرفة، و لدراسة القضايا السياسية والعلمية والعلاقات الدولية والمستقبلية.

العالم المغربي الذي عاشر ملكين “محمد الخامس” و”الحسن الثاني” ورفض الاستفادة من مناصب حكومية مهمة وتخلى عن مكانته بمنظمة عالمية، مقابل الاهتمام بالبحث العلمي وخدمه بلده والبشرية ككل.

المهدي المنجرة، العالم والمفكر الكبير الذي تأثر بإصداراته الصغير والكبير واعتبرت مؤلفاته مراجع علمية لعدد من الجامعات والمعاهد من مختلف الدول، وترك اسمه وأعماله راسخة في ذاكرة المغاربة، فماهي قصته؟

في 13 مارس من سنة 1933، ولد المهدي المنجرة في حي «مراسا» بمدينة الرباط، وسط أسرة ميسورة الحال، حيث كان والده تاجرا معروفا بالمدينة و كان يقضي أكثر أيامه في السفر والتنقل.

نشأ المهدي في وسط عائلي تطبعه القيم الدينية والدعوة الإصلاحية، وداخل محيط وطني ديني بامتياز، حيث كان والده يصطحبه معه الى لقاءات الحركة الوطنية والدعوة الإصلاحية مثل الفقيه محمد بلعربي العلوي.

درس المهدي، المرحلة الابتدائية ب”ليسي غورو” التي كانت تضم أبناء الأعيان والنخبة، بحي موغادور بالرباط، كما كان يدرس الدين واللغة العربية في الكتّاب، وتتلمذ على يد إدريس الكتاني ومصطفى الغرباوي.

التحق بثانوية ليوطي “ثانوية محمد الخامس” بمدينة الدار البيضاء من سنة 1944 حتى سنة 1948، وكان يدخل في مناقشات حادة مع أساتذته الفرنسيين حول قضية الاستعمار.

بعد حصوله على شهادة البكالوريا سنة 1948 ، قرر والد المهدي إرساله إلى أميركا لمتابعة دراسته في مؤسسة “بانتي”، وهناك حصل على الإجازة في البيولوجيا والكيمياء، وفي العلوم السياسية كذلك بجامعة “كورنيل”، ثم انتقل سنة 1954 إلى إنجلترا لإكمال دراسته العليا، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة لندن.

بعد عودته الى المغرب، استقبل المهدي من طرف الملك الراحل محمد الخامس، كأول أستاذ مغربي في كلية الحقوق بالرباط وأصغر الأساتذة فيها سنا، وعينه مديرا للإذاعة والتلفزة المغربية خلفا لقاسم الزهيري.

و في سنة 1962 عين “روني ماهو” المدير العام لليونسكو آنداك، المهدي المنجرة مديرا لديوانه، وفي سنة 1970 عمل بكلية العلوم الاقتصادية بلندن أستاذا محاضرا وباحثا في الدراسات الدولية، وخلال سنتي 1975 و1976 تولى مهمة المستشار الخاص للمدير العام لليونسكو، وانتخب كرئيس”الاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية” سنة 1981، كما شغل منصب منسق لمؤتمر التعاون التقني بين الدول الأفريقية (1979-1980)، وكان عضوا ب”الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم”، و”الأكاديمية الإفريقية للعلوم”، والأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب، والجمعية العالمية للمستقبل، و”الاتحاد العالمي للمهندسين المعماريين”، و”منتدى العالم الثالث”، ونائب رئيس “جمعية الصداقة بين المغرب واليابان”. وكان المهدي المنجرة أصغر عضو سنّا ضمن “نادي روما” منذ تأسيس النادي سنة 1968، بعد تأليفه كتاب “نظام الأمم المتحدة” سنة 1973، خرج من هذه المؤسسة الأممية سنة 1976 وتخلى عن جميع حقوقه فيها من تقاعد وتخلى معه عن الاستفادة من راتبه، بعد تيقنه أن القيم التي تسير عليها الأمم المتحدة، وتخدم لصالحها، هي القيم المسيحية اليهودية.

عرض الحسن الثاني، على المهدي المنجرة مناصب وزارة المالية والوزارة الأولى في الحكومة المغربية، لكنه رفض بحجة التفرغ للثقافة والبحث العلمي، حيث عُرف بمواقفه المعارضة لسياسة ملك المغرب الحسن الثاني رغم أنه كان زميله في الدراسة، حيث قال في هذا الصدد:”علاقتنا -المنجرة والملك- مبنية على الاحترام في إطار قول الحقيقة حتى أن أعضاء في أكاديمية المملكة كانوا يعتبرون جرأتي في الحديث عن أوضاع المغرب وعن الحياة السياسية راجعة إلى نوع خاص من الحماية أستمدها من معرفة قديمة بالملك، وهذا ليس صحيحا أبدا، ليس في الموضوع سر. كان الملك يعرف آرائي وطبعي وموقفي وعدم استعدادي للتفاوض أو التنازل عن حريتي وكان يحترم ذلك”.

بعد منعه من القاء محاضرات بالمغرب ودخوله في صراعات مع عدد من الشخصيات، قرر المهدي المنجرة الهجرة الى اليابان حيث قى سنوات هناك تفرغ خلالها للكتابة والبحث العلمي وأصدر العشرات من الكتب والمقالات التي ترجمت لمختلف اللغات العالمية.

كان المنجرة أحد ثلاثة الذين ألفوا التقرير الثاني لنادي روما والذي نال استحسان الجميع من المختصين، الذي صدر سنة 1979م تحت عنوان: “لا حدود للبحث والدراسة”، والذي ترجم إلى 12 لغة عبر العالم، وفي سنة 1986 منحه الإمبراطور الياباني وسام الشمس المشرقة الوطني، عن بحث بخصوص أهمية النموذج الياباني بالنسبة لدول العالم الثالث. وتولى عمادة الجامعات اليابانية في التسعينات من القرن العشرين، كما وتولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية.

اشتهر المنجرة بكونه المؤلف الذي نفذت طبعة كتاب له في اليوم الأول من صدورها، واعتبرت كتبه الأكثر مبيعاً في فرنسا ما بين 1980 و1990، وخصص صندوقا خاصاً من تلك العائدات المالية لمنح «جائزة التواصل شمال جنوب»، التي منحها لاسمين من مبدعي المغرب والعالم في مجالات الفنون والكاريكاتير والسخرية والتفكير النقدي.

عاد المهدي المنجرة الى المغرب، بعد مسيرة علمية وفكرية طويلة ومثمرة، وعانى من المرض خلال سنواته الأخيرة، قبل أن يفارق الحياة يوم الجمعة 13 يونيو سنة 2014 ببيته في الرباط .

“المغرب فقد أحد رجالات الفكر والمناضلين المخلصين عن حقوق الإنسان والمساهمين في تكوين الأجيال المغربية التي تتلمذت على يديه” يقول عاهل البلاد في برقية تعزيته لأسرة الراحل، مسترسلا بالقول:” هذه الشخصية التي كانت تتحلى بخصال إنسانية رفيعة، وبتشبع مكين بالقيم الكونية للحرية والعدالة والإنصاف، حيث كان، رحمه الله، نموذجا للمفكر الملتزم والباحث المستقبلي الجاد، الذي سخر كتاباته للدفاع عن حق شعوب الدول النامية في اكتساب مفاتيح وأسس تحقيق التنمية الشاملة القائمة على تقاسم العلم والمعرفة، مما أكسبه تقدير كل من واكبوا فكره، ونهلوا من علمه ودراساته سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي”. فرحم الله الفقيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. هناك فرق كبير بين منع الشخص من إلقاء محاضرة أو إمتناعه هو عن ذلك.
    الرجاء لمن يعرف كتابا ترجم للمنجرة إلى لغة أجنبية أن يخبرني بذلك مشكورا.

  2. كما وتولى رئاسة لجان وضع مخططات تعليمية لعدة دول أوروبية,والمغرب متقهقر في الرتب الأخيرة في التعليم لايريدون الاستعانة بأمثال الدكتور المنجرة رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى