قانون الحق في الحصول على المعلومة

لقد شهد المغرب منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي تطورات على مستوى حقوق الإنسان والتي تعززت بمناسبة دستور 29 يوليوز 2011 الذي أتى في سياق التفاعل مع المتغيرات المحلية والدولية. فعلى المستوى المحلي تنامت مطالب المجتمع المدني والسياسي في اتجاه تنمية وتعزيز حقوق الإنسان بالمملكة، وعلى المستوى الدولي هناك تزايد الاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، وخاصة من طرف المنظمات والهيئات الدولية التي تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان وتسهر على احترام كل الدول لها.
ولما كان حق الحصول على المعلومات حق من الحقوق والحريات الأساسية التي كرسه الدستور في فصله 27 انسجاما مع الالتزام الدائم والمتواصل للمملكة المغربية بالمواثيق والمعاهدات الدولية، فقد بات من اللازم وضع إطار قانوني لضبط هذا الحق وضمان ممارسته بروح من المسؤولية والمواطنة الملتزمة تعزيزا لانفتاح الإدارة على محيطها، وللشفافية ومحاربة الفساد وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة مع ضرورة إبقاء بعض الاستثناءات التي ينبغي عدم الإفصاح عنها.
هذا ويتبوأ موضوع الحق في المعلومة مكانة لا جدال فيها ضمن موضوعات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما أنه ضمن الأولويات لدى الحكومات الراغبة في إعادة كسب الثقة بين مؤسساتها وإدارتها العمومية وبين مواطنيها. ذلك أن هذا الحق لا يعتبر حاجة المواطن فحسب، بل هو أيضا حاجة أساسية لأية حكومة ترغب في إثبات صلاحها. فإصلاح مؤسسات الدولة وجعلها أكثر كفاءة وشفافية يعتبر ركنا أساسيا من أركان الحكم الصالح، ولا يتأتى هذا إلا من خلال توفير المعلومات وتسهيل الوصول إليها.
وانطلاقا مما سبق، يمكن طرح الإشكال التالي:
هل كرس التشريع المغربي من خلال القانون رقم 31.13 آلية فعالة لممارسة وحماية حق المواطن في الحصول على المعلومة؟
يعتبر كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 وكذا العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق لسنة 1966 مصدران رئيسيان لحقوق الإنسان الدولية ومادتهما 19 هي الأساس القانوني الأول لحق الإطلاع على المعلومات، التي تكفل حق حرية التعبير والحصول على المعلومات.
أما على الصعيد الوطني، فيمكن التأكيد على أن التنصيص على الحق في المعلومة من خلال دستور 29 يوليوز 2011 وتتويجه بإصدار القانون رقم 13.31 المتعلق بالمعلومة، يجسد لمبدأ دستورية القوانين، ويساهم في تحقيق ملائمة التشريعات الوطنية مع الصكوك الدولية، بشكل يرسخ لدولة الحق والقانون، وفي تقوية الصرح التشريعي التي وضعها المغرب بإصدار قانون إلزام الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية، بالإضافة إلى تعزيز الثقة في علاقة الإدارة بالمتعاملين معها، وضمان الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام.
حيث تم التعريف به بشكل صريح في الفصل 27 من الدستور أعلاه، جاء فيه:” للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون..”
وبالتالي يكون المغرب قد عرف طفرة نوعية في مجال إقرار الحق في المعلومة، وأضحى المغرب أول بلد عربي يستحدث نصا دستوريا يكفل الحق في المعلومة، وبالتالي أصبح من الممكن الحديث عن بداية عهد جديد من الشفافية والانفتاح والممارسة الديمقراطية، وتحسين علاقة المواطنين بالإدارة وتوسيع مجال الحقوق والحريات.
وفي إطار أجرأة أحكام الدستور وكذا تنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب، ونظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها الحق في المعلومة في تعميق الديمقراطية قيما وممارسة، بادر المشرع المغربي أخيرا إلى إصدار هذا القانون ، بعد أن عمر طويلا مشروع القانون في صفوف الأمانة العامة للحكومة، حيث سيدخل حيز النفاذ انطلاقا من 12 مارس 2019 المقبل. ويشمل القانون 13.31 المتعلق بالحق في المعلومة سبعة أبواع مكونة من ثلاثين مادة. حيث عد هذا القانون خطوة جادة لتحديد مسؤوليات الإدارات العمومية في الجانب المتعلق بحق المواطنين في المعلومة الإدارية.
وفيما يخص مسطرة الحصول على المعلومة، فقد أحاط مشرع الحق في المعلومة من خلال القانون 13.31 إجراءات الحصول على المعلومات بمقتضيات إجرائية مفروضة على الإدارة، بحيث يستطيع من خلالها العموم معرفة ما تقوم به الإدارة وتكفل للمواطن الحق في المعرفة وفهم ومراقبة وتقييم قراراتها، وتتوزع هذه الآليات في الإجراءات الشكلية لتقديم الطلب والآجال الزمنية للإجابة على الطلب ثم الكلفة.
ذلك أنه يتم الحصول على المعلومة بناء على طلب يقدمه المعني بالأمر وفق نموذج تعده اللجنة المكلفة بإعمال الحق في الحصول على المعلومات ، يتضمن الاسم الشخصي والعائلي لصاحب الطلب وعنوانه الشخصي ورقم تعريفه الوطنية، أو بالنسبة للأجانب رقم الوثيقة التي تثبت الإقامة بصفة قانونية طبقا للتشريع الجاري به العمل، وعند الاقتضاء، عنوانه الإلكتروني، والمعلومات التي يرغب في الحصول عليها، مع ذكر مبررات تقديم الطلب، حيث يوجه الطلب إلى رئيس الهيئة المعنية عن طريق الإيداع المباشر مقابل وصل أو عن طريق البريد العادي أو الإلكتروني مقابل إشعار بالتوصل.
وهكذا فإن الإدارة يقع على عاتقها الإجابة على طلب المعلومة وتقديمها إلى طالبيها داخل الأجل القانوني المقرر والذي حدده مشرع الحق في المعلومة في 20 يوما من أيام العمل الفعلية من تاريخ تسلم الطلب حسب ما يستشف من المادة 16 من القانون 13.31، ويمكن تمديد هذا الأجل ولمدة مساوية لها متى لم تتمكن المؤسسة أو الهيئة المعنية من الاستجابة جزئيا أو كليا لطلب الراغب في الإعلام.
غير أنه يتعين على المؤسسة أو الهيئة إشعار المعني بالأمر مسبقا بهذا التمديد كتابة أو عبر البريد الإلكتروني، مع تحديد مبررات التمديد.
إلا أنه على الشخص المكلف بالرد على طلب الحصول على المعلومة توفيرها داخل أجل ثلاثة أيام كلما تعلق الأمر بالحالات المستعجلة حسب المادة 17، والتي يكون فيها الحصول على المعلومة ضروريا لحماية حياة حرية الأشخاص وسلامتهم، مع مراعاة حالات التمديد الواردة أعلاه.
ذلك أنه في حالة عدم الاستجابة لطالب الحق في الاطلاع، يحق له تقديم شكاية لرئيس المؤسسة أو الهيئة في غضون 20 يوم عمل من تاريخ انقضاء الأجل المخصص للرد أو من تاريخ التوصل بالرد.
على أن لطالب المعلومات الحق عند عدم الاستجابة للطلب، تقديم شكاية للجنة الحق في المعلومة داخل أجل 30 يوما بعد انصرام الأجل القانوني المخصص للرد على الشكاية الموجهة لرئيس المؤسسة، أو من تاريخ التوصل بالرد، ويتعين على اللجنة دراسة الشكاية وإخبار المعني بالأمر بمآلها داخل أجل 30 يوما من تاريخ التوصل. مع العلم أن المشرع أجاز توجيه الشكاية عبر البريد المضمون أو البريد الإلكتروني مقابل إشعار بالتوصل.
إلى جانب ذلك، يبقى من حق الطالب في المعلومات الطعن أمام المحاكم الإدارية المختصة في قرار رئيس المؤسسة أو الهيئة المشار لها في المادة 19 أعلاه، داخل أجل 60 يوما من تاريخ التوصل بجواب اللجنة المكلفة بالحق في المعلومة بشأن شكايته أو من تاريخ انصرام الأجل القانوني المخصص للرد على الشكاية.
هذا، وقد أقرت المادة 5 من قانون 13.31 بأن تكاليف الحصول على المعلومة تكون مجانية، وهو ما يشكل من جهتنا حجر الزاوية لضمان ممارسة الحق على أوسع نطاق ممكن، إلا أن إثقال هذا الحق بفرض ضرائب والتزامات مالية قد يمثل قيدا يحول دون تحقيق الحق، وعكس ذلك فإن تكريس المجانية قد يثقل كاهل العاملين بالمؤسسات والهيئات المعنية.
وجدير بالإشارة إلى أن بإلزام الإدارة بنشر ما تصدره من وثائق بصفة مطردة حسب ما يلاحظ من خلال المادة 10 من الباب الثالث المعنون بتدابير النشر الاستباقي، يكون المشرع المغربي قد ساهم في تخفيف العبئ من حدة دراسة الطلبات التي ستقدم لهذا الغرض وفي تسهيل مهمة الأفراد في تحديد الوثائق، وأيضا في تعزيز شفافية المرفق العمومي وترضية المرتفق بها.
ومن جهة أخرى، ولما كان الحق في الحصول على المعلومة حقا من الحقوق المقيدة بضوابط معينة، ذلك أن جملة من المفاهيم شكلت قيدا على حق المعلومة،كالأمن والدفاع الوطني كأحد الاستثناءات الواردة على هذا الحق، فيجب أن تكون هذه الاستثناءات واضحة ومحددة وتخضع لمعيار المعقولية وهو الموازنة بين الضرر الخاص والمصلحة العامة.
وقد تناول الدستور المغربي في فصله 2/27 مسألة الاستثناءات ذلك أنه لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.
ذلك إذ نلاحظ أن القانون رقم 13.31 قد استثنى ضمن الفقرة الأخيرة من المادة 7 تلك المشمولة بطابع السرية بمقتضى النصوص التشريعية الخاصة الجاري بها العمل والتي من شأن الكشف عنها الإخلال بما يلي: سرية مداولات المجلس الوزاري، سرية الأبحاث والتحريات الإدارية، سير المساطر القضائية والتمهيدية المتعلقة بها، مبادئ المنافسة الحرة والمشروعة وكذا المبادرة الخاصة”.
وعلاقة بمقتضيات المادة 7 من القانون المتعلق بالحق في المعلومة، نجد بأن هذه القيود قد يفرض بعضها لصالح الإدارة ، وقد توضع بعضها لصالح الأفراد.
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول أن هذه الاستثناءات لم تخرج عن نظيرتها من الاستثناءات الواردة في الأوفاق الدولية، ومع ذلك فإن ما يؤخذ على المشرع المغربي عدم وضعه لضوابط هذه الاستثناءات، وهو ما نخشى معه استغلاله من طرف الإدارة العمومية وعدم تحقيق التوازن مع المواطن باعتباره طرف راغب في المعلومة.
ختاما يمكن القول أن إصدار القانون المتعلق بالحق في المعلومة وضمانه للمواطنين سيزيد من شفافية الإدارة وقابليتها للمحاسبة، ويقلل من فرص الفساد، وسيخول للأشخاص مراقبة وتتبع وتقييم القرارات الإدارية والسياسات العامة والعمومية للدولة وللقطاعات.
بالمقابل فإن الإدارة العمومية ملزمة بمراجعة طرق التسيير الإداري، عن طريق تفعيل سياسة التحديث الإداري باعتباره حجر الزاوية للدفع بعجلة التنمية المندمجة، وبهدف تقديم أجود الخدمات للمرتفقين. كما أن انتشار تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات وتوافرها للمواطنين، شكلت أهم الأسباب التي جعلت مختلف الفاعلين يطالبون الحكومات بتحسين كفاءة الإدارة في مجال تقديم المعلومات وتوفيرها للجميع بتحقيق المساواة. كما أن هذا الحق سيساهم في تفعيل آليات التواصل من خلال تداول المعلومة، الشيء الذي يستلزم معه تأهيل الموارد البشرية بالمؤسسات والهيئات المعنية عن طريق التكوين المستمر لتعزيز ثقة المواطن وإشراكه في صنع القرار الإداري.

محام متدرب بهيئة القنيطرة.
محكم لحل المنازعات التجارية.
مهتم بقضايا العدالة الجنائية الدولية.
باحث بسلك الدكتوراه بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى