الكرامة الانسانية ..شعوب تبحثُ عن فُتاتِ الخبزِ في حاوياتِ الأثرياءِ

الحديث عن الكرامة يجر العقل للتفكير في  مظاهر انتهاكها ..ولايمكن التوقف عند الكرامة  الانسانية دون الشعور بـ” الاقصاء  والتهميش والتعسف  والاهانة “…كل هذه المظاهر تلاحقنا ..وبين الفينة والأخرى نستشعر ان  افة عدم حفظ الكرامة دفعت الشعوب للبحث عنها بل ضحت بـ ” كسرة الخبز ” من اجل الكرامة المفقودة .

والكرامة ، ليست سوى تلبية الحاجيات الطبيعية والضرورية للإنسان، ومنها: الحاجيات العضوية كالتغذية والشرب والصحة…، والحاجيات الاجتماعية كالسكن والشغل والتعليم…، والحاجيات الفكرية كحرية التعبير والتفكير… والروحية كحرية التدين والاعتقاد…، وهذه الحاجيات مازال كثير من الناس محرومين منها.

الكرامة  و انهتاك الادمية …صراع محكوم عليه بالاستمرار     

على مر السنين التي عشناها نسجل بقلق ان قيمة الانسان كبشر معرضة للاستخفاف والاهانة بل في احيان كثيرة تصبح مهيأة لقبول الاذلال  فتصير مظاهر  العنفوان والحرية والاعتبار مرادفات يظنها  البعض “خروج عن المألوف  ”

هذا الخروج  هو تفكير احادي الجانب  يتحجج به أي مسؤول لم يجد جوابا لاكراهات مجتمعية تواجهه وبالتالي تكون الظروف مساعدة لعدم تراجع  أي طرف عن قناعته فتصبح الازمات مستعصية العلاج في وقت كان بالامكان تجاوزها .

” الخروج عن الطبيعي ”  كثيرا ما يتردد في كل موقف يبدو فيه المواطن  اكثر شجاعة من البقية او بمعنى ادق اكثر ارتباطا بكرامته التي يرفض ان تتعرض للتدنيس ، وهذا معطى يتصادم مع هيبة المسؤول الذي يرفض أي قرار تنازلي في اعتقاد منه ان أي تنازل هو ضعف سيستغله الاخر في المنحى الذي يخدمه

البوعزيزي ..صفعة شرطية تشعل ربيعا

هو محمد البوعزيزي  التونسي  ..”أضرم نيران الغضب في جسده النحيل فألهب مشاعر كرامة وعزة لم يعرف لها طعما ..لقد احدث ربيعا

ورغم نفي الشرطية أن تكون صفعته، وتبرئة المحكمة لها لم يمنعا انتقال النار التي أحرقت البوعزيزي إلى منطقة سيدي بوزيد ثم كامل البلاد لاحقا، وتحولت الكلمة التي قالتها الشرطية له بالفرنسية “Dégage” -أي ارحل- إلى شعار لثورة شعب بكامله ضد رأس الدولة ونظامه طلبا للكرامة والحرية ورفضا للفساد.

الكرامة التي تعرضت للوطئ  بسب اخرجت احتجاجات لأهالي سيدي بوزيد للتضامن معه، فاصطدمت الاحتجاجات مع قوات الأمن، وتوسعت رقعتها الجغرافية، ولم تنفع بعض القرارات الحكومية، وزيارة الرئيس زين العابدين بن علي لمحمد البوعزيزي في المستشفى في تراجعها، بل ازدادت وتحولت لانتفاضة شعبية اجتاحت معظم مناطق تونس وصولا لقصر قرطاج، وأجبرت ساكنه الرئيس بن علي -بعد 23 سنة من الحكم- على ترك السلطة والهروب للخارج  في 14 يناير 2011.

وبعد ان تعرضت كرامة البوعزيزي للاذلال واحدتث ربيعا يعلن عمدة العاصمة الفرنسية باريس بيرتراند ديلانو في الرابع من فبراير 2011 عن إقامة تمثال تذكاري تخليدا للبوعزيزي، ووعد بإطلاق اسمه على أحد ميادين باريس، وعدّه “رمزا لكفاح تونس من أجل الديمقراطية والعدالة والحرية”

محسن فكري ..الكرامة التي طُّحنت بشاحنة ازبال

محسن فكري ..يوم الجمعة 28 اكتوبر 2016 قضى في الحسيمة عندما علق في مطحنة شاحنة لنقل النفايات بينما كان يحاول اعتراض عناصر شرطة سعوا إلى مصادرة بضاعته وإتلافها.

الحادث  اثار صدمة  الشعب المغربي بعدما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صورة لجثة فكري وهي عالقة داخل مطحنة الشاحنة، ووجهت دعوات مختلفة للتظاهر في مختلف أنحاء البلاد.

وللتعبير عن الغضب من الحادث، خرجت بشكل متزامن مظاهرات في الحسيمة ومدن  أخرى حيث احتشد المئات مرددين شعارات  تطالب بالكرامة وتحقيق العدل “.

السلطات المغربية سارعت إلى تهدئة الأوضاع، حيث تم فتح تحقيق في الواقعة ليقول القضاء كلمته في الواقعة بسجن سبعة اشخاص لفترات تراوحت بين  خمسة وثمانية أشهر .

الفقر والكرامة ..في الصويرة  يخدل الاول الثاني

تحولت عملية توزيع مساعدات غذائية على سكان منطقة سيدي بولعلام، قرب مدينة الصويرة، إلى واقعة دموية بسبب وفاة حوالي 15 شخصا، أغلبهم نساء، بسبب التدافع على المساعدات الغذائية، فيما أصيب خمسة آخرون بجروح متفاوتة الخطورة.

الحادث، وقع، حينما تجمع العشرات، أغلبهم من النساء، للحصول على مساعدات غذائية من طرف إحدى الجمعيات، قبل أن يتحول الأمر إلى تدافع مميت.

وأكدت وزارة الداخلية حينها  مقتل الضحايا الـ 15، مشيرة إلى أن الملك محمد السادس “أصدر تعليماته إلى السلطات المختصة لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة من أجل تقديم الدعم والمساعدة الضروريين لعائلات الضحايا وللمصابين”.

تجمع المئات من اجل ” كسرة خبز ” فيه دلالة كبرى على ان ابناء هذا الوطن يتفرقون في العطاء والاخد ، فبينما القلة تعيش البدخ هناك  في الجهة الاخرى كثرة تأكل الجوع  بسبب عدم ادماج كل شرائح المجتمع في عملية التنمية  والاكتفاء بترقيع الاختلالات المجتمعية التي تفاقمت بشكل سريع .

بهمس ..اسئلة حارقة

أين كرامة الإنسان حين ينام المواطن  متألماً وموجوعاً، لا يدري كيف يؤمِّن قوته؟ وما الجدوى من كل التقارير والارقام والوزارات والادارات و بعض الشعب يعيش مُحتقرا  ؟

كيف سنبتسم والكرامة  تتعرض للتعذيب بينما من نصبوا انسهم لخدمة الناس يعيشون في نعيم مدفوع الاجر وبزيادة ؟ كيف سنعيش والبعض يريد ان يجعل من الكثرة عبيد تماما كالمنطق الإقطاعي و النّخبويّ / الطبقيّ /  العنصريّ .

لافت ومؤسف ان يستشعر مواطنون كرامتهم عندما يذهبون إلى بلاد غير  بلدهم  ، يجدون من يفكر بهم  ، يطالبون بقوَّة القانون .. الجميع يخضع للحق  ولا لشيء غير الحقّ ..

الكرامة والاسلام …منحة ربانية وجب الحفاظ عليها

الكرامة منحة إلهيَّة للإنسان، أوجب عليه أن يحافظ عليها ويعزِّزها، أن لا يفرِّط بها، فكما لم يجز الله للإنسان أن يسيء إلى جسده وروحه، لم يجز له أن يسيء إلى كرامته.

والإسلام قام على مبدأ الكرامة المحفوظة، فعلى مستوى الإنسان نفسه، ورد أنّ الله فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً، أو أن يكون عبداً لأحد حتى في أيّ حاجة: “لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً”.. قالها سيّد الكرامة الإنسانيّة علي بن أبي طالب، وإمام الأحرار الحسين(ع): “والله لا أعطي بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ إقرار العبيد”.

وعلى المستوى العام والتّشريع والأحكام، نهى الإسلام عن كلّ ما ينتهك الكرامة على مختلف الصّعد، ابتداءً من السخرية والاستهزاء وظنّ السّوء، وصولاً إلى التجسّس والغيبة الّتي لا يغفرها الله تعالى حتى يغفرها صاحبها، وفي هذا دليل على حرص الله عزّ وجلّ على أن يحفظ حقّ الإنسان في كرامته، ما يجعله يقف يوم الحساب مع الّذين اغتابوه، أو قلّلوا من شأنه، أو ذلّوه، ليطالبهم بحقّه..

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى