فصل المقال فيما خلقته المذكرة الوزارية من جدال

تفتقت عبقرية الوزارة المعنية بقطاع التعليم ببلادنا، فاستبقت البرلمان بغرفتيه وسابقت الشركاء الاجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني المختصة لتسارع باستصدار مذكرة داخلية تنص جبرا على تدريس المواد العلمية في المستويات الثانوية باللغة الفرنسية، وهو قرار غير مفهوم وخارج عن السياق الذي أسس له ملك البلاد في دعواته المتسلسة لإصلاح التعليم بمقاربة علمية تشاركية، ابتدأها بإحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في نسخة مستجدة وأمهله حيزا من الزمن أخرج فيه ما سميت بالرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015-2030 والتي يعتكف مجلس النواب اليوم على مناقشة القانون الإطار الخاص بها، وحث عليها في خطاباته المتكررة وكان آخرها خطابه أمام ممثلي الأمة عند افتتاح الدورة التشريعية الحالية.

ولإن كان إصلاح التعليم مثار اهتمام ونقاش من طرف كل مكونات المجتمع، فإن هناك قنوات صرفة هي المنوط لها بدراسة مشوع القانون الإطار الذي تقدمت به الحكومة قصد التنقيح والتعديل والإصدار والنشر.

ولأن القانون لا زال مشروعا بعد، ولم يتم إقراره بشكل نهائي، فإن الوزارة قد جانبت الصواب باتخاذها لمبادرة فردية تشوش لا محالة على سير النقاشات حول مشروع القانون الإطار، بل على حمولة الرؤية الاستراتيجية ككل، إن لم نقل على الإرادتين الملكية والشعبية المتلاحمتين لإنجاح هذا الورش والانتقال بالمدرسة المغربية من هذا الوضع المتأزم والذي لا يتحمل مسؤوليته إلا الوزراء الذين تعاقبوا على القطاع بقراراتهم الفردية والمزاجية التي توازي مذكرة الوزير إياها.

إن المسؤولية على رأس وزارة التعليم تحتم على السيد الوزير الإبداع والابتكار في تنزيل المقتضيات الدستورية لا الانزياح عليها، فتصدير الدستور يحث بشكل واضح على ضرورة احترام مقومات الهوية الوطنية المتعددة الروافد، كما أن الفصل الخامس منه ينص بشكل جلي على اللغتين الرسميتين للبلاد ويسميهما واللتان يستوجب التفعيل السليم للدستور التدريس بهما وتعميم التواصل بهما والبدء بهما في كل المخططات والقرارات.

أما اللغة الفرنسية فما سمعنا بها، ولا نص الدستور عليها، بقدر ما تبقى إحدى تبعات وسقطات الاستعمار الكولونيالي الذي تعرض له المغرب لقرابة نصف قرن خلت.

ولإن كانت بلادنا قد تخلصت من الاستعمار الترابي الفرنسي، فإنه على ما يبدو لا زال هناك استعمار فكري وأدبي في عقليات مسؤولينا… كيف لا أمام ونحن نرى إصرارهم على الانتصار لهذه اللغة التي تتدحرج يوما بعد يوم في سلم اللغات العالمية الحية.

ولمزيد من التوضيح، وحتى لا يفهم هذا المقال بشكل أعوج، فدعوتنا واضحة تتماهى مع ما سبق أن أشار إليه الأخ الأمين العام للحزب في لقاء مع الصحافة أن الأولوية الآن في التلقين والتدريس للغتين الرسميتين العربية والأمازيغية مع ضرورة الانفتاح على اللغات الحية وعلى رأسها الإنجليزية والإسبانية والصينية وباقي اللغات الأخرى بما فيها الفرنسية التي يجب أن تحظى بقيمتها العلمية وسط بقية اللغات لا فوقها.

هذا حسم وطني لا نقاش فيه في نظري، أما فيما يخص مشروع القانون الإطار المتعلق بالرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، ورغم إلحاحيته، فأعتقد أن على البرلمان التريث في نقاش مواضيعه، وأن على الحكومة الإسراع بإخراج القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الأمازيغي للدولة والمجلس الوطني للغات والثقافة حتى نضمن تماهي المنظومة القانونية في محتواياتها ورفعا لكل تناقض أو انزياح قد يعرفه قانون اتجاه آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى