الحذاء الأحمر

كسائر النساء يأخذها الفضول للإطلاع على آخر صيحات الموضة، لكن بأسلوبها الخاص، فهي تعلم علم اليقين أنها لا تملك حتى ما تسد به ديونها من ضروريات الحياة، وكأن هذا الفضول الذي يعتريها كلما مرت بجانب المحل التجاري يريد فقط أن يدفعها لتندب حظها العاثر، أو لتدرك أنها تعيش في هامش هذا العالم الذي لا يأبه بأمثالها.

شاردة الذهن بين الأروقة، وهي ترمق صفوف الأحذية، تتمعن في الأشكال، الألوان، والمقاسات أيضا، وحده الثمن الذي لا تعيره اهتماما، لا تكلف نفسها عناء تحويله من العملة الرسمية إلى نظيرتها العامية، فلا غاية ترجى من ذلك بالنسبة لها.

تسمرت في مكانها لبرهة من الزمن، مدت يدها للحذاء الأحمر تتفحصه، وكأنه صنع ليناسب ذوقها ومقاسها أيضا، تتمتم بكلمات وكأنها تقول، إنه مناسب، مريح وناعم. تتطلع للثمن فتشد بصرها عبارة “تخفيض بنسبة سبعين بالمائة”، فتُرسم على ملامحها ابتسامة مشرقة، غيرت تجاعيد الزمن الذي حفر معالم البؤس على محياها، ابتسامة طفولية كالتي كانت ترسمها على شفتيها و هي تعانق والدها ليلة العيد، لطالما كان يثلج صدرها بالهدايا الفاخرة، كان يحب أن يراها أنيقة جذابة ومتميزة بين أقرانها.

تخاطب نفسها بصوت مرتفع، تُحَوِّل الثمن، تخصم سبعين بالمائة، الباقي …، هذا غير ممكن تم تعيد الحساب مرة أخرى، غريب ظننت أن الثمن سيكون أقل، كيف…، لا يمكن…، تحاول التخلص من بعض نفقات الشهر، دون جدوى، ربما أجرة الشهر القادم، أخصم مبلغ… وأستدين مبلغ… نعم ربما يكون ذلك ممكنا، نعم لا يمكنني تفويت هذه الفرصة، فتضرب موعدا مع الحذاء في نهاية الشهر .

من البيت إلى العمل أو من العمل إلى البيت، لابد أن تمر بجانب المتجر لتتأكد أن الحذاء لازال في مكانه، أصبحت تنظر إليه بعاطفة و كأنه ملك لها، أو كأنه رهينة تصارع الزمن لتحريره، كفارس أحلام يقاتل الأشرار للفوز بأميرته.

تعد الأيام واللحظات، كل يوم يمر إلا وتتخيل نفسها ترتديه، وكلما اقترب الشهر على نهايته كلما ازدادت يقينا بأن الحذاء سيكون من نصيبها.

أخيرا جاء اليوم الموعود، يوم التوصل بالأجرة، فلم تنم تلك الليلة من شدة الفرح، كان فرحا طفوليا، تعد النقود للمرة العاشرة، الثمن بالتمام والكمال، فما دون.

تدخل المحل واثقة الخطى وعيناها لا تبحثان سوى عن الحذاء الأحمر، الذي أخلف الموعد هذه المرة، تلُف المحل يمينا وشمالا، لا تكاد تصدق نفسها، كيف يعقل أن يخونها الحظ هذه المرة أيضا، كيف له أن يلعب معها لعبة الاختفاء دون إذن منها.

تستسلم للأمر الواقع وتسأل صاحب المحل، فيجيب بنبرة اليأس، لقد نفذ المخزون هذا الصباح.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى