الإفراج المقيد بشروط أو القانون الخاضع للاعتقال في المغرب

 كثيرة هي القوانين التي امتلأت بها كتبنا ومراجعنا القانونية الرسمية، دون أن يكتب لها أن تخرج وتجسّد على أرض الواقع. هذا بالطبع مع ضرورة الإشارة إلى ما تتطلبه عملية إصدار تلك القوانين وما تكلفه للدولة من مبالغ مالية مهمة، وما تستنزفه من وقت ثمين من ساعات العمل الرسمية لمن سهروا على إخراجها وإصدارها. فالجميع يعرف المراحل التي يمرّ منها إصدار قانون ما، بدءا بالاقتراح تم الدراسة والتصويت والإقرار مع الإصدار بالجريدة الرسمية.

والإفراج المقيّد بشروط هو واحد من تلك القوانين الكثيرة التي بقيت حبيسة الرفوف وأوراق كتبنا القانونية الرسمية، رغم ما يشكّله ذلك القانون من أهمية بالغة، وما يمكنه أن يلعبه من دور في الحدّ من حالة الاكتضاض التي تعيشها المؤسسات السجنية بالمغرب، والتي باتت حديث المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، نظرا لكونها تشكّل العائق الأكبر أمام نجاح جميع برامج إعادة تأهيل السجناء. وحتى نضع الأصبع على مكامن الخلل التي جعلت من هذا القانون الإنساني مجرد حبر على ورق، إلى حد جعل عددا من الباحثين يصفونه بأنّه هو الآخر صار معتقلا في زنازين الرفوف، سنعرج على أبرز ما نص عليه كل من المشرّع الجزائري والفرنسي في هذا الباب، ونحاول من خلال ذلك تسليط الضوء على أوجه الاختلاف بين التشريعين المذكورين مقارنة بالتشريع المغربي، على اعتبار أنّ الجزائر وفرنسا قد مضيا إلى حد بعيد في مجال العقوبات البديلة ومن ضمنها الإفراج المقيّد بشروط.

لم يحدد أيّ من التشريعين المذكورين أعلاه تعريفا دقيقا للإفراج المقيد بشروط، واكتفى كل منهما بتحديد ضوابطه وشروطه والمسطرة المعتمدة في تنفيذه. وعلى العموم فالإفراج المقيد بشروط هو عملية الإفراج عن نزيل قبل انقضاء مدة محكوميته أو عقوبته وفق شروط محددة وبعد إبداءه وإظهاره لرغبة واضحة في الاندماج والإصلاح. وحدد كل من التشريعين المدة التي ينبغي أن يقضيها السجين داخل المؤسسة السجنية كاختبار قبل أن يتقدم بطلب الاستفادة من الإفراج المشروط، حيت حدد المشرع الفرنسي في المادة 729 من قانون الإجراءات الجزائية المدة الاختبارية كالآتي:

– 3 أشهر إذا كانت العقوبة أقل من 5 أشهر

 – نصف العقوبة أذا كانت العقوبة أكثر من 5 أشهر

 –  بالنسبة للمحكوم عليه العائد تكون محددة بثلثي العقوبة، وبالنسبة للمحكوم عليه بالمؤبد فتكون مدة الاختبار ب 45 سنة.

وبالنسبة  للمشرّع الجزائري فقد نصّ 134/2-3-4 من قانون 05-04 على أنّه ينبغي أن يقضي السجين المبتدئ أي الغير العائد، مدة لا تقل عن نصف العقوبة، وفي المقابل أن يقضي السجين العائد ثلثي العقوبة.

والملاحظ هنا أنّ التشريعين معا قد ميّزا بين السجناء المبتدئين والسجناء في حالة العود، كما أنهما لم يضعا تمييزا بين المحكومين في أطار قضايا جنائية أو جنحية. واقتصرا على حالة العود ومدة العقوبة، في الوقت الذي نجد فيه المشرّع المغربي قد تشدد في هذا الجانب عندما أشار في المادة 622 من قانون المسطرة الجنائية إلى ضرورة قضاء نصف العقوبة في الجنح وثلثي العقوبة في الجنايات والجنح التي حكم فيها بما يفوق خمس سنوات. كما نصّ القانون الجزائري ايضا على إمكانية استفادة السجين الذي يبلغ عن حادث خطير، دون أن يبلغ المدة القانونية من العقوبة الحبسية، ونفس الشأن مع السجناء الذين يعانون من أمراض خطيرة ومستعصية.

وفي الوقت الذي وضع فيه المشرع المغربي سلطة إصدار قرار الإفراج المشروط أو رفضه بيد وزير العدل، فإنّ المشرع الفرنسي قد وزّع هذه السلطة بين ثلاث جهات، فمنح القانون الفرنسي لقاضي تطبيق العقوبات الاختصاص في منح مقرر الاستفادة من الإفراج المشروط إذا كانت العقوبة السالبة للحرية تقل أو تساوي 41  سنة  أو مدة العقوبة المتبقية تقل أو تساوي 3 سنوات وفقا لنص المادة 231  من قانون الإجراءات الجزائية  الفرنسي. وجعلها من اختصاص وزير العدل في طلبات الإفراج المشروط إذا كانت المدة المتبقية من العقوبة تزيد عن 71 شهرا، وكذلك إذا كان طلب الإفراج المشروط مبني على أسباب صحية، وعندما يكون الإفراج المشروط مكافأة تمنح للمحبوس وفق نص المادة 435 من القانون رقم 15-11.

وفي الوقت الذي أشارت مواد القانونين الفرنسي والجزائري باقتضاب ودون إلزامية إلى إمكانية الاستعانة بالمصالح الخارجية في اتخاذ قرار الإفراج المقيد بشروط، نجد انّ المشرع المغربي قد جعلها جزءا رئيسيا وإلزاميا ضمن مكونات الملف، وهو الأمر الذي يعقّد مسطرة الاستفادة من هذا الامتياز، وكأنّ المشرّع المغربي قد حرص منذ البداية على إغلاق باب الاستفادة منه في وجه المحبوسين، وكان يهدف من البداية إلى جعله مجرد حبر على ورق ووضعه بالرفوف استجابة للاتفاقيات الدولية وزركشة للتشريعات الوطنية. ولمن سيتهمنا بالمبالغة ندعوه مسبقا إلى القيام بقراءة سريعة لإحصائيات الوزارات الوصية في البلدان الثلاثة، والاطلاع على عدد المستفيدين من هذا الامتياز، وإجراء مقارنة بسيطة، ففي الجزائر مثلا فقد بلغ عدد المستفيدين من هذا الامتياز سنة 2011 مثلا أزيد من 9000 سجين. في الوقت الذي لم يبلغ فيه عدد المستفيدين من هذا الامتياز في المغرب حتى 10 سجناء، وسيصبح المشكل أعمق إذا قارنا بين عدد السجناء في البلدين، ونسبة الاكتضاض في مؤسساتهما السجنية.

  وفي هذا الصدد وتنويرا للجان الساهرة حاليا على مشروع العقوبات البديلة، والتي يتم في إطارها صرف ميزانية هامة في كل لقاء تواصلي ويوم دراسي، ويتم خلالها الحديث بإسهاب عن ضرورة إخراج العقوبات البديلة للعقوبات الحبسية للوجود، نقول بأنّه إذا كانت الغاية من تلك الايام الدراسية واللقاءات والدورات هو إخراج قوانين معاقة، فلا داعي لذلك، والأولى أن تصرف تلك المبالغ على مشاريع تنموية أو برامج لتأهيل السجناء المفرج عنهم حتى لا يعودوا للسجون، بدل إصدار قوانين تصبح هي الأخرى خاضعة نفسها للاعتقال.

*عزيز مطيع

كاتب وباحث في العلوم السجنية

مدير سابق لمؤسسة سجنية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. MALGRÉ TOUT, NOUS CONTINUERONS TOUJOURS A CROIRE A UN MAROC RADIEUX ET RÉELLEMENT DÉMOCRATIQUE ET RESPECTUEUX DES DROITS DE L’HOMME ,UN MAROC OU LA JUSTICE DEVIENDRAIT INDÉPENDANTE ET LE FASSAD ENTIÈREMENT ANÉANTI A JAMAIS DANS LE PAYS OU LE PEUPLE VIVRA ALORS DANS LA DIGNITÉ DANS LA QUIÉTUDE ET LE BIEN ETRE.
    NOUS TOUS MAROCAINS DE L’INTÉRIEUR COMME CEUX DE L’ ETRANGER AUSSI,NOUS AIMERONS TOUJOURS NOTRE PAYS ET L’ESPOIR DE VOIR SE CONSTRUIRE UN MAROC NOUVEAU DONT NOUS RÊVONS TOUS SERA RÉALISÉ UN JOUR MALGRÉ LA RÉSISTANCE FAROUCHE DE CERTAINS OPPORTUNISTES ET PROFITEURS ENNEMIS DE NOTRE PEUPLE.
    LE MAROC SERA A COUP SUREMEN UN JOUR LE SEUL PAYS AU MONDE ARABE ET DANS LE CONTINENT AFRICAIN A SE VANTER D ‘ETRE RÉELLEMENT UN PAYS DÉMOCRATIQUE AU VRAI SENS DU MOT

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى