الشعوب والدخل للتغيير إذا لم تستسلم لأدوات القمع

عبد اللطيف مجدوب

 

” تخاض الحروب من الدول لتغيير الخرائط ، ولكن حروب

                         الفقر تخاض لوضع خريطة التغيير “

                                                           ـ محمد علي كلاي ـ

 

دينامية التاريخ البشري كانت دوما سجالا بين الشعوب وأنظمة الحكم  من جهة ، والحاجة إلى تطوير الإمكانات الاقتصادية في ظل نمو حاجيات الفرد والمجتمع من جهة أخرى ، ويكاد الظلم والفقر ؛ في الماضي والحاضر ؛ إحدى الشرارات البارزة في اندلاع الثورات الاجتماعية واشتداد أصوات التغيير ، ومن ثم الشروع في ظهور فصول متنوعة من احتكاكات الجماهير بالسلطات الحاكمة ؛ تتلون بين الاصطدامات الدموية تارة والمظاهرات السلمية ، وبين الاحتجاجات العنيفة الحاملة لصور شتى من الغضب الشعبي تارة أخرى ، يصل أحيانا إلى درجة الغليان ، تخلف وراءها خسائر جسيمة ، وأحيانا أخرى تمتد إلى اختراق حواجز ومتاريس والمطالبة بإسقاط رموز السلطة في البلاد . وفي هذا السياق نتذكر ثورات ذات نزعات مختلفة تتمظهر بالمظهر الديني حينا كالثورة الخمينية ، وتتدثر باللون النقابي حينا آخر كثورة ليس فاليسا lichs valissa قائد الثورة البولندية سنة 1980 وزعيم (نقابة تضامن) أو تنحو منحى سياسيا كثورات الربيع العربي التي اكتست في البداية صفة تضامنية مع البائع التونسي المتجول ، لكنها سرعان ما امتدت إلى أنحاء تونس لتصل شرارتها إلى بقية البلدان العربية ، غير أنها ستؤول إلى موجة تخريب وفوضى عارمة وركوبها أو بالأحرى استغلالها من قبل جماعات إسلامية متطرفة .

 

أنظمة سياسية موغلة في محاصرة شعوبها

 

يبدو أن العالم الغربي شرع يصحو من سباته لعدة عقود خلت ، بعد أن لاحظ أن الرأسمالية المتوحشة هي التي آلت إليها مقاليد التحكم في اقتصاديات الشعوب وبالتالي فرض نظام سياسي في شكله ديمقراطي ولكن في عمقه استغلالي بصور جد بشعة ؛ يمتلك أيادي نافذة في عدة قطاعات حيوية كالبنوك والتجارة والصناعة والتجهيز والقضاء والميديا .. ولا يتوانى مطلقا في شد الخناق على الطبقات الوسطى لإثقال كاهلها بالديون والضرائب وارتفاع الأسعار .

وقد أصبح واضحا أن “الدكتاتورية الرأسمالية” ؛ بعد أن عمقت الفوارق الطبقية بين شعوبها ؛ تتجه الآن إلى الضمور والاحتضار بفعل الإعلام الشعبي الجديد الذي جاءت مواقعه كبديل لبعض المؤسسات الحزبية والنقابية التي اتضحت موالاتها واستغلالها من لدن السلطات الحاكمة في تمويه الرأي العام وامتصاص غضبه . هذه المواقع للتواصل الاجتماعي أصبحت بالكاد كما أوضح Amy Jo Martin  “… تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير الطريقة التي نتواصل بها أو ننظر بها إلى الآخر …                                                           ” ،  فهي تحتل الصدارة في الإعلام الشعبي العام ، بعيدا عن كل المزايدات والتوظيف السياسي ، كما دأبت عليه القنوات والإذاعات الرسمية في البلدان ذات الأنظمة الشمولية ، حيث أن كل المؤسسات والهيئات الرسمية ؛ بما فيها النقابات والأحزاب السياسية ؛ خاضعة للنظام السياسي العام وموالية للوبيات المسيطرة Dominant Lobbies .

 

المغرب السياسي والأمل في التغيير

 

نكاد نجزم بأن السياسة العامة التي ينتهجها المغرب تستمد نفوذها من الرأسمالية الأوروبية في صورها الاستغلالية البشعة ، حيث أن قطاعات المال والتجارة والوقود والميديا هي التي تتحكم في كل المجالات الحيوية ، ومن ثم تموقعها في مراكز نفوذ لفرض الضرائب والرسوم والتلاعب بالأسعار والقوة الشرائية للمواطن ، في حين نجد أن هذه المافيات واللوبيات التي تتشكل منها دوائر القرارات السياسية المركزية هي التي تشرع وتسن القوانين لفائدة الطبقات الحاكمة صاحبة النفوذ المالي والتجاري ، مع ما تلحقه من أضرار بالطبقات الشعبية ، مما يفتح الباب على مصراعيه ؛ داخل البلاد ؛ لترسيخ ثقافة الغش والنصب والاحتيال ، ويضحى الأمل في التغيير ؛ على ضوئها ؛ جد ضعيف ، إن لم يكن منعدما بالمرة ، حتى ولو تم توظيف وسائل التواصل الاجتماعي التي تم اختراقها وشيطنتها من قبل السلطات المخزنية ، هذا عدا نبرة التهديد والوعيد التي تتوجه بها الحكومة في خطابها إلى مستعملي هذه الوسائل ، فضلا عن عامل الأمية الذي تعاني معظم الشرائح الاجتماعية ، مما يجعل النجاح في بناء وتنظيم حملة جماهيرية أمرا بعيد المنال .

أما أشكال الاحتجاجات الشعبية التقليدية ؛ من مظاهرات ومسيرات ورباطات … فقد اعتادت السلطات المحلية التصدي لها بكل أدوات القمع المتاحة لديها ، كإلقاء القبض على منظميها ، وأحيانا تفريق الجموع بوسائل فتاكة باستعمال خراطيم المياه ورمي المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع ، وأحيانا أخرى تعمد إلى توظيف بلطجيتها بقصد اختراق المد الجماهيري واستخدام الأسلحة البيضاء من عصي وسكاكين وحجارة ..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى