“صبري الحو” يدقق في جدول مفاوضات جنيف.. حظوظ النجاح و الفشل !

صبري الحو*

في هاته الورقة البحثية حول مسار مفاوضات الصحراء بجنيف، و التي تجتمع فيها جميع أطراف النزاع( المغرب، الجزائر ، بوليساريو بالإضافة إلى موريتانيا) -نجد تحليلا منهجيا، وسبرا لأغوار مسار المفاوضات، بدءا بتشريع النقاش حول جدول الأعمال المفترض مناقشته، مرورا بشكل المفاوضات و جوهرها، و انتهاء بمآل الحوار سواء كان ماضيا في اتجاه الفشل أو النجاح.

الورقة العلمية التي قدمها الأستاذ “صبري الحو” الخبير الدولي في قضايا الهجرة و نزاع الصحراء، تشكل عصارة قراءة منهجية لمسار مفاوضات مباشرة و غير مباشرة لملف الصحراء، كما انها تحاول ان تقدم خلاصات استباقية لمآل مفاوضات جنيف التي تشهد تكتما إعلاميا غير مفهوم.

تقديم:
لا شك أن جولة مفاوضات الطاولة المستديرة بجنيف المقبلة بين المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو ستلقى كل الاهتمام وتتبع الجميع، على المستوى الدولي والاقليمي والقاري والجهوي والاممي وعلى جميع الاصعدة، وخاصة السياسية والاعلامية. ويترقب الجميع لمعرفة تفاصيل كيفية ادارتها؟ والمواضيع المطروحة للنقاش؟ واجراء وظروف انعقادها؟ ومرورها؟، والنتائج التي قد تترتب عنها؟، فارتأيت من موقعي كمتتبع المساهمة في هذا النقاش العام.

أولا: التنسيق الأممي والأمريكي من خلال جدولة برنامج عمل المائدة المستديرة؟

إن تنسيق الولايات المتحدة الأمريكية والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في موضوع نزاع الصحراء ليس سرا، بل حقيقة مؤكدة وحاجة ملحة وضرورية بالنظر الى كون أمريكا هي التي اعتادت على تحرير مسودات قرارات مجلس الأمن بخصوص دراسة مجلس الأمن للحالة الدورية في الصحراء، والتمديد لبعثة المينورسو.

ويكشف نص وفحوى قرار مجلس الأمن الأخير 2440 عن موضوع الاجتماع الذي حصل بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بلتون والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر في اكتوبر الماضي، وقبيل اجتماعات مجلس الأمن للتمديد لبعثة المينورسو، الذي تم لستة اشهر اضافية تنصرم في متم ابريل 2019، إذ أن القرار لم يقف عند حد الثناء على الدعوة الى استئناف المفاوضات التي دعا اليه المبعوث الشخصي للأمين العام ، بل امتد إلى مستوى تحديد مجلس الأمن لبرنامج عمل مفاوضات المائدة المستديرة في جنيف في نص القرار عدد 2440 .

ثانيا : تقييم التطورات الراهنة في نزاع الصحراء:

ويظهر من القرار 2440 أن أشغال محادثات المائدة المستديرة ستنكب في يومها الأول على تقييم التطورات الحاصلة والراهنة في علاقة بنزاع الصحراء؛ بحيث سيكون النقاش عاما وكل طرف سيحاول التركيز على الأحداث والوقائع الراهنة التي تؤيد وتعزز مركزه، ويزيد من قوة الموقف المغربي تطور موقف الاتحاد الأفريقي في دعم العملية السياسية وعمل الأمم المتحدة، وتأكيد مجلس الأمن على حصرية ولايته للنظر والاشراف على النزاع، ووضوح وصفه وتحديده للمنطقة العازلة، ودعوته لدول الجوار للانخراط كأطراف وليس كملاحظين ومراقبين للاسهام والانخراط من اجل وصوب الحل، علاوة على وضع البوليساريو في موقف الدفاع عن جزء من ساكنة المخيمات فقط وليس كممثل وحيد لكل الصحراويين، وتقزيم زعمها الاحتكار بالصفة .

وبالمقابل، فان البوليساريو ستقف كثيرا عند حيثية محكمة العدل الأوروبية، وحكمها الاستشاري في تمييزها بين المجال والنطاق الحغرافي للاقليم المغربي عن اقليم الصحراء، ولن تجد الجزائر ما تدفع به أمام تطور مواقف الأمم المتحدة والتجمعات الاقليمية بما فيه التنظيم القاري الافريقي الذي تجاوز خطة التسوية واصبح متناهيا ومتناغما مع رأي الأمم المتحدة بأن الحل المطلوب سياسي توافقي وواقعي عملي في قمة الاتحاد التي كانت منعقدة في نواكشوط.

ثالثا: تقييم المسائل الاقليمية في علاقتها بنزاع الصحراء: يناقش التكامل الاقتصادي، التنمية والهجرة، والأمن في افريقيا ويمتد حتى اوروبا :

وفي اطار تقييم الوضع الاقليمي كجدول الجلسة الثانية ،وفي هذا الصدد سيتم الحديث عن أهمية الاندماج المغاربي من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي، واحراز التنمية كهدف أساسي، والسيطرة على أسباب المخاطر، والتهديدات الأمنية والارهابية والجريمة المنظمة من أجل فضاء مغاربي كبير مستقر ومزدهر وآمن، وتتجاوز المناقشات المجال الأفريقي واوروبا.

وهو موضوع أدرج في تقارير الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الأخيرة، ونفس مخرجات القمة 35القرار الأخير للقمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي المنعقدة في أديس أبابا، والتي تكرس الأولوية للشؤون السياسية والتكامل الاقتصادي والأمن ، ودور المجموعات الاقليمية المحلية في ذلك.

وستحاول الجزائر ربط الانحصار الحالي، وفشل الاتحاد المغاربي بنزاع الصحراء بينما المغرب سيلصقه بالجزائر التي ترفض اليد الممدودة المغربية وترفض التفاعل مع المبادرة المغربية بانشاء آلية مستركة من أجل حوار مباشر، وتنكب على كل المواضيع الخلافية.

رابعا: الخطوات التالية في العملية السياسية؛ حضوض النجاح والصعوبات،:

إن وضع وتنظيم هذه الجدولة بعد نقطتين مفترض فيه أن كلا الأطراف صبت جم كل ما لديها من آراء، ومقترحات، وأجوبة، وردود، وتعقيبات ، وسجلت ما لديها من تحفظات، يدل على كثرة العناية و دقة وعمق التفكير في محاولة لتحقيق نجاعة في الجولة، فالمشرف على المفاوضات هورست كوهلر أخذ وقتا كافيا، والتزم التكتم والصمت والتحفظ قبل الاعلان عن الدعوة، وفي هذا الاختيار يراهن بناء نجاحها على أثر وفي تفاعل على ما قد يكون راج في جولة التطورات الراهنة، وجولة تقييم المسائل الاقليمية على مستوى الشكل، والتصور النظري الذهني، وهو ما يعطي الدليل على أنه مفاوض بارع.

واذا كان اعداد الأطراف نفسيا مهم للثقة وللاستمرار، فان مناقشة الجوهو والموضوع هو الأهم، فتحديد وترتيب الخطوات التالية في العملية السياسية معناه وضوح الهدف من المفاوضات، وهو شيء غير قائم الا على مستوى الوصف النظري ” حل سياسي واحد: في جوهره واقعي وعملي وقانوني على مستوى الشكل، وهو ما جعل المغرب يطلب تحديد الغاية من المفاوضات وأردفه بتحديده للسقف.

وقد حاول اللأمين العام للأمم المتحدة في توصيات تقاريره، ومجلس الأمن في قراراته التدخل في هذه النقطة من خلال تشجيع الأطراف على انفتاحهما المتبادل لمناقشة مبادراتها المقدمة منذ 2007، لكن من أين البداية؟.

فالمغرب سيدفع بمقترحه للتفاوض من أجل تطبيق الحكم الذاتي مقاعدة للمفاوضات، ويستفيذ في ذلك من أنه مشروع سياسي أولا، وتم الاشهاد له بطابع الجدية والواقعية مت طرف قرارات مجلس الأمن منذ 2007، حتى آخر قرار في متم أكتوبر 2440//2018، وسيتدخل ممثلي الساكنة في الداخل في جهتي اقليم الصحراء الموجودين ضمن تركيبة الوفد المغربي لتأييد ودعم قبولهم بالحكم الذاتي، ويستفيذ المغرب أيضا من فشل الأمم المتحدة في اجراء الاستفتاء، وعدم الاشارة الى مقترح البوليساريو بذلك في القرار الأخير.

بينما ستدفع البوليساريو بكونها الممثلة الوحيدة باسم الصحراويين، وتثير أن المهمة الأساسية والأولية لبعثة المينورسو هو تنظيم الاستفتاء، وهو مقترحها، وان الأخير ينفتح في قائمة الاختيارات على مقترح المغرب بالحكم الذاتي، وستنضم اليها الجزائر مؤيدة موقفها والقول بأن خطة التسوية تصع الاستفناء لتحديد الوضع النهائي للاقليم مؤسسة على الاستفتاء.

خامسا:الجولات معبر لطرح افكار جديدة في ظل مستقبل محفوف بالمخاطر:

ستنتهي أيام جولة المائدة المستديرة على حصيلة أميدة وجد محتملة، هي تصلب الأطراف على مواقفهم، وبالتبعية تقهقر رصيد قدرتهم أمام المجتمع الدولي والأممي على بلوغ الحل والاسهام في صناعته. وتربح الأمم المتحدة في شخص الأمانة العامة ومجلس الأمن نقطا أخرى تستقوي بها على كل الأطراف للسير قدما لتنفيذ “حلولها الجديدة”.
وبين هذا وذاك حتما ستتجه المنطقة بأكملها من حيث لا يدري الجميع إلى مجهول محتوم، فعسى أن يحضر التعقل والواقعية لبلوغ حل قريب على بعده وبعيد على قربه.

*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي_الهجرة ونزاع الصحراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى