بنية اللغة .. وعزوف المغاربة عن القراءة

عبد اللطيف مجدوب

 

            توصيف الظاهرة

 

       إنه لمن نافلة القول بنعت المواطن المغربي والعربي عموما بالقصور في القراءة إلى درجة تصل به أحيانا إلى العزوف وتحاشيها والإعراض عنها ، وإقباله على استهلاك الفيديوهات “الأشرطة القصيرة” والتي تروج للغة العامية والدارجة المحلية بنسبة جد عالية ؛ لا تكاد ترد فيها الفصحى أو العربية المترجمة إلا بنسبة جد ضعيفة .

بيد أن مقاربة ظاهرة العزوف عن القراءة ؛ هي الأخرى ؛ تحتشد ضمن نتائجها أسباب عديدة تتداخل بين التربوي والاقتصادي والإعلام الرقمي وهيمنة وسائط التواصل الاجتماعي التي يستوي في استهلاكها عادة المتعلم والأمي ، مادامت تتبنى لغة هذا الأخير الذي لا يجيد استعمال لغة غيرها ، بها يتواصل ويتفاعل .. فلو كانت تروج لعربية فصحى ، ما كان للمغاربة ـ ومعظمهم يستعمل الدارجة لغة التواصل ـ أن “ينجحوا” في حرب المقاطعة التي شنوها على بعض المواد الاستهلاكية ، وما كانت هذه المقاطعة لتنجح ، وفي أمد قصير ، لتكتسح الجماهير الشعبية ، لولا لغتها العامية . وسنتجتزئ ؛ من هذه الأسباب ؛ وراء العزوف عن القراءة ؛ الجانب التربوي المتصل ببنية اللغة ومناهج تدريسها والوسائل الديداكتيكية المعتمة حاليا في مؤسساتنا التعليمية .

            بنية اللغة العربية المتداولة

       غني عن البيان أن العربية المتداولة حاليا على مستوى الكتابة والتعبير عموما تختلف بكثير عن اللغة التي كانت سائدة في معاهدنا وكتاباتنا في الستينيات من القرن الماضي والتي كانت تجمع في صور تعابيرها نثرا ونظما بين الجناس والتشبيه والبليغ والطباق .. وهو ما خلت منه بالكاد عربيتنا اليوم ، كنتيجة حتمية لتطور اللغة بفعل مجموعة من المتغيرات يمكن إجمالها في تعقيد طرائق تعلمها وتباينها الشديد مع لغة المتعلم الأم كالدارجة والأمازيغية ، وانحسار مجالات توظيفها أو حصرها في منظومات القوانين ولغة الدواوين .. فضلا عن الحصار الثقافي الذي ضربته حولها الفرنكفونية ، والتي ظلت لعقود من الزمن وما زالت النموذج المحتذى  ولغة  الأنتلجنسيا للأنتليجنسيا Intelligentsia للتميز  والبريستيج Prestige  .. دون أن نغفل الجانب السياسي الذي لعب دورا مفصليا في زعزعة الهوية العربية والتطويح بلغتها جانبا على إثر ما لحق أهلها ؛ في العقود الأخيرة ؛ من صغار وهوان .

            المستوى المهاري اللغوي حاليا

        يمكن للملاحظ والباحث الوقوف عن كثب على المستوى المهاري اللغوي لدى طلابنا ، إذا هو استقرأ أداء امتحانات البكالوريا وحلل النصوص التعبيرية التي ترد في أوراق الأجوبة ، فقد تمكنه فقط هذه البوابة التعرف على المستويات المهارية والتي تختلف في ؛ في ضحالتها وركاكتها وأخطائها ؛ من طالب إلى آخر . تحمل أخطاء لغوية من الدرجة الأولى كعدم التمييز بين الفاعل والمفعول به أو الخلط بين أركان الجملة العربية ، ومتى تفيد ولا تفيد في معناها ومبناها …  

        وفي محاولة للحفر عن جذور هذه الظاهرة ، ننتهي إلى أن الطالب وهو تلميذ لم يعتد على قراءة النصوص خارج الحصص الدراسية ، كما أن حصص “التعبير” ذاتها غالبا ما يتم تقويمها كتابيا ، دون أن يكون هناك هوامش زمنية للسماح بالتعبير الشفاهي والتمهير فيه ؛ والذي كان بالأمس مقترنا بقراءة القصص وتبادلها بين التلاميذ لتعزيز رصيدهم اللغوي وتوظيفه إما في ارتجال كلمات مناسباتية أو تلخيص مقروءاتهم على مسامع زملائهم .

            آفة يجب الجهر بها

لا يجب الغلو في نقد مناهج تعليم اللغة العربية في مدارسنا ومعاهدنا ، وركوبه مطية في “سلخ” العربية ورميها بالقصور والضعف والتقادم والتجاوز .. والمناداة “باللغة الدارجة” لتحل محلها في التعليم ، فهذا موضوع جد حساس ما زال حتى الآن حبيس آراء مرتجلة مزاجية الطبع ؛ يختلط فيها السياسي بالوطني الضيق ، لم تتناوله بعد الأبحاث الألسنية الرصينة ، ولا شهد بها تاريخ اللغة لقوم انسلخوا فجأة عن هويتهم اللغوية الأولى والقبول بهوية فرعية بديلا عنها .

فإعادة النظر في مناهجنا التعليمية ووسائله الديداكتيكية تمليها علينا كارثة المستوى اللغوي الضحل الذي أصبح عليه معظم “أساتذة” التعليم الابتدائي من الجيل الجديد والذين يعانون من اختلالات وثغرات في بنية تكوينهم السريع “كوكوت مينوت” ، مما يكون لإسقاطها ؛ على مجال التعليم والتعلم ؛ أكبر الأضرار ، أضعف حلقاتها العزوف عن القراءة و”تكريه” المواطن المغربي في لغته الرسمية الأولى . 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل ندرس العربية في مؤسساتنا، أم “ندرِّج” الدروس، من الفيزياء إلى التحليل الأدبي إلى قواعد اللغة .. ؟
    لا يمكن لأي “فرد” لا يمتلك ناصية اللغة أن يصبح مدرسا بأي مستوى تعليمي .. من الروض حتى الجامعة .
    التلميذ “صناعة أيدينا” بالبيت والشارع وأخيرا بالمدرسة .. الأسرة تنفق بضعة ملايين لتجهيز “صالون” بالدار لا يستعمل إلا في المناسبات وحضور الضيوف .. ولا تنفق دريهمات معدودة كل شهر لتكوين مكتبة “بسيطة” واقتناء مطبوعات وكتب “تلهي” الأطفال وتوسع مداركهم، وتغرس فيهم حب البحث ..
    وتأتي مأساة اللغة من وسائل الإعلام .. مكتوبة ومنطوقة .. وصار شعار الأكثرية هو “تبليغ الفكرة؟”بأي أسلوب كيفما كان.
    وجع الموضوع مؤلم، ولا يمكن حصره في سطور ، “الله يرد بنا” ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى