خليه يموت .. ألا يستحق هذا الشعب أن يفرح قليلا؟

مات راعي الغنم محاصرا بالثلوج، وتم العثور على جثته متجمدة بعد أسبوع عن اختفائه في مرتفعات جبل “بويبلان” باقليم تازة… وماتت قبله ضمائر المسؤولين في هذا البلد، ومات معه إحساسنا بالألم الذي طبَعنا معه.

وإذا كنا سننتظر أن يعطي الملك تعليماته، كل سنة في نفس الفترة، لمسؤولي مؤسسة محمد الخامس للتضامن ليفكوا العزلة عن المواطنين المحاصرين بالثلوج، فما الفائدة إذن من الميزانيات، التي تصرف على المجالس المنتخبة في تلك المناطق؟ وما هو دور تلك المجالس أصلا؟ وماذا يفعل الولاة والعمال ورجال السلطة ومسؤولو المندوبيات الوزارية في تلك المناطق طيلة أيام السنة، إذا كانوا سيتعاملون في الأخير مع المواطنين بمبدأ “خلِّيه يموت”؟

“خليه يموت”.. ليست فقط مجرد عبارة يمكن أن تضع حداً لحياة أي مغربي بسيط في الشمال أو في الجنوب، في الشرق أو في الغرب. بل هي عبارة تختصر أسلوب تدبير يتعامل به بعض المسؤولين في هذا البلد مع هذا الشعب منذ عقود.

“خليه يموت”.. عبارة تختصر نظرة الاحتقار التي يرى بها مسؤولون هذا الشعب، من خلف تلك الستارات التي تغطي نوافذ سيارات الدولة الفارهة، وخلف تلك الأبواب الموصدة، التي تعزلهم داخل المكاتب المكيفة، وخلف تلك الأسوار، التي تفصل بين فيلاتهم الفاخرة وسكن البسطاء العشوائي.

“خليه يموت”.. هي ببساطة “خلّص عاد اشكي”، و”سير حتى تجي”، و”ادهن السير يسير”، و”ما عارفش راسك معا من كتدوي؟”، وغيرها الكثير من العبارات، التي ألف المغاربة سماعها في غير ما مكان…

“خليه يموت”.. عبارة لا يسمعها المغاربة فقط، بل يحسونها عند كل دخول مدرسي، عندما يرون أطفالهم مكدسين في أقسام مثل زنازين السجون، ويحسونها عند زياراتهم لأقرب مستشفى، حاملين بطاقات تثبت ضعفهم، ليحجزوا موعداً بعد ستة أشهر أو سنة أو ربما أكثر، ويحسونها عند دخولهم إلى أقرب إدارة للبحث عن وثيقة، قد تكلفهم قوت عيالهم رشوة للحصول عليها، ويحسونها عند كل موعد انتخابي، بعدما يتذكر أغنياء القوم أن هناك شعباً يصلح قنطرةً للوصول إلى الأجور السمينة والامتيازات المتينة، ويحسونها عند كل عيد أضحى، عندما يضطرون للجوء إلى مؤسسات القروض الصغرى، لرسم بسمة على أوجه أطفالهم، ويحسونها عند وقوفهم للتزود ببعض الليترات من البنزين، الذي لا ينزل ثمنه في بلدهم مهما نزلت أثمنته في العالم، ويحسونها عندما تتهاطل الأمطار والثلوج، فيجدون أنفسهم معزولين عن العالم، هناك حيث لا يُسمع نداء الحوامل سوى رب كريم، ويحسونها عندما يحجز رئيس الحكومة القنوات العمومية له وحده، ليكرر على مسامعنا أن “العام زييييين”.

“خليه يموت”.. لا تلخص فقط مأساة راعي غنم وسط قرى المغرب السحيق، بل تلخص مأساة شعب يريدونه في خدمتهم فقط، ويستكثرون عليه حتى الصراخ… بينما عبارة “خليه يموت” لا تمثل عند المسؤولين سوى مجرد إشاعة يريد “العدميون” الركوب عليها لخلق الفوضى، لأنهم، ببساطة، يمسكون اليوم بزمام الأمور ويجلسون فوق الكراسي المريحة. وبما أن الضحية لم يكن يوما عضوا في الجماعة، فلا داعي للتحرك، لأن الشعب يصلح فقط في فترة الانتخابات.

“خليه يموت”.. هو ذلك الوجه البشع للبلد، الذي نحاول إخفاءه بمساحيق التجميل، وهو ذلك الوجه البشع، الذي فضحته التكنولوجيا الحديثة، وذلك الوجه البشع، الذي يكتشفه البعض بيننا للمرة الأولى، وهو ذلك الوجه البشع، الذي لم تعد تنفع معه مساحيق التجميل، ويحتاج إلى عملية حقيقية للتجميل.

خالد اشيبان 

مقالات ذات صلة

‫10 تعليقات

  1. نعم كلام في المستوى المسؤولين فهد البلد سعيدة خاصهوم غير اجيبو بشعب الوقت اما في الانتخابات شعب هو كل شيء انا بنسبة ليا الاحزاب زيرو الحكومة زيرو. خاص اول شيء توقيف والي جيهة و عامل تازة و قائد المنطقة وممثل مؤسسة محمد الخامس.

  2. ونعم المقال لله ذرك يا كاتب المقال والله انه مقال في المستوى يعبر بدقة عن وضعية ما آلت إليه الأوضاع في بلادنا الله يلطف بنا راحنا غاديين مع هاد المسؤولين ال الهاوية الله يستر ……

  3. الله يعطيك الصحة لقد اختصرت كل ما يجول في خاطر كل مغربية ومغربي حر وان شاء الله يوما سيخرج الى الى الملأ لنكسر قيود العبودية على يد اجيال لن ترضى الذل والهوان وستكتب مستقبلها بايديها وليس بأيدي الخونة وعديمي الضمير

  4. كون كان شي يهودي كون ريبو الجبل عليه وحضرات الكوبتير و الصحافة حيت هاذاك درويش ليه الله ونعم المولى الدراويش جنتهم بعد الموت وفرج الله قريب

  5. بنادم فالمغرب تاكيموت عاد كايعطيوه اهتمام أما فاش كايكون حي ماكيهتم لأمره احد
    منافقييييين!

  6. مئال البلد ومصير شعبه ايلان الى ماءال اليه الوضع فى بدايات القرن الماضى,العويل والصراخ لن يفيدا فى شىء,ان لم تكن هناك ارادة قوية من عموم الشعب لتدارك الوضع ,فلا تتوقعوا شيئا غير الاسوا,مادام الدين الخارجى يلتهم كل الناتج الاجمالى للبلد,لم يبقى الا الارتجال فى القرارات والكوارث تلو الاخرى,وهكدا هو حالنا حتى تقع الفاس فى الراس ,والله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابانفسهم.

  7. المشكل في هذا البلد هو الشعب ليس البرلمانيين لأن عندما يبيع الناخب صوته لفاسد ب100 درهم اواقل وبعدها يطلبون منهم تمثيلهم في البرلمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى