أشيبان يكتب: في الحاجة إلى أحزاب قوية .. وليست صورية !

خالد أشيبان

إذا عدنا إلى خطاب افتتاح السنة التشريعية، سنجد أن الفقرة، التي اختتم بها الملك محمد السادس، كانت قوية ومعبرة، واختزلت الكثير:

“إن الرهانات والتحديات التي تواجه بلدنا، متعددة ومتداخلة، ولا تقبل الانتظارية والحسابات الضيقة… والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمّهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم، وإلى رجال دولة صادقين، يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات”.

إننا نوجد، اليوم، أمام مفترق طرق، حيث تتنامى الحاجة إلى أحزاب سياسية حقيقية، يكون للفاعل السياسي داخلها دور محوري. ونعتقد أن المعادلة، التي فشلت جميع الأحزاب الوطنية في حلها، أخذا بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع، هي معادلة إيجاد التوازن بين الفاعل السياسي والكائن الانتخابي داخلها، فالفاعل السياسي يناضل ويدافع عن تصور مجتمعي، ويسعى إلى تنفيذه عبر بلورة سياسات عمومية، يمكن تنفيذها عند الوصول إلى مناصب المسؤولية. أما الكائن الانتخابي، فيسعى فقط إلى الحفاظ على مصالحه الانتخابية الضيقة، ولو تطلب الأمر الانتقال بين جميع الأحزاب خلال ولاية انتخابية واحدة.

إن الصراع الانتخابي، في الأخير، يفرض على الأحزاب أن تفكر ببراغماتية، ويدفعها إلى تفضيل “الأقدر” (الكائن الانتخابي) على “الأصلح” (الفاعل السياسي)، لأن حجم أي حزب في الساحة، في ظل نظام يعتمد بالأساس على الديمقراطية العددية، سيحدده عدد المقاعد، التي يحصل عليها.

وحدها الأحزاب الإسلامية لا تعاني من نفس المشكل، لأن معظمها عبارة عن أذرع سياسية تابعة لحركات إسلامية، تستغل الدين للتوغل داخل المجتمع، وتلعب دور الكائن الانتخابي، الذي يوفر الخزان الانتخابي للفاعل السياسي. غير أن وصول الإسلاميين إلى السلطة، في بلدنا وفي البلدان المجاورة، وضعهم بين مطرقة تنفيذ تصورهم المجتمعي، وبين سندان نقص الكفاءة والخبرة في التسيير، التي يمكنها أن تُكسبهم ثقة المجتمع.

لهذا، فكل التشوهات، التي تعرفها الساحة السياسية في بلدنا، اليوم، سببها انعدام التوازن بين الفاعل السياسي والكائن الانتخابي داخل الأحزاب، وهيمنة هذا الأخير على القرار الحزبي باستعمال سلطة المال. وهذا ما يحيلنا إلى سؤال الاستقلالية المالية للأحزاب، والسبل الكفيلة لضمانها، بغية خلق التوازن المطلوب بين الكائن الانتخابي والفاعل السياسي.

وهنا يجب توضيح أمر مهم جدا: إن الأحزاب مملوءة بالكفاءات، أو على الأقل الأحزاب الكبرى في هذا البلد، ومن يتحدث عن الأحزاب من الخارج، لن يكون حكمه صائبا بنسبة كبيرة، ومن يختصر الأحزاب في خمسة أو عشرة أسماء معروفة ومُستهلكة إعلاميا داخل كل حزب، فهو يصدر حكما جائرا ببساطة.

إن الكفاءات موجودة، لكنها تحتاج إلى “دفعة”.

والواقع هو أن النظام الانتخابي لبلدنا، وخصوصيات مجتمعنا، هما ما يفرض على الأحزاب في الانتخابات تقديم “الأقدر”، وليس “الأصلح”، فالأقدر هو القادر على كسب المقعد بوسائله الخاصة، والأصلح هو من يستحق المقعد.

أما دستور بلدنا، فقد زاد الطين بلة عندما حسم في أمر رئاسة الحكومة للحزب الأول في الانتخابات، وأصبح الصراع الوحيد الموجود في الانتخابات محصورا في الحصول على أكبر عدد من المقاعد، وبأي ثمن وبأي وسيلة، لينتزع الحزب رئاسة الحكومة، “ومن بعد، يحن الله!”، بينما يزيد عزوف النخبة عن المشاركة في الانتخابات من تعقيد الأمور، ويدفع بدوره الأحزاب إلى تقديم الشخص القادر على تحقيق المقعد، بغض النظر عن الكفاءة والنزاهة، وأي شروط موضوعية أخرى.

لهذا يجب إعادة النظر في القانون الانتخابي، ليعطينا منظومة انتخابية قادرة على القيام بالغربلة القبلية، وإفراز النخب السياسية، التي تصلح للكرسي، وليس النخب القادرة على كسب الكرسي. فالبلد اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى أحزاب قوية ومؤسسات تمثيلية، تنقل قضايا الشارع عبر القنوات الرسمية، وتكون حقا صوتا للشعب… وهذا دون إخلاء مسؤولية الشعب في المشاركة، والاختيار الصحيح لممثليه داخل كل المؤسسات.

ببساطة، فاللعبة الديمقراطية، إذا افتقدت إلى الأسس الحقيقية التي تُبنى عليها، تصبح مجرد سلم يتسلقه السماسرة والانتهازيون والمستبدون باسم الدين والمال.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لا يدافعون إلا على مصالحهم و ليس على مصالح المواطنين.المواقع الإجتماعية تغلي بالإحتجاج و الإستنكار على ترسيم التوقيت الصيفي و نواب الأمة قد بلعوا ألسنتهم!!! سحقا لهم .

  2. الأحزاب المغربية تحتاج إلى نخب حقيقية قادرة على رفع المطالب وإيصالها إلى صانع القرار لكي يكون هناك إنسجام في العمل الحكومي وتكون السياسات العمومية المبلورة نتاج لقناة تواصل حقيقية مرت عبرها المطالب وتمت معالجتها بطريقة صحيحة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى